بـــــدر الــمـــوعــــــــد

كانت حرب أحد قد تمخضت عن نتائج مادية تختلف تماماً
عن نتائجها المعنوية والسياسية.
فعلى صعيد الخسائر مني المسلمون بخسائر كبيرة،
حيث قتل منهم العشرات،
حينما خالف الرماة الذين كانوا على فتحة الجبل أمر رسول الله «صلى الله
عليه وآله» له بالبقاء في أماكنهم،
فسنحت الفرصة للمشركين،
وأوقعوا بالمسلمين،
وقتلوا منهم عدداً
كبيراً
من الناس.
ولكن هذه النتيجة لا تمثل كل الواقع،
ولا يمكن اعتبارها معياراً تقاس عليه سائر النتائج،
التي تمخضت عنها تلك الحرب،
على صعيد الربح والخسارة والتأثير في الواقع النفسي لكلا الفريقين،
ثم في الواقع السياسي والعسكري.
حيث إن النتائج كانت في هذه المجالات لصالح المسلمين،
إذ انتهت المعركة بهزيمة حقيقية فاحشة مني بها المشركون في الجهات
الثلاث جميعاً،
أي من الناحية العسكرية،
والنفسية،
وعلى صعيد الحالة السياسية في المنطقة بصورة عامة.
غير أن أبا سفيان قد حاول أن يقوم بمبادرة إعلامية
جريئة تحفظ للمشركين بعض هيبتهم،
وتعيد
إليهم
شيئاً من معنوياتهم حيث أعلن: أن المعركة التالية، والتي قد تكون هي
الحاسمة،
سوف تكون بعد عام من تاريخ غزوة أحد.
وقد نسي أو تناسى:
أن نفس هذا الإعلان ليس في الحقيقة إلا إعلان فشلهم في
تحقيق الأهداف التي كانوا يسعون إلى تحقيقها من خلال خوضهم هذه الحرب.
ثم كانت حركة المسلمين السريعة في مطاردتهم عقب انتهاء
غزوة أحد، بمثابة فضيحة مخزية للمشركين، لا سيما وأنه «صلى الله عليه
وآله» قد قرر أن تكون هذه المطاردة مقتصرة على خصوص جرحى أحد، بقيادة
علي أمير المؤمنين
«عليه
السلام».
وبعد مرور نحو عام، واقتراب الموعد الذي ضربه أبو سفيان
كان لا بد من التحرك. وكانت نتيجة هذا التحرك،
المزيد من الخزي لأبي سفيان،
وكل معسكر الشرك والبغي، والمزيد من العزة والشوكة للمسلمين،
وللإسلام في ظل قيادة نبيه الأكرم «صلى الله عليه وآله».
فما الذي جرى في بدر الموعد؟! وما الذي نتج عنه؟.
هذا ما سوف نتعرض له في ما يلي من مطالب..
يذكر المؤرخون:
أن غزوة بدر الصغرى (الموعد) (الثالثة)،
قد كانت في هلال ذي القعدة في السنة الرابعة.
وقيل:
في شوال.
وقد غاب فيها رسول الله «صلى الله عليه وآله» ست عشرة
ليلة.
والمقصود هو:
بدر الصفراء، التي كانت سوقاً للعرب في الجاهلية. يجتمعون فيها في كل
عام لمدة ثمانية أيام،
ابتداء من أول ذي القعدة، ثم يفترقون([1]).
وقد ربح المسلمون فيها في تجارتهم في سوق بدر،
في هذه المناسبة بصورة ملفتة،
كما سنرى.
وأما قول موسى بن عقبة:
إنها كانت في
شوال سنة ثلاث([2])
فلا يصح،
لأنها كانت لأجل تنفيذ طلب أبي سفيان بعد انتهاء حرب
أحد بأن يلتقوا للحرب في بدر،
بعد عام.
وأحد إنما كانت في السنة الثالثة كما هو معلوم([3]).
كما أن الأشبه:
أنها كانت في
ذي القعدة، أو قبل ذلك لأن أحداً كانت في ذي القعدة، وكان بينهما سنة([4]).
والصحيح:
أنها كانت في شعبان كما سيأتي في غزوة الخندق.
يذكر المؤرخون:
أن أبا سفيان لما أراد أن ينصرف من أُحد
نادى: يا محمد، الموعد بيننا وبينكم موسم بدر الصغرى لقابل، إن شئت
نلتقي بها فنقتتل.
وعن مجاهد ـ كما في الوفاء ـ أنه
قال:
يا محمد، موعدكم بدر، حيث قتلتم أصحابنا.
فقال النبي «صلى الله عليه وآله»
لعمر بن الخطاب:
قل: نعم، إن شاء الله. فافترق الناس على ذلك.
ثم يذكر المؤرخون وقائع غزوة بدر الموعد.
ونحن من أجل أن نلمّ
بأكثر الخصوصيات التي قيلت في هذه الغزوة وعنها، نجمع شتات كلمات
الرواة والمحدثين،
ونقلة الأخبار والمؤرخين،
ونؤلف بينها،
ثم نشير في نهاية ذلك إلى المصادر التي قد يكون فيها أكثر الذي ذكرناه،
أو بعضه.
فنقول:
لما مضى على أُحد
ما يقرب من عام، وقرب الموعد الذي ضربه أبو سفيان، كره الخروج وخاف من
عواقبه،
ثم قر رأيه بعد المشاورة على الخروج شيئاً يسيراً،
ثم يعود،
فخرج في أهل مكة،
حتى نزل مجنّة، من ناحية الظهران.
يقال:
عُسفان.
وكان في ألفي رجل، ومعهم خمسون فرساً.
ويقول البعض:
إنه بعد أن خرج إلى عسفان أو مجنة ألقى الله الرعب في
قلبه،
فبدا له في الرجوع.
فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي، وقد قدم معتمراً؛ فطلب
منه:
أن يلحق بالمدينة،
ويثبط المسلمين،
ويعلمهم: أن أبا سفيان في جمع كثير،
ولا طاقة لهم بهم،
ووعده أن يعطيه عشرة ـ وعند الواقدي: عشرين ـ من الإبل، يضعها على يدي
سهيل بن عمرو،
ويضمنها سهيل له.
وحمله على بعير.
ومما قاله له، بعد أن ذكر له:
أن هذا عام جدب:
«قد
بدا لي أن لا أخرج إليها،
وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج؛ فيزيدهم ذلك جراءة؛ فلأن يكون الخُلف من
قبلهم أحب الي من أن يكون من قبلي».
وبعد ضمان سهيل بن عمرو الإبل لنعيم،
خرج مسرعاً،
حتى أتى المدينة؛ فوجد الناس يتجهزون لميعاد أبي سفيان، فسألهم فأخبروه
بما يريدون، فقال لهم:
«بئس
الرأي رأيتم،
أتوكم في دياركم وقراركم،
فلم يفلت منكم إلا الشريد،
فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم؟! والله،
لا يفلت منكم أحد».
وجعل يطوف بهذا القول في أصحاب رسول الله «صلى الله
عليه وآله».
فكره أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» الخروج.
وزاد الواقدي قوله:
«حتى
نطقوا بتصديق قول نعيم،
أو من نطق منهم.
واستبشر بذلك المنافقون واليهود، وقالوا:
محمد لا يفلت من هذا الجمع».
حتى بلغ رسول الله «صلى الله عليه وآله» ذلك،
وتظاهرت به الأخبار عنده، حتى خاف رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن
لا يخرج معه أحد.
فجاء أبو بكر بن أبي قحافة (رض)،
وعمر بن الخطاب (رض)،
وقد سمعا ما سمعا،
فقالا: يا رسول الله، إن الله مظهر دينه،
ومعز نبيه.
وقد وعدنا القوم موعداً،
ونحن لا نحب أن نتخلف عن القوم،
فيرون أن هذا جبن منا عنهم؛ فسر لموعدهم؛ فوالله،
إن في ذلك لخيرة.
فسر رسول الله «صلى الله عليه وآله»
بذلك، ثم قال:
«والذي
نفسي بيده،
لأخرجن ولو وحدي».
قال عثمان:
«لقد
رأيتنا وقد قذف الرعب في قلوبنا فما أرى أحداً له نية في الخروج».
فأما الجبان، فإنه رجع، وتأهب
الشجاع للقتال، وقالوا:
حسبنا الله ونعم الوكيل.
واستخلف رسول
الله «صلى الله عليه وآله» على المدينة عبد الله بن رواحة [أو عبد الله
بن أبي سلول]([5])
وحمل لواءه الأعظم علي بن أبي طالب، في ألف وخمس مائة رجل. والخيل عشرة
أفراس.
قال الواقدي([6]):
«فرس
لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، وفرس لأبي بكر، وفرس لعمر، وفرس لأبي
قتادة، وفرس لسعيد بن زيد، وفرس للمقداد، وفرس للحباب، وفرس للزبير،
وفرس لعباد بن بشر».
وخرجوا ببضائع لهم وتجارات.
وقالوا:
إن لقينا أبا سفيان فهو الذي خرجنا له،
وإن لم نلقه ابتعنا ببضائعنا. فجعلوا يلقون المشركين، ويسألون عن قريش،
فيقولون: قد جمعوا لكم، يريدون أن يرهبوا المسلمين.
فيقول المؤمنون:
حسبنا الله ونعم الوكيل.
وفي نص آخر:
قال لهم المنافقون: قد قتلوكم عند بيوتكم، فكيف إذا أتيتموهم
في بلادهم، وقد جمعوا لكم، والله لا ترجعون أبداً.
ومهما يكن من أمر، فإنهم لما قربوا
من بدر قالوا لهم:
إنها امتلأت من الذين جمعهم أبو سفيان، يرعبونهم
ويرهبونهم، ونزلت آية:
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ
النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ..﴾([7])
فلما بلغوا بدراً
وجدوا أسواقاً
لا ينازعهم فيها أحد [وفي الحلبية([8])
فأنزل الله:
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ
النَّاسُ..﴾]..
وقال مجاهد وعكرمة:
في هذه الغزوة نزل قوله تعالى:
﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لله وَالرَّسُولِ..﴾([9]).
وعند أكثر المفسرين:
نزلت هذه الآية في غزوة حمراء الأسد.
وبلغ المسلمون بدراً
ليلة هلال ذي القعدة. والصحيح في شعبان.
وقد أقام النبي «صلى الله عليه وآله» بها ثمانية أيام،
ينتظر أبا سفيان.
وباع المسلمون تجاراتهم وبضائعهم في سوق بدر،
وأصابوا بالدرهم درهمين.
وقد سمع الناس بمسيرهم، وذهب صيت جيشهم إلى كل جانب،
فكبت الله بذلك عدوهم.
وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين.
أما
المشركون فرأى لهم أبو سفيان أن يخرجوا، فيسيروا ليلة أو ليلتين،
ثم يرجعون؛ فإن كان محمد قد خرج احتجوا بأن السنة كانت سنة جدب، وإن لم
يخرج كانت هذه لهم عليه.
فخرجوا، وهم ألفان، ومعهم خمسون فرساً،
حتى انتهوا إلى مجنّة،
وهو سوق معروف بناحية الظهران، وقيل:
إلى عسفان،
ثم رجعوا.
وفي نص آخر:
أن ابن حمام قدم على قريش، فأخبرهم بمسير المسلمين إلى
بدر، فأُرعب أبو سفيان،
ورجع إلى مكة. فسماهم أهل مكة: جيش السويق. أي خرجوا يشربون السويق.
وبلغ المشركين خروج المسلمين إلى بدر وكثرتهم، وأنهم
كانوا أصحاب الموسم، فقال صفوان بن أمية لأبي سفيان: نهيتك أن تعد
القوم، ولم تسمع كلامي.
قد اجترؤوا علينا ورأوا: أنَّا
قد أخلفناهم،
ثم أخذوا بالكيد والتهيؤ لغزوة الخندق.
كانت تلك الصورة مأخوذة من نصوص ذكرت هنا وهناك في
المصادر
المختلفة([10])
أوردناها في سياق واحد، لتكون الصورة التي يرسمها لنا المؤرخون أكثر
انسجاماً،
واستجماعاً
للملامح الضرورية التي يريدون توجيه الأنظار إليها.
وقد ذكروا أيضاً:
أن عبد الله بن رواحة، أو حسان بن ثابت قد قال في جملة
أبيات له:
وعـدنـا أبـا سفـيـان
وعـداً
لم نجد لمـيـعـاده
صدقـاً
وقد كـان وافيا([11])
ولنا هنا مناقشات وشكوك في بعض ما ذكروه، كما أن لنا
بعض الإيضاحات والتحليلات التي ربما تكون مفيدة هنا، ونحن نذكر ذلك
فيما يلي من مطالب، فنقول:
قد تقدم قولهم:
إن آية:
﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لله
وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ
أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ، الَّذِينَ قَالَ
لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ، فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ لَمْ
يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ الله وَ اللهُ ذُو فَضْلٍ
عَظِيمٍ﴾([12])..
قد نزلت في مناسبة بدر الموعد؛ لأن المسلمين قالوا ذلك.
ولكننا لا نستطيع قبول ذلك؛ فعدا عن تناقض الروايات في
مكان نزولها: في المدينة، أو في الطريق إلى بدر، أو في بدر نفسها، كما
تقدم، نسجل الأمور التالية:
الأول:
قال العسقلاني، بالنسبة لآية:
﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لله﴾:
«والصحيح:
أن هذه الآية نزلت في شأن حمراء الأسد، كما نص عليه العماد بن كثير»([13]).
وقد روى المحدثون والمؤرخون، والمفسرون:
أنها نزلت في حمراء الأسد، فراجع ما رووه عن: ابن عباس،
والحسن، وابن جريج، وعائشة، وأبي السائب، والسدي، وقتادة،
وأنس، ومن طريق العوفي. وعن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم([14]).
وروي أيضاً عن أبي رافع بطرق كثيرة، وكذا عن أبي مريم.
وعن جابر، عن الإمام الباقر «عليه
السلام»:
أنها نزلت في
علي «عليه السلام» في حمراء الأسد([15]).
الثاني:
إن سياق الآيات لا يتلاءم مع غزوة بدر الصغرى، فهي تمدح
الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح. وذلك إنما يناسب
غزوة حمراء الأسد; حيث إن الذين قاموا بها هم خصوص أولئك الذين جرحوا
في حرب أحد.
أما في بدر الصغرى، فكان قد مضى عام بكامله على تلك
الجراح. ولم يكن في بدر الصغرى نفسها حرب ولا جراح.
الثالث:
إن هذه الآيات تتمدح أولئك الذين قال لهم الناس: إن الناس قد جمعوا لكم
فاخشوهم، فزادهم إيماناً.
مع أن الروايات التي تتحدث عن قصة بدر الصغرى، قد صرح كثير منها بأن
أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد كرهوا الخروج إلى بدر الموعد،
حتى نطقوا بتصديق قول نعيم بن مسعود، الذي كان يخذلهم ويُخوِّفهم،
واستبشر المنافقون واليهود، حتى بلغ رسول الله «صلى الله عليه وآله»
ذلك، وتظاهرت به الأخبار عنده، حتى خاف رسول الله «صلى الله عليه وآله»
أن لا يخرج منهم أحد.
حتى قال «صلى الله عليه وآله»:
والذي نفسي
بيده، لأخرجن ولو وحدي.
وقال عثمان بن عفان:
لقد رأيتنا وقد قذف الرعب في قلوبنا، فما أرى أحداً له
نية في الخروج..
ويذكر البعض:
أن نعيم بن مسعود قدم المدينة:
«وأرجف
بكثرة جموع أبي سفيان.
أي
وصار يطوف فيهم،
حتى قذف الرعب في قلوب المسلمين،
ولم يبق لهم نية في الخروج،
واستبشر المنافقون،
واليهود،
وقالوا: محمد لا يفلت من هذا الجمع.
فجاء أبو بكر، وعمر،
إلى النبي «صلى الله عليه وآله»،
وقد سمعا ما أرجف به المسلمون،
وقالا له: يا رسول الله،
إن الله مظهر نبيه،
ومعز دينه،
وقد وعدنا القوم موعداً
لا نحب أن نتخلف عنه،
فيرون أن هذا جبن. فسر لموعدهم، فوالله إن في ذلك لخيرة.
فسر رسول الله «صلى الله عليه وآله»
بذلك ثم قال:
والذي نفسي بيده،
لأخرجن،
وإن لم يخرج معي أحد،
فأذهب الله عنهم ما كانوا يجدون،
وحمل لواء رسول الله «صلى الله عليه وآله» علي بن أبي طالب الخ..»([16]).
ونقول:
إن ما يذكر هنا من موقف لأبي بكر وعمر لا يتلاءم مع
سائر مواقفهما في مناسبات كهذه،
فراجع موقفهما في غزوة بدر مثلاً،
ثم موقفهما في الأحزاب،
وخيبر،
وغيرها.
بالإضافة إلى فرارهما في المواطن،
ومنها غزوة أُحد،
وهي
الغزوة التي ضرب فيها الموعد لبدر الصغرى هذه!!
وقد تقدم:
أن المسلمين كرهوا الخروج،
وتظاهرت بذلك الأخبار عند رسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى خاف أن
لا يخرج معه أحد،
وقال: والذي نفسي بيده لأخرجن،
ولو لوحدي.
وقال عثمان بن عفان:
لقد رأيتنا،
وقد قذف الرعب في قلوبنا فما أرى أحداً له نية في الخروج.
فكلام عثمان نكرة في سياق النفي يشمل حتى عمر وأبا بكر،
فلا يتلاءم مع ما يذكر من موقفهما هنا.
فإن صح ما نقل عن الشيخين هنا، ولا أراه يصح، فإننا نجد
أنفسنا أمام احتمالين،
لا بد أن يكون أحدهما هو السبب ونرجح ثانيهما،
وهما:
الأول:
أن يكونا قد رأيا تصميم رسول الله «صلى الله عليه وآله»
على المسير،
إلى درجة عرفا أنه «صلى الله عليه وآله» لن يتراجع عن قراره بأي ثمن
كان،
ولو كان وحده.
فموقفهما هذا لن يكون له أثر في ذلك،
ولسوف يكون مفيداً
في تسجيل موقف
إيجابي
لهما،
يمكن أن يكون مفيداً
لهما في تحسين موقعهما عند النبي «صلى الله عليه وآله» والمسلمين،
ولا سيما بعد فرارهما في أحد،
وبعد مشورتهما المتخاذلة في بدر.
الثاني:
إنهما ربما يكونان قد وقفا من نعيم بن مسعود،
أو من غيره على حقيقة أمر أهل مكة،
وأنهم خائفون من مواجهة النبي «صلى الله عليه وآله» والمسلمين بالحرب،
لا سيما مع ما نلمحه من وجود قدر من التفاهم والانسجام في المواقف
أحياناً،
كما تقدم في غزوة بدر،
حول الاستشارة في الحرب،
ثم في قصة الأسرى،
وبعد ذلك في غزوة أحد حينما وضعنا بعض علامات الاستفهام حول تحركات
الخليفة الثاني.
والخلاصة:
أنهما إذا كانا قد علما بحقيقة أمر المشركين،
فهما يعلمان مسبقاً:
أن خروج النبي «صلى الله عليه وآله» والمسلمين إلى بدر الموعد لن يشكل
أي خطر على مشركي قريش،
إلا من الناحية الإعلامية والسياسية والنفسية.
كما أنهما نفسيهما
سوف لا يواجهان أي خطر يخشيانه،
ولو في ضمن زحمة المعركة،
كما قد حصل في أحد.
إننا ـ وإن كنا نقدر الواقدي في حدود معينة،
ونراه منصفاً
شيئاً ما، وهو من حيث نقله ينقل سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه
وآله»
ـ
بصورة أفضل وأدق مما ينقلها البعض، ولكننا نعتب عليه
أحياناً
ـ
ليس لأجل إيراده ما ثبت بالدليل القاطع زيفه،
أو التزيد فيه من الرواة،
فإن ذلك أمر مألوف ومعروف،
ولم ينج منه مؤلف في قضايا التاريخ وغيرها ـ بل لأجل وقوعه أحياناً ـ
كغيره ـ في المتناقضات،
أو فريسة
لأصحاب الأهواء،
وأهل الزيغ من الحاقدين والموتورين،
وقد وقع هنا في هذا الخطأ بالذات،
حين صور لنا أن المشركين كانوا يعيشون أفراح التأهب
لحرب بدر الموعد،
وكان المسلمون يعيشون الأتراح،
ويهيمن عليهم الرعب والخوف والجبن،
فهو يقول عن المشركين:
«وتهيأوا
للخروج،
وأجلبوا.
وكان هذا عندهم أعظم الأيام،
لأنهم رجعوا من أحد والدولة لهم،
طمعوا في بدر الموعد أيضاً بمثل ذلك من الظفر»([17]).
ويقول عن المسلمين:
«فيقدم
القادم على أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله»،
فيراهم على تجهز،
فيقول: تركت أبا سفيان قد جمع الجموع،
وسار في العرب ليسير إليكم لموعدكم،
فيكره ذلك المسلمون،
ويهيبهم ذلك»([18]).
ونقول:
قد ذكرنا في بداية الحديث:
أن المشركين لم ينتصروا في أحد،
بل انهزموا هزيمة نكراء.
وقد اتضح لديهم:
أن ما جرى على المسلمين آنئذٍ لن يتكرر في المستقبل،
لأن ذلك إنما نشأ عن عدم الانضباطية لدى الرماة، الذين كانوا يحرسون في
الجبل،
ولم يكن بسبب ضعف في القدرات الحربية، ولا لجبن في المقاتلين،
أو خور في عزائمهم، ولا بسبب تفرق الأهواء،
ولا
لأجل نقص في كفاءة القيادة. وإنما هو مجرد خطأ شخصي
أعقبته حركة قتالية فريدة،
تجلت فيها كفاءات لا يمكن مواجهتها،
في أي زمان أو مكان، ولا سيما من علي أمير المؤمنين
«عليه
السلام»،
ثم بعض من لحقه من الصحابة الأخيار.
فلا معنى إذن:
لابتهاج المشركين بحرب،
لو كانت تشبه حرب أحد، فذلك يعني الدمار الكامل والشامل لهم.
وأما بالنسبة لحالة المسلمين، التي تحدث عنها الواقدي،
فنحن لا نوافق المؤرخين،
ولا المحدثين على ما ذكروه من خوف شامل في المسلمين من مواجهة المشركين
في بدر الموعد؛ إذ لم يكن ثمة مبرر لذلك،
لا سيما بعد أن حقق المسلمون انتصارات رائعة ومثيرة على المشركين في
بدر وأحد،
رغم خطأ الرماة الذي
تسبب بحدوث كارثة.
ثم إنهم بجهود علي «عليه السلام» تلافوا الخطأ وهزموا
عدوهم.
هذا بالإضافة إلى انتصاراتهم على اليهود،
ثم تحركهم في المنطقة بصورة زادت من هيمنتهم ونفوذهم،
وجعلتهم أكثر قوة وشوكة وثقة بالمستقبل.
ولنا أن نتساءل:
إذا كان المسلمون ارتعبوا حتى خاف النبي «صلى الله عليه وآله» أن لا
يخرج معه أحد،
فكيف ارتفع هذا الخوف عنهم، حتى خرج من الشجعان معه ألف وخمس مئة رجل،
مع أن الذين خرجوا معه إلى أُحد؛
ليدافعوا عن بلدهم المدينة، كانوا ألف رجل (رجع منهم ثلاث مئة مع ابن
أبي) مع الإشارة إلى أن عدد المسلمين لم يكن يزيد عن الخارجين معه إلا
يسيراً.
وهل يمكن أن يذكر لنا التاريخ
اسم واحد من أولئك الذين تخلفوا عن الخروج خوفاً
وجبناً؟!
أما مشركو مكة فقد تقلص نفوذهم في المنطقة بدرجة كبيرة،
وتشكك كثير من الناس في قدرتهم على تحقيق نصر حاسم على المسلمين بسهولة،
لا سيما بعد الهزائم سياسياً
وعسكرياً
التي لحقت بهم حسبما
أشرنا إليه،
ثم ما تتعرض له قوافلهم التجارية،
وعدم قدرتهم على توفير الأمن لها،
بالإضافة إلى توسع منطقة نفوذ المسلمين وتحالفاتهم، على حساب ما كان
لهم من نفوذ وتحالفات.
ولعل ما يقال:
عن رعب في المسلمين وتلكُّؤ قد أريد له أن يجسد المصداق للآيات التي
تتحدث عن تخويف الناس لهم،
مع أن الآيات تذكر تكذيباً
لهذه الشائعة،
وأن هذا التخويف قد زاد المسلمين إيماناً وتصميماً،
ومع أن الآيات إنما نزلت في غزوة حمراء الأسد.
ولعله قد
أريد
ترتيب أجواء مناسبة،
ليقدِّم
أبو
بكر وعمر مشورتهما بلزوم المواجهة،
لتظهر شجاعتهما
دون سائر المسلمين،
وليعوضهما ذلك بعض ما كانا قد فقداه في حالات سابقة.
ولعل فيما ذكرناه كفاية لمن أراد الرشد والهداية.
وقد قرأنا فيما تقدم:
أن نعيم بن مسعود الأشجعي،
قد ذهب إلى المدينة بهدف تخذيل المسلمين عن الخروج إلى بدر الموعد.
ولعل تردد المشركين إلى المدينة بتجاراتهم،
ومتابعة شؤونهم ومصالحهم،
هو من الأمور الواضحة والبديهية تاريخياً.
وربما يحمل ذلك بعض السلبيات للمسلمين أحياناً،
كما لوحظ في هذه المرة،
التي قام فيها نعيم بدور مخرب،
ومضر جداً.
ولكن من الواضح:
أن الإسلام وهو يريد للآخرين،
الذين يناوئونه أن يعيدوا النظر في مواقفهم،
فترة بعد أخرى،
فكان بعيداً
عن أجواء التشنج يفسح لهم المجال للتعامل مع المسلمين بصورة مباشرة،
ليلتمسوا بأنفسهم وبصورة عملية وميدانية محاسن الإسلام،
وآدابه،
وسياساته، وكل آفاقه بحرية تامة،
ومن دون الاعتماد على الشائعات، ولا على الإعلام الموجه الذي قد يتحفظ
الكثيرون تجاهه،
لأنهم قد يتخيلونه غير قادر على أن يعكس بعض الواقعيات بدقة وأمانة.
ثم إن هذا التعامل الطبيعي والحر من شأنه أن يزيل عُقداً
كثيرة ربما لا يمكن إزالتها بدونه، بل هي قد تزيد رسوخاً
وتجذراً،
وتتراكم حولها وفيها الأدران إلى درجة كبيرة وخطيرة،
إذا كانت الأبواب موصدة أمامهم، ولا يعرفون عن الإسلام والمسلمين إلا
نتفاً
قد تتسرب ـ لسبب أو لآخر ـ فتصل إليهم سليمة أو مشوهة،
حسب الظروف.
وبعد..
فإن الإسلام واثق من كل ما لديه،
وليس ثمة شيء محرج له على الإطلاق،
لا في المجال العقيدي،
ولا التشريعي،
ولا السلوكي، ولا في دائرة الدوافع والنوايا،
ولا
في محيط المرامي والأهداف، ولا في غير ذلك من مجالات.
وأما ما ينشأ عن التعامل مع المشركين من سلبيات
أحياناً، فإنه يمكن تلافيه،
ولا أقل يمكن التقليل من آثاره وأخطاره من خلال تحصين الأمة بالوعي،
وبالإيمان،
وبالتربية الصالحة في مختلف المجالات. بالإضافة إلى الدور الأساسي
والمحوري،
الذي تقوم به القيادة المؤهلة ـ وحدها ـ لأن تهدي الأمة،
وتقودها إلى الفلاح،
والسداد والنجاح،
وهي قيادة الأنبياء،
والأئمة المعصومين
«عليهم
الصلاة والسلام».
وقد ذكر في ما تقدم:
أن هناك من يقول: إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد
استخلف عبد الله بن أبي بن سلول على المدينة،
حين سار إلى بدر الموعد.
ونحن نشك:
في صحة ذلك ونرجح أن يكون ابن رواحة هو المستخلف عليها،
كما ذكرته نصوص كثيرة أخرى؛ إذ من البعيد أن يستخلف النبي «صلى الله
عليه وآله» رأس النفاق،
ذلك الرجل الذي كان يميل إلى المشركين واليهود أكثر مما كان يميل إلى
المسلمين،
ولم تزل تظهر منه فلتات وكلمات خطيرة،
لو أراد النبي «صلى الله عليه وآله» أن يجازيه عليها،
لم يكن جزاؤه أقل من القتل؛ وإنما استخلف «صلى الله عليه وآله» علياً
«عليه السلام»
في غزوة تبوك خوفاً من تحرك المنافقين فيها كما سنرى إن شاء الله.
إلا أن يقال:
إن من الممكن أن يكون النبي «صلى الله عليه وآله» يريد
أن يتألفه بذلك،
كما كان يتألف غيره بإسناد بعض المهام إليهم.
قال الواقدي:
«وأقبل
رجل من بني ضمرة،
يقال له: مخشي بن عمرو ـ وهو الذي حالف رسول الله «صلى الله عليه وآله»
على قومه،
حين غزا رسول الله «صلى الله عليه وآله» ودّان
في المرة الأولى ـ فقام ـ والناس مجتمعون في سوقهم، وأصحاب رسول الله
«صلى الله عليه وآله» أكثر أهل ذلك الموسم ـ فقال: يا محمد،
قد أخبرنا:
أنه
لم يبق منكم أحد،
فما أعلمكم إلا أهل الموسم!
فقال رسول الله «صلى الله عليه
وآله»؛ ليرفع ذلك إلى عدوه من قريش:
ما أخرجنا إلا موعد أبي سفيان،
وقتال عدونا،
وإن شئت مع ذلك ـ نبذنا إليك، وإلى قومك العهد،
ثم جادلناكم قبل أن نبرح من منزلنا هذا.
فقال الضمري:
بل نكف أيدينا عنكم،
ونتمسك بحلفك. وسمع بذلك معبد بن أبي معبد الخزاعي،
فانطلق سريعاً،
وكان مقيماً
ثمانية أيام،
وقد رأى أهل الموسم،
ورأى
أصحاب
رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وسمع كلام مخشي؛ فانطلق حتى قدم مكة،
فكان أول من قدم بخبر موسم بدر.
فسألوه فأخبرهم بكثرة أصحاب محمد،
وأنهم أهل ذلك الموسم،
وما سمع من قول رسول الله «صلى الله عليه وآله» للضمري.
وقال:
محمد في ألفين من أصحابه الخ..
قال البيهقي:
فأفزعهم ذلك،
ثم يذكر ملامة صفوان بن أمية لأبي سفيان»([19]).
وقد يستشف البعض من هذه القضية:
أن النبي «صلى
الله عليه وآله» قد أحس من مخشي بن عمرو: أنه قد قال ذلك على سبيل
الاستهزاء والسخرية؛ فقابله النبي «صلى الله عليه وآله» بهذا الأسلوب([20]).
ومن الواضح:
أنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن لينقض العهد،
ولا يباشر حرباً مع أحد إلا إذا اضطرته الظروف
وكان مع ذلك لين الطبع كريم النفس،
قد بلغ الغاية من النبل والأخلاق الكريمة،
حتى أنزل الله فيه:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ
عَظِيمٍ﴾([21]).
وبعبارة أخرى:
إنه إنما اتخذ هذا الموقف من أجل أن يعيد إلى ذلك الرجل
توازنه،
وليفهمه:
أن
الأمور أعمق وأخطر من أن يتلاعب ويستخف بها قاصرو النظر،
الذين لا يشعرون بالمسؤولية،
ولا يحسنون فهم الأمور.
ونقول:
إن كلام مخشي بن عمرو لا يوحي بأنه كان في مقام
الاستهزاء، غير أن من الواضح: أن هذا الرجل،
كان يسعده أن يرى المسلمين وقد أبيدت خضراؤهم،
وقتلت رجالهم، وسبيت نساؤهم، ولعله صدق ما بلغه من ذلك، ثم فوجئ بعكس
ما كان يتوقعه وسمع به. فجاء ليعرف السر في ذلك،
وكأنه كان على قناعة بأن مشركي مكة قادرون على ذلك، وأن المسلمين على
درجة كبيرة من الضعف والوهن في قبال المشركين.
وربما يكون ما جرى في أحد،
الذي لم ينقل إليه،
والى سائر الناس، في صورته الحقيقية قد عزز هذه القناعة لديه،
لأنه إنما وقف على نتائج حرب أحد،
ولم يعرف ملابساتها،
وأنها لم تكن نتيجة ضعف حقيقي في عزيمة المسلمين،
ولا لتخاذل منهم في ساحة الحرب والجهاد،
وبذل المهج،
وخوض اللجج في سبيل الله سبحانه،
كما أنه لم يكن لأجل قوة متميزة في جانب عدوهم جعلته ينتزع النصر
انتزاعاً استناداً
إلى قوة السيف،
والسنان،
وثبات في العزيمة،
وشجاعة في الجنان،
كما ربما يحاول القرشيون أن يشيعوه.
فأراد رسول الله الأعظم «صلى الله عليه وآله»:
أن يبدد هذه الغشاوة عن بصره وبصر كل من يسمعون،
أو سوف يبلغهم هذا القول،
ويواجهه بالحقيقة الناصعة، ويقول له: إنه «صلى الله عليه وآله» ليس فقط
قادراً
على سحق قريش بكل ما لديها من حشد وعتاد وقوة،
وإنما هو على استعداد لمواجهتها ومعها كل من يلتقون معها ويشاركونها
الموقف والرأي،
والبغي على الإسلام والمسلمين.
وقد أساءت قريش لنفسها حينما صورت للناس ضآلة أمر
المسلمين، وضعفهم، فها قد انكشفت للناس أكاذيبها، ورأى الناس حتى
القادمون من تجار وغيرهم بأم أعينهم قوة المسلمين، وعزتهم.
فإذا كان مخشي،
قومه،
بل وكذلك سائر القبائل التي حضرت ذلك الموسم التجاري الواسع، قد تحركت
في نفوسهم نوازع خيانية، أو خالجتهم أحاسيس حول ضعف المسلمين،
أو شعروا: أن لقريش بعض القوة بسبب ما جرى في أحد،
فإن عليهم أن يتأكدوا من صحة تصوراتهم ومعلوماتهم قبل أن يقدموا على أي
عمل،
أو يتخذوا أي قرار.
فهناك أمور قد خفيت عليهم حتماً
وجزماً.
وما جرى في أحد لا يمكن أن يكون معياراً وميزاناً،
ولا يفيدهم شيئاً في حسابات الربح والخسارة،
والنصر والهزيمة، والقوة والضعف.
فقولهم:
إنه «صلى الله عليه وآله» إنما أراد بذلك مقابلة حالة
الاستهزاء والسخرية بالتهديد بنقض العهد لا يصح،
فإن جوابه «صلى الله عليه وآله» لا يتلاءم وهذا الأمر؛ وذلك لأنه «صلى
الله عليه وآله» قد أعطى لمخشي وقومه حرية التصرف في هذا الاتجاه،
واكتفى هو بالاحتفاظ لنفسه بحق المقابلة بالموقف الحازم والحاسم لو نقض
الآخرون عهدهم. وذلك ظاهر لا يخفى.
إن من الواضح:
أن ما أقدم عليه أبو سفيان في نهاية حرب أحد، حيث قطع
على نفسه وعداً
بلقاء المسلمين بعد عام في بدر الصغرى، كان خطأ فاحشاً،
ورأياً
فطيراً،
تعوزه البصيرة بالأمور،
والواقعية في النظرة وفي الموقف.
وذلك لأن المسلمين، بعد ما جرى في أحد،
قد أصبحوا أكثر تصميماً على توجيه ضربة موجعة وقوية لكبرياء قريش،
بعد أن وترتهم في حرب أُحد،
التي لا بد أن يكون المسلمون قد استفادوا منها الدروس والعبر، ولن
يسمحوا أبداً
بتكرر الخطأ الذي وقعوا فيه فيها، مهما كان الثمن.
وقد أدرك أبو سفيان خطأه الكبير ذاك،
ولكن بعد فوات الأوان، وكان صفوان بن أمية قد نبهه إلى ذلك فلم يلتفت
إليه.
وذلك لأن المشركين،
وإن كانوا قد فاجأوا المسلمين في بلادهم، ولم يجدوا الفرصة للإعداد
والاستعداد،
ولكن المشركين لم يحققوا ما حققوه في تلك الحرب نتيجة لتنامي قدراتهم
القتالية، ولا لأجل ضعف في المسليمن. وذلك لأن القوى وإن لم تكن
متكافئة بين الفريقين من حيث العدد والعدة، إلا أن حرب بدر قد أثبتت
للجميع: أن ذلك ليس هو الفيصل في الحرب،
وليس هو الذي يقرر نتائجها.
هذا بالإضافة إلى أن حرب أحد نفسها قد أثبتت للمشركين:
أن نتائج هذه الحرب ـ لو استمرت ـ لن تكون أفضل من نتائج حرب بدر، لولا
الخطأ الذي ارتكبه الرماة على الجبل حيث جعلهم النبي «صلى الله عليه
وآله» هناك ليمنعوا من حصول أي تسلل محتمل للعدو فتركوا مراكزهم،
من أجل الحصول على بعض الغنائم، ثم تسلل المشركون من ذلك الموضع بالذات،
وأوقعوا بالمسلمين الذين كانوا قد انصرفوا عن الحرب إلى جمع الغنائم،
حسبما أوضحناه في غزوة أحد في جزء سابق.
وحتى بعد أن بدأ المسلمون يستعيدون وضعهم القتالي،
فإن المشركين أحسوا بالخطر الداهم،
فآثروا ترك ساحة القتال والانصراف إلى مكة.
فلو كان بإمكانهم تسجيل نصر حاسم،
فلن يجدوا المسلمين في حالة أضعف من الحالة التي هم عليها الآن،
وقد كان يهمهم جداً إنهاء أمر المسلمين،
والقضاء عليهم نهائياً
والى الأبد.
وحتى حينما كان أبو سفيان يطلق وعوده باللقاء في بدر من
العام المقبل،
متبجحاً
بما تحقق لهم في معركة أحد،
فإنه لم يكن في موقع يمكنه من حسم الأمر لصالحه ولصالح المشركين آنئذٍ.
وقد أدرك في وقت متأخر:
أن الخطأ الذي وقع فيه المسلمون في أحد ربما لن يتكرر
في المستقبل،
مع إدراكه أن أي حرب سيخوضها ضد المسلمين،
سوف يكون المسلمون فيها أكثر استبسالاً
وأعظم بلاء من ذي قبل.
كما أنهم سوف يكونون أكثر التزاماً
بأوامر قيادتهم الإلهية، بعد أن صح لهم أن تلك القيادة لا تنقصها
الحكمة ولا الشجاعة، ولا التدبير، وقد لمسوا صوابية مواقفها، وبُعد
نظرتها إلى الأمور، ودفعوا ثمن التساهل في الالتزام بأوامرها غالياً،
وغالياً جداً.
ومن هنا:
فإننا لا نفاجأ إذا رأينا المسلمين يصرون على الاحتفاظ
بزمام المبادرة،
وعلى الهيمنة العسكرية على المنطقة.
وكان لا بد لأبي سفيان من الاحتفاظ بماء الوجه،
ولو شكلياً،
ولكنه فشل في ذلك،
حتى اضطر إلى أن يتراجع،
ويخلف في وعده،
متذرعاً بما لا يخفى على أحد وهنه
وعدم
واقعيته.
حتى
إن
أهـالي
مكة أنفسهم كـانـوا
يتندرون بما حدث،
ويسمون جيشهم المهزوم روحياً ونفسياً،
بأنهم جيش السويق،
أي أنهم خرجوا لشرب السويق في الطريق،
لا للحرب، والقتال.
ولو كان العام عام جدب فعلاً،
فلماذا خرج أبو سفيان بهذا الجيش الكثيف من مكة؟
ألم يكن يدري حين جهز جيشه بهذا الجدب الذي زعمه،
ثم اكتشفه بعد أن قطع مسافة من الطريق،
وبلغ إلى مجنّة
من ناحية مرّ الظهران؟!.
وإذا كانت بدر تستضيف الكثيرين الذين يأتونها من مناطق
مختلفة، لأجل السوق؛ فإن حضور المسلمين في هذا السوق على هذه الصورة
الملفتة والمثيرة، لسوف يكون له تأثيره القوي على الناس الذين يعيشون
في المناطق على اختلافها. خصوصاً
إذا لاحظ الناس هذا الإصرار من المسلمين على لقاء عدوهم،
حتى إنهم لينتظرون ثمانية أيام،
ثم يتخلف عدوهم عن الحضور، رغم أنه كان هو الطالب والراغب بمناجزة
المسلمين وقتالهم في هذا الموضع.
وإذا كان هذا العدو هو مشركو مكة؛ بما لها من هيبة،
ونفوذ،
وليس عدواً
عادياً
من سائر القبائل،
فإن القضية سوف تصبح أكثر حساسية بالنسبة لأولئك الناس،
ولسوف يكون لها أكثر من مغزى عميق ودقيق، وأكثر من أثر سلبي وإيجابي
على مشاعرهم وأحاسيسهم،
وعلى نظرتهم إلى المستقبل، بصورة عامة.
وهكذا:
فإن الكل سوف يدرك أن ما جرى في أحد لم يؤثر ولم يغير
في المعادلة شيئاً،
إن لم نقل: إنه قد كانت له آثار سلبية على المشركين،
وإيجابية على المسلمين كما هو ظاهر.
الإتجار
في بدر الموعد:
إن البعض قد رأى:
أنه من غير المعقول أن يحمل المسلمون معهم إلى بدر
بضائع للتجارة،
ما داموا ذاهبين إلى القتال،
وإلى
منطقة يجتمع فيها خلائق من الناس الذين يلتقون مع قريش في أهدافها،
وفي عقائدها ومواقفها تجاه الإسلام والمسلمين.
إذن..
فموضع لقاء المسلمين بالمشركين ليس هو بدر التي هي سوق
للعرب.
كما أنهم قد ذهبوا إلى الحرب بلا بضائع،
وليس لأجل البيع والشراء([22]).
ونقول:
إننا لا نستطيع أن نوافق هذا الباحث على رأيه المشار
إليه، وذلك لأن سوق بدر لم يكن المجتمعون فيه مستدعين لخوض حرب تحتاج
إلى تجهيزات كثيرة ومتنوعة،
من خيول ودروع وأعتدة مختلفة.
كما أن سيطرة الجيش الإسلامي على الموقف سوف تمنحه
الفرصة للتعامل مع الآخرين وعقد الصفقات التجارية بكل طمأنينة وثقة.
أضف إلى ذلك:
أن جهاز الاستخبارات الإسلامي كان من القوة بحيث إنه
كان يرصد أي تحرك يحصل في مختلف أنحاء الجزيرة العربية على اتساعها
وترامي أطرافها،
وينهيه إلى الرسول الأكرم في الموقع المناسب.
ويدل على ذلك:
أنا نجد النبي «صلى الله عليه وآله» يفاجئ أعداءه،
الذين يتآمرون،
ويتأهبون لقتاله،
وهم غارون،
وقبل أن تصدر منهم أية بادرة أو أن يجدوا الفرصة لأي تحرك والتفاف،
ولو من خلال إعادة تنظيم أمرهم،
ولم شعثهم.
فجهاز الاستخبارات هذا لا يعجز عن رصد حالة الناس في
تلك السوق.
كما أنه لا يعجز عن موافاة النبي «صلى الله عليه وآله» في الوقت
المناسب بحقيقة نوايا قريش،
وما أزمعت عليه من كيد ومكر إعلامي فاشل.
ومن الجهة الأخرى:
فإن المسلمين كانوا وما زالوا رغم حروبهم مع أعدائهم
منفتحين حتى على أولئك الأعداء في النواحي التجارية والإنمائية.
حتى إننا لنجد تجار المشركين لا يزالون يترددون على
المدينة بتجاراتهم المختلفة.
ويحدثنا التاريخ:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه كان يشجع هذا التوجه بصورة عامة.
كما أوضحناه في كتابنا: السوق في ظل الدولة الإسلامية،
فراجع.
ويكفي أن نذكر:
أنه «صلى الله عليه وآله» قد أطلق الصناع وأصحاب الحرف
في خيبر لينتفع بهم المسلمون،
كما سيأتي حين الحديث عن غزوة خيبر.
فالجيش الإسلامي إذن لا بد أن يقدم نموذجاً
من الوفاء والتضحية والانضباطية أولاً.
كما أنه في نفس الوقت يقيم علاقات تجارية مع الآخرين،
ويتعامل معهم بطريقة سليمة وعفوية،
وبريئة،
من خلال إحساسه بالثقة وبالقوة والثبات.
أضف إلى ذلك:
أن المسلمين كانوا يشكون في وفاء أبي سفيان بالوعد،
قال: موسى بن عقبة:
«وخرجوا
ببضائعهم،
وقالوا: إن لقينا أبا سفيان فهو الذي خرجنا له،
وإن لم نلقه ابتعنا ببضائعنا»([23]).
ومن يدري فلعل النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه قد طلب
من المسلمين ذلك،
من أجل خدمة تلك العلاقات والروابط بالذات،
ومن أجل أهداف تدخل في نطاق الحرب الإعلامية والنفسية
للأعداء،
وإعطاء فرص إيجابية إلى أولئك الآخرين الذين كانوا ينتفعون من هذه
الفرص لتركيز قناعاتهم،
وتبلور مفاهيمهم عن الإسلام والمسلمين،
الأمر الذي ستكون له إيجابياته في المستقبل.
إيضاحات:
1 ـ دومة الجندل:
مدينة بينها وبين دمشق خمس ليال،
وتبعد عن المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة.
وهي بقرب تبوك([24]).
وقيل:
دومة الجندل:
اسم حصن([25]).
2 ـ
صاحب دومة الجندل هو أكيدر بن عبد الملك الكندي، وهو
يدين بالنصرانية،
وهو في طاعة هرقل ملك الروم([26]).
3 ـ
هذه الغزوة أول غزوات النبي «صلى الله عليه وآله» إلى الروم([27]).
4 ـ
قال المقدسي عن سنة خمس من الهجرة:
«وهي
سنة الزلازل»([28]).
صرح البعض:
بأن دومة الجندل كانت في أواخر السنة الرابعة([29]).
وقال بعض آخر:
إنها كانت
بعد
غزوة ذات الرقاع بشهرين وأربعة أيام([30]).
وثالث يقول:
إن الخندق كانت في السنة الرابعة،ودومة
الجندل بعدها في الخامسة([31]).
والأكثرون على
أنها كانت في السنة الخامسة في شهر ربيع الأول منها([32]).
وعند ابن سعد:
في شهر ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهراً
من مهاجره([33]).
قال البعض:
«أراد
رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يدنو إلى أدنى الشام،
وقيل له: إنها طرف من أفواه الشام؛ فلو دنوت لها كان ذلك مما يفزع قيصر
الخ..»([34]).
وقال بعض آخر:
إنهم كانوا
يعترضون المسافرين إلى المدينة وتجارهم([35]).
غير أن جمعاً آخر من المؤرخين
يقولون:
إنه «صلى الله عليه وآله» سمع أن جمعاً
من قضاعة وغسان تجمعوا بكثرة في دومة الجندل.
وكان بها سوق عظيم،
وتجار،
بلغ رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنهم يظلمون من مر بهم.
وأنهم يريدون أن يدنوا من المدينة.
فاستخلف «صلى الله عليه وآله» على المدينة سبـاع
بن عُرفُطة الغفاري ـ وعند المسعودي: استخلف ابن أم مكتوم ـ وخرج لخمس
ليال بقين من شهر ربيع الأول في ألف من أصحابه.
فكان يسير الليل ويكمن النهار،
ومعه دليل من بني عُذْرة
يقال له مذكور.
وقد نكب عن طريقهم،
فلما كان بينه وبين دومة يوم قال الدليل: يا رسول الله،
إن سوائمهم ترعى عندك؛ فأقم حتى أنظر.
وسار مذكور حتى وجد آثار النعم؛ فرجع وقد عرف مواضعهم؛
فهجم النبي «صلى الله عليه وآله» على ماشيتهم؛
فأصاب من أصاب،
وهرب من هرب في كل وجه.
وجاء الخبر إلى دومة الجندل،
فتفرقوا،
ورجع النبي «صلى الله عليه وآله».
وفي نص آخر:
ونذر بـه
القوم،
فتفرقـوا؛
فلم يجد إلا النعم والشـاء،
فهجم على ماشيتهم ورعاتهم فأصاب من أصاب،
وهرب من هرب في كل وجه،
وجاء الخبر أهل دومة،
فتفرقوا.
ونزل «صلى الله عليه وآله» بساحتهم،
فلم يلق بها أحداً؛ فأقام بها أياماً،
وبث السرايا،
وفرقها؛ فرجعوا ولم يصادفوا منهم أحداً
ورجعت
السرية بالقطعة من الإبل.
فرجع «صلى الله عليه وآله»،
ودخل المدينة في العشرين من ربيع الآخر،
فكانت غيبته خمساً
وعشرين ليلة([36]).
وقال المقدسي:
«إن
التجار والسابلة شكوا أكيدر الكندي عامل هرقل عليها،
فسار إليها في ألف رجل،
يسير الليل ويكمن النهار،
وأحس بذلك أكيدر فهرب،
واحتمل الرحل،
وخلى السوق،
وتفرق أهلها،
فلم يجد رسول الله «صلى الله عليه وآله» أحداً،
فرجع»([37]).
كانت تلك صورة عما يقوله المؤرخون عن هذه الغزوة قد
جمعنا شتاتها،
وألفنا بين متفرقاتها ومختلفاتها،
فراجع المصادر التي في الهوامش.
وقبل أن نواصل الحديث نتوقف قليلاً
لنسجل بعض الملاحظات والتحفظات فنقول:
قولهم:
إن مدة غيبته «صلى الله عليه وآله» عن المدينة في هذه
الغزوة كانت خمساً
وعشرين ليلة لا يصح.
لأنهم يقولون:
إن دومة
الجندل تبعد عن المدينة مسافة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة([38])،
فالذهاب والإياب منها وإليها لسوف يستغرق أكثر من شهر.
يضاف إلى ذلك:
أنه كان يسير الليل ويكمن النهار، فقد يحتاج المسير
إليها والحالة هذه إلى أكثر من ذلك أيضاً.
هذا بالإضافة إلى أنهم يقولون:
إنه أقام بها أياماً
يبث السرايا،
فكيف تكون مدة غيبته عن المدينة خمساً
وعشرين ليلة فقط؟!.
قد ادَّعى البعض، كابن هشام:
أن النبي «صلى
الله عليه وآله» رجع قبل أن يصل إلى دومة الجندل([39]).
وقد يكون لنا الحق في أن نشك في صحة هذا القول، ما دام
أنه يعطي انطباعاً
سلبياً
عن حالة المسلمين،
فإن الرجوع لا بد أن يكون لأحد سببين،
أو
كليهما،
وكلاهما
مرفوض.
وهما:
الأول:
إنه خاف من التعرض لقيصر،
فإنه قد راجع حساباته في الطريق؛ فأدرك أن هذا في غير صالحه؛ فآثر
الرجوع،
ولو تسبب ذلك بنوع من الشعور بالضعف لدى المسلمين،
وسوف يؤكد ذلك هيبة ملك الروم في نفوسهم،
وهذا مما لا يمكن قبوله في حق النبي «صلى الله عليه وآله».
الثاني:
إنه قد أحس بأن المدينة تتعرض لخطر من نوع ما في حال
غيابه عنها،
سواء من داخلها،
من قبل المنافقين واليهود وغيرهم ممن لم يسلم حتى الآن،
أو من خارجها،
من قبل قريش ومن معها من المشركين المتربصين حول المدينة،
وفي سائر المناطق.
وهذه أيضاً نقطة ضعف أخرى،
كان من المفروض أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد حسب حسابها،
وأعد العدة لمواجهتها،
قبل أن يخرج من المدينة.
فلا يمكن أيضاً قبول هذا السبب لما يتضمنه من نسبة القصور أو التقصير ـ
والعياذ بالله ـ إلى ساحة قدس النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله».
وإذا صح أنه رجع ولم يبلغها،
فالأظهر أنه قد بلغه أن أهلها قد عرفوا بمسيره إليهم،
فتنحوا عنها إلى جهة غير معلومة،
بحيث لم يعد ثمة فائدة من المسير إليهم.
لكن الذي يعترض طريق قبول ذلك هو تلك التفاصيل الكثيرة
والدقيقة التي يذكرها المؤرخون مما كان قد حصل في غزوة دومة الجندل.
ولا سيما مع تصريحهم،
بأنه لما كان بينه وبين دومة الجندل يوم،
قال الدليل: يا رسول الله الخ.. وتصريحهم بـأنه
أقـام
أيامـاً
يبث السرايـا
في النواحي.
فالأقرب أن يقال:
إن هؤلاء الذين ادَّعوا:
أنه قد رجع قبل أن يبلغها قد غلطوا في ذلك وليس الغلط من مثل هؤلاء
بعزيز.
ونسجل هنا ما يلي:
ألف:
إننا نلاحظ: أن النبي «صلى الله عليه وآله» يختار المسير ليلاً
والكمون نهاراً،
ليمكن له مفاجأة العدو،
وأخذه على حين غرة،
فيحقق بذلك الغرض من دون أن يتكبد المسلمون خسائر كبيرة،
لو أن المشركين كانوا مستعدين للحرب،
عارفين بمسير المسلمين إليهم.
ويكون بذلك قد قدم لنا أيضاً مثلاً
في التدبير الحربي السليم،
الذي يوفر مزيداً
من الفرص لتسجيل النصر الحاسم،
من خلال الاستفادة من عنصر التخفي في التحرك نحو الهدف المطلوب.
ب:
إن تحرك النبي «صلى الله عليه وآله» والمسلمين،
كان بهدف الحفاظ على حرية حركة الناس،
وضرب مصدر المتاعب حينما أصبحت طرق المواصلات والإمدادات والتموين،
الذي يأتي عن طريق التجارة مع المناطق الشمالية كسورية وما والاها
غير آمنة.
إنه «صلى الله عليه وآله» قد تحرك ليصبح طريق الناس
آمناً،
وليمكنهم من أن يتواصلوا وينفع بعضهم بعضاً من خلال نقل التجارب
والمعارف،
ونقل المنتجات،
وغير ذلك.
وهذا يشير إلى أن حق الحرية هذا مقدس،
ولا يمكن المساس به من أي كان،
وأنه لا يمكن للحاكم العادل أن يقف تجاه انعدام الأمن موقف اللامبالاة،
ويعتبر أن ذلك لا يعينه،
وإنما هو مسؤولية غيره،
بل عليه أن يبادر إلى تحمل مسؤولية حماية حرية الناس في تحركاتهم،
وترددهم بتجاراتهم وغيرها،
رغم أن ذلك يحمل في طياته خطر الاصطدام بعامل هرقل عظيم الروم،
ثم بهرقل ذاته من بعده.
ج:
يضاف إلى ما تقدم: أن ما جرى في بدر الموعد،
قد أعطى المسلمين المزيد من النشاط،
وجعلهم يتحركون بصورة أكثر حيوية وفاعلية،
حينما توجهوا إلى شمال الجزيرة، بعد أن توطدت هيبتهم في الجنوب بسبب ما
جرى في غزوتي بدر الموعد،
وحمراء الأسد،
وغيرهما.
ومعنى ذلك هو:
أنهم قد عطفوا نظرهم إلى منطقة يعتبر قيصر الروم فيها
هو الأقوى،
والأعظم نفوذاً،
ولا يتوقع القيصر أن تنشأ في جزيرة العرب حركة تجترئ عليه،
أو تسمح لنفسها بالتفكير بالتطاول على هيبته وسلطانه.
د:
والأكثر وقعاً
وتأثيراً
في هذه الغزوة: أن نجد النبي «صلى الله عليه وآله» حينما وصل إلى دومة
الجندل،
وفر أولئك الأشرار منها،
قد بقي يبث السرايا والبعوث عدة أيام في مختلف الاتجاهات،
بحثاً
عن أولئك الأشرار الهاربين.
ومعنى ذلك هو:
أن هذا الهجوم قد كان مدروساً
بعناية،
وهدوء،
ويراد له أن يترك آثاره في المنطقة كلها،
ولم يكن ثمة تسرع في اتخاذ القرار فيه،
ولا كان ناشئاً
عن اندفاع عاطفي،
أو ما أشبه ذلك.
هـ :
إن سرعة تحرك جيش بهذه الكثافة إلى بلد يبعد عنه مسيرة أيام كثيرة
وثقته بنفسه،
واطمئنانه إلى عدم جرأة أحد على العبث بالأمن في بلده من بعده،
ليدل على مدى ثقة هذا الجيش بنفسه وبقدراته،
وعلى أنه قادر على تسديد ضربته لكل من تسول له نفسه أن يتآمر أو يشارك
في التآمر ضده،
وعليه أن يحسب ألف حساب قبل أن يقدم على التحالف مع أعدائه ومناوئيه.
وإذا كان المسلمون
أقوياء، فلسوف تتشوف نفوس الكثيرين للتحالف معهم،
والوقوف إلى جانبهم، والعيش في كنفهم.
ولا أقل من أنهم سوف يسعون لإقامة علاقات طبيعية معهم.
أما التحالف مع الأعداء، ومشاركتهم في مناوأة المسلمين، فإنه
يصبح أكثر صعوبة خصوصاً من القبائل التي لا تتوفر لديها أعداد ضخمة
وكافية لحماية نفسها من قوة لها هذا النشاط،
وبهذا الحجم والمستوى.
وهذا من شأنه أن يضعف أمر قريش،
ويقلل من الفرص المتاحة لجمع الحشود،
وتحزيب الأحزاب لمواجهة المد الإسلامي العارم.
و :
إن النبي «صلى الله عليه وآله» والمسلمين
وهم
يحاولون أن يقللوا من الخسائر البشرية ما أمكنهم،
فإنهم يعتمدون طريقة الضغط السياسي والروحي،
على الخصم،
وكذلك إضعافه اقتصادياً
بصورة رئيسية باستيلائهم على مواشيهم وأموالهم،
الأمر الذي يضعف مقاومتهم،
وقدرتهم على تنظيم المؤامرات،
وبذل الأموال لتجييش الجيوش لحرب المسلمين.
وليس ذلك لأجل حب السلب والنهب،
وجمع الأموال،
والشاهد على ذلك:
أننا نجده «صلى الله عليه وآله» يجعل فداء أسير من أسرى المشركين تعليم
عشرة أطفال من المسلمين القراءة والكتابة، رغم شدة حاجة المسلمين لأقل
شيء من المال. وقد تقدم ذلك في غزوة بدر.
كما أننا نراه «صلى الله عليه وآله» حين يرتكب خالد بن
الوليد جريمة في حق بعض القبائل ـ وذلك حينما أرسل خالداً لدعوة بني
جذيمة، فآمنهم، فلما وضعوا السلاح أمر بهم فكتفوا،
ثم عرضهم على السيف ـ نراه «صلى الله عليه وآله» لما بلغه ذلك تبرأ من
فعل خالد،
ثم أرسل علياً «عليه السلام» فودى لهم الدماء،
وما أصيب لهم من الأموال،
حتى إنه ليدي ميلغة الكلب([40]).
قال العلامة الحسني:
«إن
أخبار هذه الغزوة أكثرها عن الواقدي،
وأخباره في الغالب من نوع المراسيل،
ومن البعيد أن يترك النبي «صلى
الله عليه وآله»
المدينة قرابة شهر كامل،
كما يدَّعي
المؤلفون في السيرة، إلى مكان بعيد مسافة تزيد عن خمسة عشر يوماً،
والأعراب من حولها لا يزالون على الشرك،
وهم يترقبون المسلمين،
ويستغلون الفرصة المناسبة للوقيعة بهم.
ومن ذا يمنعهم من المدينة إذا غاب عنها النبي «صلى
الله عليه وآله»
مع ألف من أصحابه وفيها من المنافقين ما لا يقل عدداً
عن المسلمين وكانوا على اتصال دائم بقريش وأحلافها من المشركين؟
من البعيد أن يتركها ليغزو أطراف الجزيرة المتاخمة
لحدود الشام في مثل هذه الظروف إلا أن يكون مأموراً بذلك من الله
سبحانه»([41]).
ونقول:
1 ـ
إننا لا نستطيع أن نوافق على ما ذكره العلامة الحسني «رحمه
الله»،
لأن ذلك لو كان،
لكان مانعاً
من التحرك نحو أي من المناطق الأخرى،
قريبة كانت أو بعيدة.
فإن كثيراً من الغزوات كان النبي «صلى الله عليه وآله» يغيب فيها أياماً
كثيرة. فقد غاب في غزوة بدر الموعد ست عشرة ليلة،
منها ثمانية أيام أقامها في بدر،
والباقي في الطريق ذهاباً
وإياباً،
وكانت غيبته في ذات الرقاع خمس عشرة ليلة،
وكانت غيبته في غزوة بني المصطلق ثمانية وعشرين يوماً.
فقد كان بإمكان الأعداء أن يغتنموا فرصة غيابه للإغارة
على المدينة،
بصورة سريعة وخاطفة،
أو احتلالها،
لا سيما مع وجود اليهود والمنافقين،
والمشركين فيها وحولها.
2 ـ
ومن جهة ثانية،
فإن سير الأحداث يعطي: أن الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» كانت له
أجهزة استخبارات قوية وفاعلة لا يفوتها رصد أية تحركات أو تجمعات مريبة،
بل وحتى المؤامرات والنوايا أحياناً. وقد كانت مبثوثة في مختلف الأنحاء
والأرجاء قريبة كانت أو بعيدة كما ألمحنا إليه فيما سبق.
ومن الواضح:
أن مهاجمة المدينة في غياب الرسول «صلى الله عليه وآله»
يحتاج إلى جمع قوى كثيرة من مختلف القبائل ولن يخفى ذلك على عيون
الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله».
3 ـ
أضف إلى ذلك: أن النبي كان قد عقد تحالفات ومعاهدات
كثيرة في المنطقة،
كما أنه قد عقد تحالفات مع سكان المدينة أنفسهم،
يلزمهم فيها الدفاع والنصر،
خصوصاً
إذا هوجم،
فكيف إذا هوجموا؟
4 ـ
وحين يظعن النبي «صلى الله عليه وآله» عن المدينة،
فإنه لا يخليها نهائياً،
بحيث لا تبقى فيها أية قوة عسكرية قادرة على ضبط الوضع داخلياً،
والدفاع ضد العدو الخارجي قدر الإمكان لو دهمهم أمر،
وإلى
أن يأتي الرسول «صلى الله عليه وآله»،
ويمسك هو بزمام المبادرة.
5 ـ
مضافاً
إلى أن ضرب المدينة في غياب النبي «صلى
الله عليه وآله»
لا يحسم الأمر،
بل هو سوف يعرض من تسول له نفسه ويقدم على ذلك إلى العقاب الصارم،
الذي لن يكون قادراً
على دفعه عن نفسه.
فإن الكل كانوا أصغر من أن يجرؤوا على ذلك،
بعد أن عجزت قريش وفشلت ذلك الفشل الذريع.
ولم يكن لأي من القبائل ما كان لقريش من قوة وشوكة،
ونفوذ ومنعة في المنطقة بأسرها.
ويذكر المؤرخون:
أن تحكيم الحكمين قد كان بدومة الجندل([42]).
وفي كتاب الخوارج عن عبد الرحمن بن
أبي ليلى قال:
«مررت
مع أبي موسى بدومة الجندل،
فقال: حدثني حبيبي «صلى الله عليه وآله»: أنه حكم في بني إسرائيل في
هذا الموضع حكمان بالجور،
وأنه يحكم في أمتي حكمان بالجور في هذا الموضع.
قال:
فما ذهبت الأيام حتى حكم هو وعمرو بن العاص فيما حكماه،
قال: فلقيته.
فقلت:
يا أبا موسى قد حدثتني عن رسول الله.
فقال:
والله المستعان. كذا
أورده
المجد»([43]).
موادعة عُيينة
بن حصن الغادر:
ويذكر المؤرخون:
أنه لما رجع النبي «صلى الله عليه وآله» من دومة الجندل
وادع عيينة بن حصن الذي كانت أرضه قد أجدبت: أن يرعى بتغلمين وما والاه
إلى المراض،
وكان ما هناك قد أخصب،
وهو موضع بينه وبين المدينة ستة وثلاثون ميلاً على طريق الربذة([44]).
وسيأتي:
أنه لما سمن حافره،
وانتقل إلى أرضه أغار على لقاح([45])
رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالغابة..
وغني عن القول هنا:
إن عيينة بن حصن كان لا يزال هو ومن معه على الشرك
والكفر،
الذي كان يناوئ الدعوة الإسلامية بكل الوسائل.
ولم يكن النبي «صلى الله عليه وآله» حين سمح له بما سمح
يطمع في الحصول على أي نفع من قبله،
فلم يكن يريد في مقابل ذلك مالاً،
ولا كان يريد منه أن ينصره على عدوه،
ويتقوى به على مناوئيه،
لا في مال،
ولا رجال.
كما أن عيينة لم يكن يملك قوة خارقة للعادة،
بحيث يخشاه النبي «صلى الله عليه وآله» وينصاع لما يطلبه منه.
كما أننا نلاحظ:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يحاول استغلال حاجة عيينة ومن معه،
ليفرض عليهم شروطاً،
ويحصل على امتيازات سياسية،
أو مادية، أو غير ذلك.
بل هو لم يطلب حتى السماح لدعاته بأن يطرحوا مع الناس هناك قضية
الإسلام والإيمان،
فضلاً عما هو أبعد من ذلك.
بل تصرف النبي «صلى الله عليه وآله» على أساس ما لديه
من مثل وقيم،
وقناعات ومنطلقات إيمانية وإنسانية،
ومن ثوابت أخلاقية ودينية.
فالنبي «صلى الله عليه وآله» يرى أن الحرب إنما تهدف
إلى منع قوى الهيمنة والاستكبار من فرض إرادتها،
ومصادرة حرية الآخرين في الفكر وفي الإيمان. وإلى
دفع غائلة العدو الذي يريد سحق قوى الخير،
ونسف قواعد الإيمان.
وليس للحرب أي دور حين تجري الأمور بصورة طبيعية.
فإن السلاح الذي يعتمد عليه الإسلام هو الدليل القاطع والبرهان الساطع،
والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة،
والجدال بالتي هي أحسن..
بل إن كل الجرائم التي ارتكبها مشركو قريش في حق
الإسلام والمسلمين لم تمنع النبي «صلى الله عليه وآله» من إرسال
الأموال إلى مكة،
حين علم أن أهلها يعانون من ضائقة كبيرة بسبب الجدب.
ولم يكن منطلقه
في ذلك،
ولا في موقفه هنا من عواطف ثاثرة، تتحرك باندفاع وبعنفوان بصورة غير
واعية ولا متزنة في الحالات الطارئة. بل منطلقه «صلى الله عليه وآله»
هو القيم والمثل العليا،
وكل المعاني الإنسانية الصافية والنبيلة، فليس ثمة تناقض
بين الأحاسيس والمشاعر، وبين الموقف الرسالي والمبدئي.
بل إن مشاعره «صلى الله عليه وآله» وأحاسيسه قد نمت
وتربت في ظل مبادئه وقيمه ومن خلالها،
فمنها تنطلق وإليها تنتهي، وعلى أساسها تقوم وتدوم.
([1])
راجع في جميع ما ذكرناه، كلاً أو بعضاً: مغازي الواقدي ج1 ص384
وتاريخ الخميس ج1 ص465 والسيرة الحلبية ج2 ص275 وسيرة مغلطاي
ص53 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص59 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي)
ص204 ونهاية الأرب ج17 ص154.
وراجع: المواهب اللدنية ج1 ص108 والعبر وديوان المبتدأ والخبر
ج2 قسم 2 ص29 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص229 وتاريخ ابن الوردي
ج1 ص160 وأنساب الأشراف ج1 ص339 والتنبيه والإشراف ص214 وزاد
المعاد ج2 ص112 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص169 و 172
والبداية والنهاية ج4 ص87 و 89 و 93 و 94 والسيرة النبوية
لدحلان ج1 ص265 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص388.
([2])
راجع: السيرة الحلبية ج2 ص275 والسيرة النبوية لابن كثير ج3
ص172 والبداية والنهاية ج4 ص89 والدر المنثور ج2 ص101.
([3])
راجع: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص172 والبداية والنهاية ج4
ص89.
([4])
راجع: نهاية الأرب ج17 ص154.
([5])
هذا القيل ذكره في السيرة الحلبية ج2 ص275 والعبر وديوان
المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص29 ولم يذكر غيره، وكذا في السيرة
النبوية لابن هشام ج3 ص220 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص169
والبداية والنهاية ج4 ص87.
([7])
الآية 173 من سورة آل عمران.
([8])
السيرة الحلبية ج2 ص276.
([9])
الآية 172 من سورة آل عمران.
([10])
راجع في جميع ما تقدم، كله أو بعضه: تاريخ الخميس ج1 ص465 و
466 والسيرة الحلبية ج2 ص275 ـ 277 وحبيب السير ج1 ص356 وزاد
المعاد ج2 ص112 والطبقات الكبرى ج2 ص59 و 60 وتاريخ اليعقوبي
ج2 ص67 وسيرة مغلطاي ص53 وحياة محمد لهيكل ص279 و 280 ومغازي
الواقدي ج1 ص484 ـ 490 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص220
وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص203 والعبر وديوان المبتدأ
والخبر ج2 قسم 2 ص29 والوفاء ص690 والكامل في التاريخ ج2 ص175
ونهاية الأرب ج17 ص154 و 155 والمواهب اللدنية ج1 ص108 وتاريخ
الأمم والملوك ج2 ص229 و 230 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص160 وأنساب
الأشراف ج1 ص340 والثقات ج1 ص244 و 245 والتنبيه والإشراف ص214
والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص169 والبداية والنهاية ج4 ص87 ـ
89 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص265 ودلائل النبوة للبيهقي ج3
ص384 ـ 388 والدر المنثور ج2 ص101 و 103 و 104 عن عبد بن حميد،
وابن أبي حاتم، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر.
([11])
راجع: البدء والتاريخ ج4 ص214 وأنساب الأشراف ج1 ص340 والسيرة
النبوية لابن هشام ج3 ص221 ومغازي الواقدي ج1 ص389 ونهاية
الأرب ج17 ص156 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص170.
([12])
الآية 172 ـ 174 من سورة آل عمران.
([13])
المواهب اللدنية ج1 ص108 وراجع: السيرة النبوية لدحلان ج1
ص265.
([14])
تجد هذه الروايات كلها في الدر المنثور ج2 ص101 ـ 103 وقد
نقلها بدوره بصورة متنوعة عن المصادر التالية: ابن إسحاق، وابن
جرير، والبخاري، ومسلم، وأحمد، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة،
وابن المنذر، والحاكم، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الدلائل،
وابن ماجة، والنسائي والطبراني، وعبد بن حميد، والخطيب، وابن
مردويه.
([15])
تفسير البرهان ج1 ص326 والدر المنثور ج2 ص103 عن ابن مردويه.
وقد يكون ثمة مبرر لاحتمال أن يكون ثمة تعمد لدعوى نزول الآيات
في بدر الموعد، من أجل إبعاد هذا الأمر عن أن يكون فيه تكريم
لعلي «عليه السلام»، وإشادة بمواقفه الرسالية والجهادية. وقد
تعودنا من هؤلاء الشيء الكثير الذي يصب في هذا الاتجاه، كما هو
معلوم.
([16])
السيرة الحلبية ج2 ص276 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص265.
([17])
المغازي للواقدي ج1 ص384.
([18])
المغازي للواقدي ج1 ص385.
([19])
مغازي الواقدي ج1 ص388 وراجع: السيرة النبوية لابن كثير ج3
ص169 والبداية والنهاية ج4 ص88 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص229 و
230 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص320 وتاريخ الإسلام للذهبي
(المغازي) ص203 و 204 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص385 و 387.
([20])
سيرة المصطفى ص455.
([21])
سيرة المصطفى ص455.
([22])
راجع: سيرة المصطفى ص454.
([23])
تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص203 وراجع: السيرة النبوية
لابن كثير ج3 ص171 والبداية والنهاية ج4 ص89 ودلائل النبوة
للبيهقي ج3 ص385.
([24])
راجع: تاريخ الخميس ج1 ص469 عن ابن سعد، والسيرة الحلبية ج2
ص277 وسيرة مغلطاي ص54 ونهاية الأرب ج17 ص163 والمواهب اللدنية
ج1 ص108 وزاد المعاد ج2 ص112 وطبقات ابن سعد ج2 ص62 وتاريخ
الإسلام للذهبي (المغازي) ص23 والتنبيه والإشراف ص214 والسيرة
النبوية لدحلان ج1 ص266.
([25])
تاريخ الخميس ج1 ص469.
([26])
التنبيه والإشراف ص215 وحبيب السير ج1 ص357.
([27])
البدء والتاريخ ج4 ص214.
([28])
التنبيه والإشراف ص215.
([29])
راجع: السيرة الحلبية ج2 ص277.
([30])
نقله في تاريخ الخميس ج1 ص469.
([31])
تاريخ مختصر الدول ص95.
([32])
راجع ما يلي: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص177 و 178 والبداية
والنهاية ج4 ص92 ونقل عن الواقدي: أنها في ربيع الآخر. وتاريخ
الخميس ج1 ص469 والسيرة الحلبية ج2 ص277 والجامع للقيرواني
ص281 وسيرة مغلطاي ص54 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2
ص29 وشذرات الذهب ج1 ص11 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص232 وأنساب
الأشراف ج1 ص341 وحبيب السير ج1 ص357 وزاد المعاد ج2 ص112
والمغازي للواقدي ج1 ص402 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص266.
([33])
الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص62 ونهاية الإب ج17 ص163 والمواهب
اللدنية ج1 ص108.
([34])
مغازي الواقدي ج1 ص403 وراجع: السيرة النبوية لابن كثير ج3
ص177 والبداية والنهاية ج4 ص92 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص390.
([35])
التنبيه والإشراف ص215.
([36])
راجع ما تقدم كله أو بعضه في المصادر التالية: تاريخ الخميس ج1
ص469 وطبقات ابن سعد ج2 ص62 والسيرة الحلبية ج2 ص277 وأنساب
الأشراف ج1 ص341 وسيرة مغلطاي ص54 وحياة محمد لهيكل ص281
والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص29 والوفاء ص691
وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص232 والثقات ج1 ص260 والتنبيه
والإشراف ص215 وحبيب السير ج1 ص357 وزاد المعاد ج2 ص112 وتاريخ
الإسلام للذهبي (المغازي) ص212 والمغازي للواقدي ج1 ص403
ونهاية الأرب ج17 ص163 والمواهب اللدنية ج1 ص108 والبداية
والنهاية ج4 ص92 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص177 والسيرة
النبوية لدحلان ج1 ص266 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص390 و 391.
([37])
البدء والتاريخ ج4 ص214 وأشار إليه الذهبي في تاريخ الإسلام (المغازي)
ص212 (السابلة: عابرو السبيل).
([38])
تقدمت مصادر ذلك في أول هذا الفصل تحت عنوان: إيضاحات.
([39])
راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص224 وتاريخ الخميس ج1 ص469
والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص177 عن ابن إسحاق والبداية
والنهاية ج4 ص92 ودلائل النبوة ج3 ص390.
([40])
راجع: الغدير ج7 ص169 عن سيرة ابن هشام ج4 ص53 ـ 57 وعن تاريخ
أبي الفداء ج1 ص145 وعن أسد الغابة ج3 ص102 وعن الإصابة ج1
ص318 وج2 ص81 وعن البخاري كتاب المغازي.
([41])
سيرة المصطفى ص457.
([42])
تاريخ الخميس ج1 ص469 وصفين ص535 و 538 و 540 وشرح نهج البلاغة
للمعتزلي الشافعي ج2 ص248 وراجع: مروج الذهب ج2 ص352 ومصادر
ذلك كثيرة جداً فلتراجع كتب التاريخ، حين الحديث حول قضية
صفين، ثم التحكيم.
([43])
تاريخ الخميس ج1 ص469 وذكر هذه القصة أيضاً وإن لم يصرح بأن
التحكيم كان وسيكون في دومة الجندل كل من: المسعودي في مروج
الذهب ج2 ص392 وشرح نهج البلاغة للمعنزلي ج13 ص315 وراجع ص316
وراجع: قاموس الرجال ج6 ص108 و 109.
([44])
السيرة الحلبية ج2 ص277 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص63
وراجع: نهاية الأرب ج17 ص163 وسيرة مغلطاي ص54 والعبر وديوان
المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص29 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص232.
([45])
اللقاح: النياق الحلوب الغزيرة اللبن.
|