الباب الأول: التحضيرات لغزوة الخندق

   

صفحة :129-132

 الباب الأول: التحضيرات لغزوة الخندق

آيات حول غزوة الخندق:

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجَنَّةَ وَلمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذِينَ خَلوْاْ مِن قَبْلكُم مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ الله أَلا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ([1]).

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَليْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلنَا عَليْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً، إِذْ جَاؤُوكُم مِن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَل مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا، هُنَالكَ ابْتُليَ المُؤْمِنُونَ وَزُلزِلُوا زِلزَالاً شَدِيداً، وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُوراً﴾.

﴿وَإِذْ قَالت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْل يَثْرِبَ لا مُقَامَ لكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلا فِرَاراً، وَلوْ دُخِلتْ عَليْهِم مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيراً، وَلقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُولاً، قُل لن يَنفَعَكُمُ الفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِنَ المَوْتِ أَوِ القَتْل وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَليلاً، قُل مَن ذَا الذِي يَعْصِمُكُم مِنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لهُم مِن دُونِ اللهِ وَليّاً وَلا نَصِيراً، قَدْ يَعْلمُ اللهُ المُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالقَائِلينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِليْنَا وَلا يَأْتُونَ البَأْسَ إِلا قَليلاً، أَشِحَّةً عَليْكُمْ فَإِذَا جَاء الخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِليْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالذِي يُغْشَى عَليْهِ مِنَ المَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الخَوْفُ سَلقُوكُم بِأَلسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلى الخَيْرِ أُوْلئِكَ لمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالهُمْ وَكَانَ ذَلكَ عَلى اللهِ يَسِيراً، يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلا قَليلاً، لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً، وَلمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَاناً وَتَسْليماً، مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَليْهِ فَمِنْهُم مَن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً، ليَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَليْهِمْ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً، وَرَدَّ اللهُ الذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَال وَكَانَ اللهُ قَوِيّاً عَزِيزاً، وَأَنزَل الذِينَ ظَاهَرُوهُم مِنْ أَهْل الكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً، وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ وَأَرْضاً لمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللهُ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِيراً([2]).

تقديم:

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿الحَمْدُ للّهِ رَبِّ العَالمِينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مَلكِ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ.

والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، وبعد..

فان حديثنا في هذا االقسم سيكون ـ إن شاء الله ـ عن غزوة الأحزاب: «الخندق» وهي الغزوة التي سميت سورة قرآنية باسمها بسبب أهميتها البالغة..

وحيث إن الحديث عن هذه الغزوة سوف يتخذ منحى تحقيقياً وتتبعياً، بالإضافة إلى وقفات تحليلية سريعة ومقتضبة، ومتناثرة هنا وهناك، فسيكون من الصعب على القارئ لملمة أطراف الحديث وجمع شتات المطالب، وربط بعضها ببعض ولو في حدود الخطوط العامة للحدث. ولأجل ذلك رأينا أن نذكر نصاً مختصراً لهذه الغزوة يكاد يقتصر على عناوينها العامة.

فنقول:

موجز عن غزوة الخندق:

إنه في السنة الرابعة ـ كما هو الأقوى ـ أو في الخامسة ـ سار عدد من اليهود إلى مكة واستنفروا أهلها لقتال النبي «صلى الله عليه وآله»، واستئصال المسلمين. واتصلوا أيضاً بقبيلة غطفان، وقبائل عربية أخرى وحرضوهم على حرب محمد، ووعدوهم بالأموال؛ فساروا وهم ألوف كثيرة إلى المدينة لإنجاز هذا المهم.

فبلغ النبي «صلى الله عليه وآله» خبرهم، حفر خندقاً حول المدينة من الجهة المكشوفة منها. وجعل للخندق أبواباً، وجعل على الأبواب حرساً.

وقد شارك النبي «صلى الله عليه وآله» بنفسه في حفر الخندق، وظهرت له «صلى الله عليه وآله» حينئذٍ كرامات ومعجزات، سنذكرها في الموضع المناسب إن شاء الله تعالى.

وقد عسكر «صلى الله عليه وآله» إلى جنب جبل سلع، وجعل الخندق بينه وبين الأحزاب، وجعل النساء والصبيان في بعض حصون المدينة، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم. وكان لواء النبي «صلى الله عليه وآله» مع علي «عليه السلام».

ولما وافى الأحزاب فوجئوا بالخندق، ونزلوا في الجهة الأخرى منه، وحاصروا المسلمين.

وذهب حيي بن أخطب اليهودي إلى بني قريظة، ولم يزل بهم حتى نقضوا العهد مع المسلمين.

فلما بلغ النبي «صلى الله عليه وآله» ذلك أرسل إليهم من يثبت له الأمر فرجعوا إليه وأخبروه بأن ما بلغه صحيح؛ فاشتد الأمر على المسلمين وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وعظم البلاء، ونجم النفاق، وكثر الخوض، وبلغت القلوب الحناجر.

وقال المنافقون والذين في قلوبهم مرض: ﴿مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَ غُرُوراً﴾.

وكان أمير المؤمنين «عليه السلام» على العسكر كله بالليل يحرسهم، فإن تحرك أحد من قريش نابذهم. وكان النبي «صلى الله عليه وآله» يحرس بنفسه بعض مواضع الخندق.

ولم يكن بين المسلمين والمشركين قتال إلا الرمي بالنبل والحصا. وكان المشركون يتناوبون على الخندق، فلا يمكنهم عبوره والمسلمون يمنعونهم بالنبل والحجارة.

وأصيب يومئذٍ سعد بن معاذ «رحمه الله» بسهم، رماه به حبان بن العرقة.

وقيل: رماه به أبو أسامة الجشمي، أو خفاجة بن عاصم.

فجعل سعد «رحمه الله» في خيمة رفيدة، التي كانت تداوي فيها الجرحى. ويبدو أن جماعات من المسلمين قد تركوا النبي «صلى الله عليه وآله» وفروا، واختبأوا في حديقة هناك وفيهم عمر بن الخطاب وطلحة، وقد كشفت عائشة أمرهم، وذلك بعد إصابة سعد بن معاذ.

كما إن النصوص تؤكد على: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد بقي في ثلاث مئة من المسلمين.

بل في نص آخر: إنه لم يبق مع النبي «صلى الله عليه وآله» سوى اثني عشر رجلاً فقط.

وقد تحدثت الآيات القرآنية عن هؤلاء الفارين، فراجع سورة الأحزاب.

ومهما يكن من أمر: فقد انتدب فوارس من المشركين فأتوا مكاناً ضيقاً من الخندق، وأكرهوا خيلهم على عبوره، فعبره عكرمة بن أبي جهل، وعمرو بن عبد ود، وضرار بن الخطاب الفهري، وهبيرة بن أبي وهب، وحسل بن عمرو بن عبد ود، ونوفل بن عبد الله المخزومي.

فخرج أمير المؤمنين «عليه السلام» في نفر من المسلمين، حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموها. وطلب عمرو بن عبد ود البراز فلم يبرز إليه أحد من المسلمين، وخافوا منه خوفاً شديداً، لما يعرفون من شجاعته وفروسيته، وكان يعد بألف فارس. وطلب عليٌّ «عليه السلام» من النبي «صلى الله عليه وآله» أن يأذن له بمبارزته فلم يأذن له.

فكرر النداء، وأنشد الشعر، وعيَّر المسلمين المحجمين عنه فطلب علي الإذن مرة أخرى فلم يأذن له الرسول «صلى الله عليه وآله».

فلما كان في المرة الثالثة، ولم يبادر إلى ذلك سوى علي «عليه السلام» أذن له النبي «صلى الله عليه وآله» وعممه ودعا له، وقال: برز الإيمان كله إلى الشرك كله. فبارزه علي «عليه السلام» فقتله. وقتل ولده حسلاً، ونوفل بن عبد الله، وفر الباقون.

فقال «صلى الله عليه وآله»: «ضربة علي يوم الخندق تعدل (أو أفضل من) عبادة الثقلين إلى يوم القيامة».

وزعمت بعض الروايات: أن الذي قتل نوفلاً هو الزبير، وسيأتي الإشكال في ذلك.

وتزعم بعض الروايات: أن نعيم بن مسعود قد ساهم في إحداث الفتنة بين بني قريظة وبين المشركين.

ولكن الظاهر: هو أن النبي «صلى الله عليه وآله» هو الذي ألقى فيما بينهم بذور الخلاف والشك كما سنوضحه.

ثم أرسل الله سبحانه الريح على المشركين فكانت تكفأ قدورهم، وتطرح خيامهم، وتعبث بكل ما يحيط بهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فعادوا بالخزي والخيبة، والرعب يلاحقهم، وكفى الله المؤمنين القتال.

وقال النبي «صلى الله عليه وآله» حينئذٍ: الآن نغزوهم ولا يغزوننا، فكان كما قال..

وفي هذا القسم تجد التفصيل لكل ذلك، مع بعض التحقيق والتكذيب والتصديق، والتعديـل والتحليل، حسبما يقتضيه المقـام فإلى مـا يـلي مـن مطالب وفصول:

 

([1]) الآية 214 من سورة البقرة.

([2]) الآيات 9 ـ 27 من سورة الأحزاب.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان