كـنـز آل أبـي الـحـقـيـق

   

صفحة :47-58   

كـنـز آل أبـي الـحـقـيـق

مستطيل مستدير الزوايا: كـنـز آل أبـي الـحـقـيـق
مستطيل مستدير الزوايا: الفصل الأول:
 

 



 

 

 

 


 

 

 

 

 

 

 

 

كنز آل أبي الحقيق:

وأخذ المسلمون في جملة غنائم غزوة خيبر حلي آل أبي الحقيق، التي كانوا يعتزون بها.

قال محمد بن عمر: كان الحلي في أول الأمر في مسك حمل، فلما كثر، جعلوه في مسك ثور، ثم في مسك جمل، وكان ذلك الحلي يكون عند الأكابر من آل أبي الحقيق، وكانوا يعيرونه العرب([1]).

وقال الصالحي الشامي: روى ابن سعد والبيهقي، عن ابن عمر، وابن سعد ـ بسند رجاله ثقات ـ عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ـ وهو صدوق سيئ الحفظ ـ عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس:

أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لما ظهر على أهل خيبر صالحهم على أن يخرجوا بأنفسهم وأهليهم، وللنبي «صلى الله عليه وآله» الصفراء والبيضاء، والحلقة، والسلاح، ويخرجهم، وشرطوا للنبي «صلى الله عليه وآله» أن لا يكتموه شيئاً، فإن فعلوا فلا ذمة لهم([2]).

قال ابن عباس: فأتي بكنانة، والربيع، وكان كنانة زوج صفية، والربيع أخوه أو ابن عمه، فقال لهما رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «أين آنيتكما التي كنتم تعيرونها أهل مكة»؟([3]).

وفي الحلبية عن الإقناع: سأل كنانة بن أبي الحقيق.

وقال ابن عمر: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» لعم حيي: «ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير»؟

فقال: وقال ابن عباس: قالا: «هربنا، فلم نزل تضعنا أرض وترفعنا أخرى، فذهب في نفقتنا كل شيء»([4]).

وقال ابن عمر: أذهبته النفقات والحروب.

فقال «صلى الله عليه وآله»: «العهد قريب، والمال أكثر من ذلك»([5]).

وقال ابن عباس: فقال لهما رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «إنكما إن تكتماني شيئاً فاطلعت عليه استحللت به دماءكما وذراريكما»؟!

فقالا: نعم([6]).

وقال عروة ومحمد بن عمر، فيما رواه البيهقي عنهما: فأخبر الله عز وجل رسوله «صلى الله عليه وآله» بموضع الكنز، فقال لكنانة: «إنك لمغتر بأمر السماء»([7]).

قال ابن عباس: فدعا رسول الله «صلى الله عليه وآله» رجلاً من الأنصار فقال: «اذهب إلى قراح كذا وكذا، ثم ائت النخل، فانظر نخلة عن يمينك، أو عن يسارك، مرفوعة، فأتني بما فيها».

فجاءه بالآنية والأموال، فقومت بعشرة آلاف دينار، فضرب أعناقهما، وسبى أهليهما، بالنكث الذي نكثاه([8]).

وقد وجدوا فيه أساور، ودمالج، وخلاخل، وأقرطة، وخواتيم الذهب، وعقود الجواهر، والزّمرّد، وعقود أظفار مجزع بالذهب([9]).

وقال ابن إسحاق: أتي رسول الله «صلى الله عليه وآله» بكنانة بن الربيع، وكان عنده كنز بني النضير، فسأله عنه، فجحد أن يكون يعلم مكانه، فأتي رسول الله «صلى الله عليه وآله» برجل من يهود، قال ابن عقبة: اسمه ثعلبة، وكان في عقله شيء، فقال لرسول الله «صلى الله عليه وآله»: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» لكنانة: «أرأيت إن وجدناه عندك، أقتلك»؟

قال: نعم.

فأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالخربة فحفرت، وأخرج منها بعض كنزهم.

ثم سأله عما بقي، فأبى أن يؤديه، فأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» الزبير بن العوام، فقال: «عذبه حتى تستأصل ما عنده».

فكان الزبير يقدح بزنده في صدره، حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة([10]).

وفي نص آخر: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» سأل عن المسك، سعية بن عمرو، أو سعية بن سلام بن أبي الحقيق (وهو عم حيي بن أخطب).

فدفع رسول الله «صلى الله عليه وآله» سعية بن عمرو للزبير، فمسَّه بعذاب، فقال: رأيت حيياً يطوف في خربة ههنا.

فذهبوا إلى الخربة، ففتشوها، فوجدوا ذلك الجلد([11]).

أيّ ذلك الصحيح؟!

وفي حديث الكنز أسئلة عديدة:

فهل الذي دفن الكنز في الخربة هو كنانة بن أبي الحقيق، حين رأى أن النبي «صلى الله عليه وآله» فتح حصن النطاة، وتيقن أنه سوف ينتصر عليهم؟

أو أن الذي دفنه هو حيي بن أخطب([12])؟

وهل الذي أعلمه بالكنز هو الوحي؟ أم الرجل اليهودي الذي اسمه ثعلبة؟ أم أنه سعية بن عمرو؟!

ربما يقال: إن كلاً منهما أخبره بقسم منه، فأخبره أحدهما بما في الخربة، وأخبره الآخر بالباقي الذي عند النخلة.

وهل استخرج الكنز كله، أو بعضه؟

وهل سأل سعية، أم سأل كنانة؟

وهل عذب الزبير كنانة، أم عذب سعية؟

وهل أخبره قبل أن يعذبه بسبب اختلال عقله؟ أم أخبره بعد أن مسه بعذاب؟.

وهل؟! وهل؟!

التعذيب لماذا؟!

ويزعمون: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أمر الزبير بتعذيب كنانة، أو سعية.

قال الحلبي: «أُخذ منه جواز العقوبة لمن يتهم ليقر بالحق، فهو السياسة الشرعية»([13]).

ونقول:

لو قبلنا: أن ابن أبي الحقيق قد عُذِّب فعلاً، فلا ضير في هذا التعذيب الذي لم يكن من أجل قتل محمود بن مسلمة، بل لأنه عالم بأمر كان قد أعطى عهداً بعدم كتمانه، وأنه إن كتم شيئاً فقد برئت منه ذمة الله تعالى، وذمة رسوله «صلى الله عليه وآله».

بل هو قد صرح لرسول الله «صلى الله عليه وآله»: بأنه إن وجد الكنز، فله أن يقتله، وأنه راض بهذا القتل. وقد وجد الكنز فعلاً.

وكان لهذا الكنز دور قوي في قوة اليهود الروحية والمعنوية، وله أثر كبير في تماسكهم وإصرارهم على باطلهم.

ويكفي أن نذكر: أنه لما جرى إجلاء بني النضير، كان سلام بن أبي الحقيق رافعاً ذلك الحلي، ليراه الناس، وهو يقول بأعلى صوته: «هذا أعددناه لرفع الأرض وخفضها»([14]).

فإن كان ابن أبي الحقيق قد قبل بمبدأ أن يقتل، إن تبيَّن أنه كاذب، وقد تبيَّن ذلك بالفعل، بعد أن استُخرِج قسم من الكنز، فلماذا لا يجبر على الإقرار بباقيه، ما دام أنه هو نفسه قد أعطى عهده بذلك؟!

العهد قريب، والمال أكثر من ذلك:

ويلاحظ هنا: أنه «صلى الله عليه وآله» لم يقبل منهم قولهم: إن حليهم أذهبتها النفقات، بالاستناد إلى عدم التناسب بين الحاجات والنفقات التي تلزم في مثل تلك المدة، وبين حجم المال الذي يدَّعى أنه قد أنفق.

وهذا يدل: على أن هذا المقدار من عدم التناسب كاف في عدم قبول العذر، وإبقاء التهمة على قوتها، ثم التصرف على أساسها..

أخذ العهد عليهم من جديد:

ويلاحظ: أنه «صلى الله عليه وآله»، وإن كان قد أخذ منهم في بادئ الأمر عهداً بأن لا يكتموه شيئاً، وببراءة الذمة ممن فعل ذلك..

ولكنه بعد ظهور هذا الإنكار منهم، عاد فجدد أخذ العهد عليهم، حيث صرحوا بالرضا بالقتل لو ظهر هذا الكنز الذي ينكرون وجوده، ويقدمون المبررات لإنكارهم.

ولعل تجديد أخذ العهد، والإقرار بالرضا بذلك منهم، من أجل أن لا يشعروا: بأنهم قد ظلموا بهذا الاستقصاء الذي يواجهونه، متوهمين أنهم إنما أعطوا العهد على أن يعاملوهم وفق الأحوال العادية. وأما هذا الاستقصاء فهو أمر طارئ، ولو أنهم علموا به، فربما يعيدون النظر في عهدهم ذاك..

فأراد «صلى الله عليه وآله» أن يزيل حتى هذا الوهم، فقال لهما على سبيل التقرير، وأخذ الرضا: إنكما إن كتمتماني شيئاً فاطلعت عليه، استحللت به دماءكما، وذراريكما؟!

قالا: نعم..

وليلاحظ كلمة: «به»، التي أسندت هذا الاستحلال، إلى نفس هذا الكتمان الجديد. لتكون هذه الخيانة سبباً مستقلاً للعقوبة التي رضوا بأن يعرضوا أنفسهم لها، من حيث إنها دليل على حقيقتهم، وعلى نهجهم الخياني كله، هذا النهج الذي لم يؤثر فيه كل ما جرى ويجري لهم، مما جنوه على أنفسهم، وإنما على نفسها جنت براقش..

إنك لمغتر بأمر السماء:

ويزيد الأمر وضوحاً: أن هؤلاء الناس، رغم أنهم يجدون هذا النبي مكتوباً عندهم في التوراة، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ويرون المعجزات والكرامات له رأي العين، وقد اقتلع وصيه علي «عليه السلام» باب حصنهم، وجعله ترساً، ومعبراً للمقاتلين، وهو ممسك به، وحامل له.. ولكنهم لا يعتبرون، ولا يؤمنون، وكأنهم يكافحون الله تعالى في الأرض، حيث لم يقدروا على مكافحته في السماء.

والمفروض: أن يمنعهم علمهم بصدق هذا النبي من الكذب عليه، لأنهم يعلمون أن الله تعالى يخبر أنبياءه بأمرهم، ويفضح كيدهم..

فإذا أصروا على ممارسة هذا الكذب، فذلك يعني: أنهم لا يهتمون لغيب الله سبحانه، تماماً كما قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» لكنانة: «إنك لمغتر بأمر السماء».

ومن كان كذلك، فإنه يكون محارباً لله سبحانه، لا يصح الرفق به، ولا يجوز العفو عنه..

 


([1]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص131 والسيرة الحلبية ج3 ص42 وراجع: السير الكبير للشيباني ج1 ص279.

([2]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص131 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص229 وراجع: =  = شرح مسلم ج9 ص221 عن فتح الباري ج7 ص367 وعن الطبقات الكبرى ج2 ص110.

([3]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص132 والسيرة الحلبية ج3 ص42 وعن الطبقات الكبرى ج2 ص112 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص98 والبحار ج18 ص137.

([4]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص132 والسيرة الحلبية ج3 ص42 وعن سنن أبي داود ج2 ص35 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص137 وصحيح ابن حبان ج11 ص607 ونصب الراية ج4 ص253 وموارد الظمآن ص412 وتاريخ المدينة ج2 ص466 وفتوح البلدان ج1 ص26 والبداية والنهاية ج4 ص226 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص377.

([5]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص132 والسيرة الحلبية ج3 ص42 وعن الطبقات الكبرى ج2 ص112.

([6]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص132 والسيرة الحلبية ج3 ص42 والبحار ج18 ص137 وعن الطبقات الكبرى ج2 ص112.

([7]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص132.

([8]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص132والسيرة الحلبية ج3 ص42 وعن الطبقات الكبرى ج2 ص112.

([9]) السيرة الحلبية ج3 ص42.

([10]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص132والسيرة الحلبية ج3 ص42 و 43 والبحار ج21 ص34 وعن تاريخ الأمم والملوك ج2 ص302 وعن البداية والنهاية ج4 ص244 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص800 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص374.

([11]) السيرة الحلبية ج3 ص42 ونصب الراية ج4 ص253 وعن عيون الأثر ج2 ص143 وفتوح البلدان ج1 ص26 وصحيح ابن حبان ج11 ص608 وموارد الظمآن ص412 وعن البداية والنهاية ج4 ص227 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص377 والسنن الكبرى ج9 ص137.

([12]) السيرة الحلبية ج3 ص42.

([13]) السيرة الحلبية ج3 ص43.

([14]) السيرة الحلبية ج3 ص42.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان