سرايا بين وادي القرى وعمرة القضاء
يقول المؤرخون:
إنه في شعبان سنة سبع بعث رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
عمر بن الخطاب في ثلاثين رجلاً إلى بني نصر بن معاوية، وبني جشم بن
بكر. وهم الذين يقال لهم:
«عجزُ
هوازن»([1])،
أرسله إلى موضع يقال له: تربة، على أربع ليال من مكة، على طريق صنعاء
ونجران([2]).
لكن هناك من يقول:
إنه واد على يومين من مكة، يصب في بستان ابن عامر([3]).
فخرج بهم عمر، ودليله رجل من بني هلال، فكانوا يسيرون
بالليل، ويكمنون بالنهار. وأتى الخبر هوازن فهربوا.
وجاء عمر إلى محالهم، فلم يلق منهم أحداً.
وانصرف راجعاً إلى المدينة، فلما كان بالجَدْر ـ موضع
على ستة أميال من المدينة ـ قال له الهلالي: هل لك في جمع آخر تركته من
خثعم، جاؤوا سائرين قد أجدبت بلادهم؟!
فقال عمر:
لم يأمرني رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
بهم، إنما أمرني أن أصمد لقتال هوازن بتربة. وواصل طريقه إلى المدينة([4]).
ونقول:
لنا ملاحظات عديدة، نذكر منها ما يلي:
1 ـ
إننا نعطي الحق لعمر في امتناعه عن مهاجمة الخثعميين، الذين لم يأمر
النبي
«صلى الله عليه وآله»
بشيء في شأنهم، ونود أن يكون الحفاظ على حرفية أوامره
«صلى الله عليه وآله»
هو الداعي له إلى ذلك، وليس هو الخوف من أن يحيق به مكروه في ساحات
الحرب والنزال، فقد تعودنا منه النكوص والإحجام عن مثل هذه الساحات..
ولعل ما يعزز هذا الاحتمال الأخير:
أننا وجدناه لا يلتزم بحرفية الأوامر في كثير من المواقع والحالات، بل
هو يصر على مخالفتها. ومن ذلك تمرده على أوامر النبي يوم الحديبية
وقبلها ومنعه للنبي
«صلى الله عليه وآله»
من كتابة كتاب لا تضل الأمة بعده أبداً، وقوله: إن النبي غلبه الوجع،
أو إن النبي ليهجر، أو نحو ذلك..
وقد تقدم عن قريب، كيف أنه يأمر بقتل يهودي، وجده في
نوبة حراسته، دون أن يراجع النبي
«صلى الله عليه وآله»
في ذلك.
2 ـ
إن مشورة ذلك الدليل على عمر بمهاجمة الخثعميين تشير إلى أن هؤلاء
كانوا يظنون أن النبي
«صلى الله عليه وآله»
كان يرسل هذه السرايا لأجل السلب والنهب، والقتل، والأسر.. مع أن الأمر
ليس كذلك، بل الهدف هو دفع العدوان حين يتبين له
«صلى الله عليه وآله»
أنهم يخططون، ويدبرون لهذا الأمر، ويجمعون الجموع له..
3 ـ
إن
توصيف الموضع الذي قصده عمر بن الخطاب يدل على أنه بعيد
كثيراً عن المدينة، وأن الوصول إليه يتطلب السير الحثيث لعدة أيام.
فإذا فرض أن هؤلاء القوم كانوا يدبرون ويجمعون لشن
الغارات على المدينة، أو على أطرافها، أو على جماعات من المسلمين الذين
كانوا في مناطق قريبة لهم.. فلابد أن يكون عددهم كثيراً، يمكِّنهم من
القيام بأمثال تلك التحرشات الخطيرة. فما معنى أن يهربوا، ويخلوا
أماكنهم بمجرد سماعهم بأن ثلاثين راكباً يقصدونهم؟!
بل إنهم حتى لو لم يكونوا قد حشدوا واجتمعوا، فإن هروب
هوازن من ثلاثين راكباً ليس له ما يبرره، خصوصاً وأن أمير السرية هو
عمر بن الخطاب، وليس علي بن أبي طالب
«عليه
السلام»،
أسد الله الغالب، الذي كان يعرف كل أحد أن مواجهته في أي موقع، وموقف
لن تعود عليه بالخير.. وقلعه لباب خيبر، وقتله لمرحب فارس اليهود،
ولعمرو بن عبد ود، فضلاً عما سوى ذلك، لا يزال الناس يتداولونه،
ويتناقلونه في مجالس الأسمار والأسحار..
4 ـ
إن إرسال سرية بهذا العدد القليل والضئيل إلى تلك البلاد البعيدة، التي
يتمكن الأعداء من محاصرتها بكثراتهم،
وقطع المدد
عنها،
ومنعها
من الاتصال
بالمدينة، التي هي مصدر قوتها، ثم الإيقاع بها، والقضاء عليها بسهولة..
إن ذلك أمر غير عقلائي، ولا يتوقع صدوره من عقل الكل، ومدبر الكل، وهو
رسول الله
«صلى الله عليه وآله»..
ولم يكن لدى عمر صيت ذائع في الشجاعة، لترهبه الأبطال،
وتهرب من وجهه الجموع.
ولا نظن أنه كان لديه من الشجاعة والإقدام ما يدفعه إلى
الإقدام على مخاطرة من هذا القبيل.. وقد تعودنا منه الفرار من الزحف،
والنكوص عن منازلة الأقران في أكثر من موقف وموقع.. على الرغم من وجود
المسلمين ورسول الله
«صلى الله عليه وآله»
معه،
أو بالقرب منه..
ولأجل ذلك كله نقول:
لو صح أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد أرسل سرية
بهذه المواصفات، فلابد أن تكون سرية استطلاع واستكشاف، لا سرية قتال
ونزال..
أو يقال:
إن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يعلم بأن أحداً سوف لا يجرؤ على
التعرض لسراياه، بعد أن رأى الجميع ما جرى في خيبر، فأرسل هذه السرايا
ليظهر لهم حضوره في المنطقة، وهيمنته على الموقف..
وقالوا:
إنه في شعبان سنة سبع، بعث رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
أبا بكر إلى نجد، فبيَّت ناساً من
هوازن،
قال حمزة: فسبينا هوازن، وقال هشام: فسبى ناساً من المشركين، فقتلناهم.
قال سلمة بن الأكوع:
فقتلت بيدي سبعة أهل أبيات، وكان شعارنا: أمت، أمت([5]).
ونقول:
إننا لا نستطيع أن نؤيد صحة هذه القصة، التي وردت على
هذا النحو من الإبهام، والإيهام، حيث لم يذكر عدد أفراد تلك السرية،
ولا الموضع الذي أرسلها النبي
«صلى الله عليه وآله»
إليه من نجد، ولا السبب الذي أرسلت تلك السرية من أجله، ولا.. ولا..
الخ..
خصوصاً ونحن نرى سلمة بن الأكوع يتحدث عن نفسه، ويسطِّر
لها البطولات الخارقة، التي لم يذكرها له أحد سواه، ولكنها ليست بطولات
في ساحات الحرب والنزال، بل هي صولات على أسرى مغلولي الأيدي، لا
يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً.
واللافت هنا:
أنه حتى هذه الصولات على الأسرى لم يتحدث عنها، سوى سلمة بنفسه، فلم
يذكر لنا أبو بكر، ولا أحد من أفراد تلك السرية شيئاً عن هؤلاء الذين
قتلهم هذا البطل العظيم، الذي يريد أن يجعل مما ينسبه لنفسه حديث
النوادي، ومجالس السمر، من أول الليل إلى وقت السحر!!
ثم إنه إذا كان سلمة قد قتل وحده سبعة أهل أبيات، فكم
قتل غيره من أفراد تلك السرية يا ترى؟!
ولماذا لم يتحدث التاريخ لنا بالتفصيل عن هذا الحدث
الكبير؟!
وهل جاؤوا بغنائم؟! وما هو مقدارها؟!
ولماذا أجمل حمزة الكلام، فأشار إلى السبي بصورة
مطلقة؟!
بل إن كلمة حمزة ظاهرة في أنهم قد سبوا معظم هوازن، حيث
قال: فسبينا هوازن، وهذا حدث عظيم، فلماذا لم يذكره غير حمزة؟!
وذكر سلمة هنا أيضاً:
أنه لقي جماعة منهم يهربون إلى الجبل، فرمى بسهم بينهم وبين الجبل،
فوقفوا، فأتى بهم إلى أبي بكر يسوقهم، وفيهم امرأة من بني فزارة مع
ابنة لها من أحسن العرب، فأخذ أبو بكر ابنتها، وقدموا المدينة، وما كشف
لها ثوباً.
فلقيه النبي
«صلى الله عليه وآله»
في السوق مرتين في يومين، فطلبها منه رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
فقال: هي لك يا رسول الله.
فبعث بها إلى مكة، ففدى بها ناساً من أسرى المسلمين([6]).
ونقول:
إن هذه القصة بعينها ـ تقريباً ـ قد تقدمت في غزوة أم
قرفة، التي يقال: إنها كانت في شهر رمضان من سنة ست، وقد ذكرنا هناك ما
يشير إلى عدم إمكان الاطمينان إلى صحتها، فراجع..
ربما يقال:
إن قول بعضهم: فسبى ناساً من المشركين فقتلناهم، فقتلت بيدي سبعة أهل
أبيات من المشركين يدل على أنهم قتلوا أولئك الذين وقعوا في السبي،
فيأتي السؤال أولاً عن سبب قتلهم بعد سبيهم.
ثانياً:
هل قتل سبعة أهل أبيات بما في ذلك النساء والرجال والشيوخ والأطفال؟ أم
اقتصر القتل على المقاتلين منهم؟!
وقد يجاب، بأنه:
ربما لم يقتلهم بعد سبيهم، إذ يمكن أن يكون الضمير وهو
كلمة
«هم»
في قوله:
«فقتلناهم»
عائداً على المشركين الذين أرسلوا للإغارة عليهم.
وهو جواب ضعيف يخالف ظاهر الكلام، كما هو واضح.
أو يقال:
إنها تطلق على خصوص سبي النساء، لكن يصح إطلاقها أيضاً على كل من يؤخذ
حياً من الأعداء بما في ذلك الرجال والنساء.
ويشهد له قول علي
«عليه
السلام»
لما اعترض البعض عليه لعدم إقدامه على أخذ سلب عمرو بن عبد ود، وهو
أنفس سلب: كرهت أن أبزَّ السبي ثيابه.
فعبر عن الذي قد استولى عليه وقهره، ثم قتله بأنه سبيّ.
فقوله:
سبى ناساً من المشركين معناه: أنه أسر ناساً منهم.. وربما يكون في
جملتهم نساء وشيوخ، وأطفال أيضاً.
وبعدما تقدم نقول:
يحتمل أن يكون سلمة قد قتل سبعة أهل أبيات بما في ذلك
النساء، والرجال، والشيوخ، والأطفال، وإن لم يقاتله إلا رجالهم، ويحتمل
أن يكونوا قاتلوه نساءً ورجالاً وأطفالاً، فقتلهم من أجل ذلك.
ويذكرون أيضاً:
أن رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
بعث في شعبان سنة سبع بشير بن سعد في ثلاثين رجلاً إلى بني مرة بفدك،
فلقي رعاتهم فسألهم عنهم، فقالوا: هم في بواديهم (أو نواديهم، أو
واديهم). والناس يومئذ شاتون، لا يحضرون الماء.
فاستاق النعم والشاء، وعاد بها إلى المدينة، فخرج
الصريخ، فأدركوه عند الليل، فباتوا يرامونهم بالنبل، حتى فنيت نبل
أصحاب بشير، وأصبحوا، وحمل بنو مرة عليهم، فقتل من أصحاب بشير من قتل،
وهرب من هرب، (وقتل كثير من الصحابة).
وقاتل بشير قتالاً شديداً حتى ارتث، وضرب كعبه، ووقع في
القتلى، وقيل: قد مات.
ورجع بنو مرة بنعمهم، وشائهم إلى بلدهم..
ووصل خبر ما جرى إلى رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
أوصله إليه علبة بن زيد الحارثي.
وأمهل بشير بن سعد، وهو في القتلى، فلما أمسى تحامل حتى
أتى فدكاً، فأقام عند يهودي بفدك أياماً حتى ارتفع من الجراح، ثم رجع
إلى المدينة([7]).
فلما علم رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
بما جرى، قرر اتخاذ موقف حاسم، فكانت:
فقد ذكروا:
أن النبي
«صلى الله عليه وآله»
هيأ الزبير بن العوام، فقال له: سر حتى تنتهي إلى مصاب أصحاب بشير، فإن
ظفرك الله بهم فلا تبقِ فيهم (وأمره أن يستأصلهم).
وهيأ معه مائتي رجل، وعقد له اللواء، فبينما هو على ذلك
إذ قدم غالب بن عبد الله من الكديد، بعد أن ظفره الله، فقال رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
للزبير: اجلس.
وبعث غالب بن عبد الله في مائتي رجل، كان فيهم أسامة بن
زيد، وكعب بن عجرة، وعلبة بن زيد، وغيرهم.
فلما دنا غالب من بني مرة بعث
الطلائع، فبعث علبة بن زيد في عشرة ينظر إلى جماعة منهم في محالّهم،
فرجعوا إليه، فأخبروه. فأقبل غالب يسير، حتى إذا كان منهم بمنظر العين
ليلاً، وقد احتلبوا، وعطنوا([8])،
وهدأوا، خطب أصحابه. ثم ألف بين كل رجلين، وشرط أن لا يفارق كل رجل
زميله.
ثم كبر وكبروا، وأخرجوا السيوف، فخرج إليهم الرجال،
فقاتلوا ساعة، فوضعوا السيوف فيهم حيث شاؤوا.
وفي نص آخر:
أغاروا عليهم مع الصبح، وقاتلوا قتالاً شديداً، وقتل كثير من المشركين،
وأخذ المسلمون كثيراً من الأسارى، والإبل والغنم، فكانت سهام كل رجل
عشرة أبعرة، أو عدلها من الغنم، (كل جزور بعشرة من الغنم).
وخرج أسامة بن زيد في أثر رجل منهم،
يقال له:
نهيك بن مرداس فأبعد.
ثم أخذوا النعم، والنساء، فقال
غالب:
أين أسامة؟!
فجاء بعد ساعة من الليل، فذكر لهم:
أنه لحق برجل، حتى إذا رهقه بالسيف قال: لا إله إلا الله.. ولكن أسامة
قتله رغم ذلك.
قال أسامة:
فأتيت إلى المدينة، فاعتنقني رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
وقبَّلني، واعتنقته.
ثم ذكر أنه أخبره بما جرى، فقال
«صلى الله عليه وآله»:
قتلته يا أسامة، وقد قال: لا إله إلا الله؟.
قال فجعلت أقول:
يا رسول الله، إنما قالها تعوذاً من القتل.
فقال «صلى الله عليه وآله»:
ألا شققت قلبه، فتعلم أصادق هو أم كاذب؟!
فقال أسامة:
لا أقتل أحداً يقول لا إله إلا الله. قال أسامة: وتمنيت أني لم أكن
أسلمت إلا يومئذٍ([9]).
ومن جهة أخرى:
فقد روي عن المقداد بن عمرو، قال: قلت يا رسول الله: أرأيت رجلاً من
الكفار يقاتلني، وضرب إحدى يديَّ بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة،
فقال: أسلمت لله، أقتله بعد أن قالها؟!
فقال رسول الله «صلى الله عليه
وآله»:
لا تقتله.
قال:
فإني قتلته، فماذا؟!
قال:
فإنه بمنزلتك التي كنت بها قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول
كلمته التي قال([10]).
ونقول:
إن لنا مع ما تقدم وقفات عديدة، نكتفي منها بما يلي:
ذكر بعضهم:
أن المقصود بفدك هنا: قرية بينها وبين المدينة ستة
أميال([11]).
وهو كلام غير دقيق، فإن فدكاً تقع على بعد يومين أو
ثلاثة من المدينة.
بل في بعض النصوص:
أنها على ستة ليال من المدينة([12]).
ويعود السؤال ليطرح نفسه من جديد، ولكنه مزود هذه المرة
بالشاهد القوي، والقاطع للعذر، فيقول: إذا كان التغلب على بني مرة في
فدك يحتاج إلى مائتي مقاتل، كما ظهر من تجهيز هذا العدد بقيادة غالب بن
عبد الله، فلماذا يرسل النبي «صلى الله عليه وآله» إليهم بشير بن سعد
في ثلاثين رجلاً فقط؟!
وإذا كان بنو مرة قد واجهوا المائتين، وقاتلوهم، فهل
سوف يتركون ثلاثين رجلاً يستاقون نعمهم، دون أن يلاحقوهم، وينزلوا بهم
ضرباتهم القوية والمهلكة؟!
ويزداد هذا الأمر وضوحاً إذا لوحظ:
أن المقصود بالهجوم هو أناس يبعدون عن المدينة مسافات طويلة، تحتاج إلى
مسير ثلاثة أيام!!
فكيف إذا كانوا في محيط اليهود المعروفين بغدرهم
وخياناتهم، وبحقدهم على أهل الإسلام؟! وبالأخص إذا كان ذلك قد حصل بعد
أن أوقع المسلمون بهم، وهزموهم شر هزيمة؟!
قلنا أكثر من مرة:
إننا لا نتعقل أن يكون هدف النبي
«صلى الله عليه وآله»
من إرسال تلك السرايا هو مجرد الإيقاع بالناس، وقتل رجالهم، وسبي
نسائهم وأطفالهم، واستياق مواشيهم، واستلاب أموالهم من دون دعوة مسبقة
لهم إلى الله تعالى، كما هي عادته
«صلى الله عليه وآله»..
حتى إنه
«صلى الله عليه وآله»
في آخر غزواته ليهود وادي القرى، كان يعاود الدعوة لهم عند كل صلاة،
وبعد قتل كل رجل منهم([13])،
فما معنى أن يرسل بالسرايا لتغير على الآمنين، وتأخذ الناس على حين
غرة، وتقتلهم، وتسبي نساءهم وأطفالهم، وتأخذ أموالهم، وتستاق مواشيهم؟!
إننا من خلال كل ما قدمناه وسواه نرى:
أن هذه السرايا هي سرايا دعوة إلى الله، وبعضها كانت مهمته الرصد
والرقابة.. حتى لا يؤخذ المسلمون على حين غرة.
ذكر النص المتقدم:
أن بني مرة لحقوا المسلمين في أول الليل، فباتوا يرامونهم بالنبل، حتى
فنيت نبال أصحاب بشير..
والسؤال هو:
لماذا لم يغتنم أصحاب بشير الفرصة، ويتخذوا الليل جملاً للنجاة
بأنفسهم، إذا كانوا يعلمون أنهم لا يقدرون على المواجهة؟! وأن مصيرهم
سيكون هو البوار والدمار؟!
إذ إنهم بعد أن فني نبلهم ليلاً
لابد أن يعرفوا:
أنهم في خطر أكيد، وضيق شديد، فإما أن يستعملوا خطة أخرى، أو أن
يتحيزوا إلى فئتهم، لكي يأتوا بقوة قادرة على حسم الأمور لصالحهم.
وقد تعودنا من المؤرخين، ومن رواة المسلمين أن يذكروا
أسماء قتلاهم في الحروب المختلفة، فراجع حرب بدر، وأحد، وخيبر، وغير
ذلك، بل هم يذكرون أسماء القتلى من المشركين وغيرهم من أعدائهم أيضاً،
فما بالهم لم يذكروا أسماء ولا عدد من قتل في سرية بشير بن سعد هذا؟!
ولابد أن تتنامى توقعاتنا لذلك، ونحن نرى مدى اهتمام
النبي
«صلى الله عليه وآله»
بالانتقام لهم، حتى إنه يبادر إلى تجهيز جيش، وإرساله لهذا الغرض.
ونلاحظ هنا أيضاً:
أن هذا الذي ذكروه عن بشير بن سعد، من أنه ضرب كعبه، فظنوا موته، ثم
نجا بنفسه؛ قد ذكر ما يشبهه في سرية أخرى، هي سرية محمد بن مسلمة إلى
بني ثعلبة في ذي القصة.. وجاء فيها:
أن النبي
«صلى الله عليه وآله»
بعث محمد بن مسلمة في عشرة إلى بني ثعلبة، فورد عليهم ليلاً، فكمن
القوم حتى نام، ونام أصحابه، فأحدقوا بهم، وهم مائة رجل، فما شعروا إلا
بالنبل وقد خالطتهم، فوثب ابن مسلمة، وعليه القوس، ووثب من معه،
فتراموا بالنبل ساعة من الليل، ثم حملت الأعراب عليهم، فقتلت ثلاثة
منهم، ثم قتلوا الباقين، ووقع ابن مسلمة جريحاً، فضرب كعبه فلم يتحرك..
فتركوهم..
ثم نجا محمد بن مسلمة بواسطة رجل مسلم مر على القتلى،
فحمله حتى ورد به المدينة.
ثم إن النبي
«صلى الله عليه وآله»
بعث أبا عبيدة في أربعين رجلاً إلى مصارعهم، فلم يجد أحداً، فاستاق
نعماً ورجع([14]).
وستأتي قضية أخرى تشبه هذه القضية أيضاً، وهي سرية ابن
أبي العوجاء إلى بني سليم في سنة سبع.
ومثلها سرية ذات أطلاح أيضاً.
وهذا التشابه يلقي ظلالاً من الشك على صحة أكثر هذه
النصوص.
وورد في النص المتقدم كلام غير
مفهوم، فقد قال:
قاتل قتالاً شديداً حتى ضرب كعبه.
وقيل:
قد مات..
فما هو ربط القتال الشديد بضرب الكعب؟!
وكيف أصبح ضرب الكعب هو أقصى شيء في القتال؟!
إلا أن يقال:
إنه حين جرح، ضربوا كعبه، ليعرفوا موته من حياته، فلم يتحرك.
وقيل:
قد مات.. ولذلك زاد الحلبي عبارة:
«اختباراً
لحياته»([15])
فراجع.
ولكن لماذا تم اختيار الكعب لمعرفة موته من حياته؟!
بل لماذا يضربون كعبه، ولا يضربونه بموضع قتَّال، فيحصل
لهم اليقين بموته؟!
إلا إن كان لهم غرض بأسره ومفاداته، أو نحو ذلك..
لقد ذكر النص المتقدم:
أن النبي
«صلى الله عليه وآله»
جهز الزبير أولاً، وعقد له اللواء، وأمره بالمسير إلى بني مرة، ولكنه
عاد وأمره بالجلوس، واستبدله بغالب بن عبد الله من دون أن يفصح عن
الداعي إلى ذلك..
رغم أن غالباً كان قد قَدِمَ لتوه من سرية أخرى، ولم
يسترح من عناء السفر.. مع ملاحظة: أنهم لم يفصحوا لنا ـ أيضاً ـ عن
أيِّ شيء يرتبط بتلك السرية التي عاد منها غالب!!
والسؤال هنا هو:
هل اعرض النبي «صلى الله عليه وآله» عن ارسال الزبير،
لأن الزبير امتنع من القيام بهذه جبناً وخوراً، أو اعتذر عنها بمشاغل
رأى أنها أهم من تنفيذ أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟! فإن كان
الأمر كذلك فلماذا لم يذكر لنا المؤرخون..
وإن كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو الذي انصرف
عنه فالسؤال هو:
هل وجد
«صلى الله عليه وآله»
من الزبير أي هناة تمنع من إرساله في مهمة كهذه؟!
أو أنه لم يكن أهلاً لقيادة سرية بهذه الحجم، ولها مهمة
كهذه؟!
فإن كان الأمر من هذا القبيل أو ذاك، فلماذا قدمه
أولاً؟
ألم يكن عالماً بعدم كفاءته، أو بالهنات التي صدرت
منه؟!
وإن كان الأمر كذلك، فكيف يقدم على أمر لم يتثبت فيه،
ولم يستكشف حقيقته؟! ويقف على ما ينبغي له أن يقف عليه؟!
وإن كان الزبير بريئاً من كل عيب، وكان كفؤاً للمهمة
التي رُشِّح لها، فلماذا نحاه عنها؟!
ألا يعتبر ذلك بمثابة تشكيك في أهليته، أو الطعن في
إخلاصه؟! فلماذا لم يقل أي شيء من شأنه أن يبعد الشبهة عنه؟!
أم أنه
«صلى الله عليه وآله»
أراد أن يتفاءل بالنصر الذي حصل للسرية السابقة، كما يوحي به قول
الراوي:
«فقدم
غالب بن عبد الله من سرية قد ظفره الله عليهم»؟!
ولكن هل يصح أن يكون هذا التفاؤل بقيمة إثارة الشبهات
حول الزبير، أو بقيمة تحقيره، وتصغير شأنه بين أقرانه؟!
على أن من يلاحظ السرايا وأمراءها، لا يجد للزبير ذلك
النصيب الذي يتوقع من مثله!! ولاسيما فيما يتعلق بإمارة تلك السرايا،
وكذلك الحال بالنسبة لعدد من أقرانه. فما هو السبب يا ترى؟!
فهل
المقصود من ذلك كله:
هو تخصيص بشير بن سعد بالفضائل والكرامات، لأنه كان أول من بايع أبا
بكر، وكسر شوكة ابن عمه سعد بن عبادة في يوم السقيفة؟!
أما الزبير، فكان معارضاً لهم، ومؤيداً لمن أبغضوه،
وناوأوه، واغتصبوا حقه!! وإن كان قد انقلب بعد ذلك على عقبيه، فقاتل
إمامه في حرب الجمل، بعد بيعته له، فقتل هو في تلك الحرب التي أثارها.
وأغرب من ذلك كله، أن نجده
«صلى الله عليه وآله»
يصدر أمراً لقائد سريته، بإبادة بني مرة إن ظفر بهم.
فقد زعموا:
أنه
«صلى الله عليه وآله»
قال له:
«فإن
ظفرك الله بهم لا تبقي فيهم..»([16]).
أو قالوا:
أمره بأن
«يستأصلهم».
فهل يمكن أن يصدر أمر كهذا من نبي الرحمة، الذي يقول
بعد استشهاد عمه حمزة وعشرات من أصحابه في حرب أحد:
«اللهم
اهد قومي فإنهم لا يعلمون»؟!
ولماذا هذه القسوة منه
«صلى الله عليه وآله»
على قوم قد جاءهم من انتهب منهم النعم والشاء، فهبُّوا لتخليصها
واسترجاعها، ودفع المهاجمين عن أنفسهم؟!
ثم لماذا أصر المهاجمون والمغيرون على مواصلة الحرب مع
بني مرة حتى قتلوا عن آخرهم؟! مع قصور الرواية التاريخية عن التصريح
بشيء يدل على أن بني مرة
قد جمعوا لحرب رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
أو تآمروا عليه، أو نقضوا عهده، أو ما إلى ذلك!!
وبعد..
فإنه إذا كان نصيب كل واحد من المقاتلين من الغنيمة عشرة أبعرة، فسيكون
مجموع ما غنموه من بني مرة حوالي ألفي بعير، أو عدلها من الغنم، على أن
يكون مقابل كل جزور عشرة من الغنم.
فأين كانت تلك المواشي ترعى؟! وكيف كانت تؤوى؟!
ومن الذي كان يحمي تلك الأبعرة والأغنام الكثيرة في ذلك
المحيط الذي كان يمارس أهله الغارة والسلب في كل اتجاه؟ وكيف غفل عنها
أصحاب الغارات، وطلاب اللبانات؟! وكانوا يجوبون المنطقة طولاً وعرضاً،
خصوصاً إذا كانت حاميتها ضعيفة إلى هذا الحد؟!
وكم ينبغي أن يكون هناك من الرجال، ليحموها من سباع
وفرسان القبائل، برماحهم وسيوفهم؟! إذ لابد أن يكون عدد حماتها
متناسباً مع حجم التحدي الذي يتهددها في تلك المنطقة.
وهل قتلهم جميعاً غالب ومن معه؟! أم أنه قد أسر أحداً
منهم؟! مع العلم بأن الوصية له من رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
هي كما زعموا:
«فإن
ظفرك الله بهم لا تبقي فيهم..».
ومع العلم بأن النص لم يشر إلى أسر أحد منهم، بل قال: «فوضعنا
السيوف حيث شئنا منهم، ونحن نصيح بشعارنا: أمت أمت..».
إلى
أن قال:
«وحوينا على الحاضر، وقتلنا من قتلنا، ومعنا النساء
والماشية»([17]).
وإذا كانوا قد سبوا النساء، فلابد أن يكون عدد السبايا
بلغ المئات.
ومن المتوقع أن يكون لها ذكر يتناسب مع كثرتها.
وأن يكون لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»
بعض الصُّفَى منهن.
وأن يقع التنازع، أو التنافس في الحصول على الجميلات
منهن.
أو يكون ذكر لمن في نصيبه من تُذْكَرُ منهن بجمال، كما
رأينا في مناسبات أخرى.
ولكننا لم نعثر على شيء من ذلك في كتب السير، ولم نقف
له على أي أثر.
وعن قصة أسامة نقول:
إنها رويت بنحو آخر، وهو:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» أرسله في خيل إلى بعض قرى اليهود
ليدعوهم إلى الإسلام، وكان رجل من اليهود يقال له: مرداس بن سليم، لما
أحس بهم جمع إبله وماله في ناحية الجبل، وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا
الله، وأن محمداً رسول الله، فمر به أسامة، فقتله.
ثم
تذكر الرواية:
ما جرى لأسامة مع النبي «صلى الله عليه وآله»، وأنه «صلى الله عليه
وآله» قال له: «لا ما قال بلسانه قبلت، ولا ما كان في قلبه علمت».
وفيه أنزلت:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ
فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ
لَسْتَ مُؤْمِناً﴾([18]).
وربما تكون هذه الرواية هي الأقرب
إلى الصحة، مع ملاحظة:
أنها مختصرة إلى درجة الإخلال باللوم الشديد، الذي وجهه رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
لأسامة، وهي أوضح من الرواية الأولى التي تحاول التخفيف من قبح وبشاعة
ما صدر عن أسامة، وأن تعطي أسامة منزلة خاصة من رسول الله
«صلى الله عليه وآله».
ولكننا رغم ذلك لابد أن نتوقف قليلاً مع بعض ما ورد
فيها، فنقول:
إن أسامة بن زيد يقتل من شهد أن لا إله إلا الله، ثم
يزعم لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»:
أن ذلك المقتول لم يشهد الشهادتين عن قناعة، وإنما قال ذلك بلسانه
لينجو من القتل، مع أنه عاجز عن التحقق من ذلك، وعن إثباته..
وحتى لو كان يعلم بذلك، فالمفروض هو:
قبول ذلك منه.. تأسياً برسول الله «صلى الله عليه وآله»، الذي يعلم
الناس كلهم: أنه كان يعرف بنفاق كثير من أصحابه، وقد أعلم حذيفة بعدد
منهم. ولكنه «صلى الله عليه وآله» كان يعاملهم وفق ما يظهرونه، وليس
على حسب ما يعلمه منهم..
بل إن الكثيرين منهم كانوا يقدِّمون الدليل تلو الدليل
على عدم صحة إيمانهم، ولكن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن يرتب
أثراً على ذلك في مقام التعامل معهم.. وقد انخذل عنه «صلى الله عليه
وآله» عبد الله بن أبي ـ في ثلث الجيش ـ في واقعة أحد.. كما أن جماعة
من الصحابة قد نفَّروا به «صلى الله عليه وآله» ناقته، لكي يقتلوه،
وكان يعرفهم بأسمائهم، وأشخاصهم، ولكنه لم يعلن بذلك للناس.
وقد ندد القرآن الكريم في كثير من آياته بهم، وأدان
تصرفاتهم، وفضحهم، وشنع عليهم في كثير من المناسبات..
ولم يعاقبهم رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
على ما صدر منهم تجاهه، ولا حاسبهم، ولا طالبهم بغير ما كانوا يظهرونه.
وتلك هي سماحة الإسلام، وبالغ حكمته، ودقة تعاليمه،
فإنه يريد أن ينتزع السلاح من يد هؤلاء، فلا يشهرونه في وجهه، ويريد
لهم أن يعيشوا هم وكل من يلوذ بهم من أقرباء، وعشائر، وأصدقاء، أجواء
الإسلام من دون أي تكلف أو حرج، فعسى ولعل، ولعل وعسى أن يُقْبِلَ الله
بقلوبهم ولو بعد حين.
بل إن القاعدة التي أرساها رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
في التعامل مع الأغيار، هي: أن من قال: لا إله إلا الله، محمد رسول
الله، حقن بها ماله، ودمه. فما معنى التعدي عن هذه القاعدة، وتمحل
الأعذار لذلك؟!
يدَّعي أسامة:
أن ذلك الرجل تشهد الشهادتين بعدما ضربه أسامة بالسيف.
فقد روي أنه قال لأميره:
«خرجت
في أثر رجل منهم، فجعل يتهكم بي، حتى إذا دنوت منه وضربته بالسيف، قال:
لا إله إلا الله.
فقال له الأمير:
بئس ما فعلت وما جئت به، تقتل رجلاً يقول: لا إله إلا الله؟! فندم
أسامة الخ..».
ونقول:
لا نشك في عدم صحة هذه الرواية، إذ يرد عليها ـ
بالإضافة إلى أنها لا تنسجم مع الرواية التي ذكرت ـ ما يلي:
أولاً:
لقد ذكرت: أن ذلك الرجل كان يتهكم بأسامة، وأنه: قد شهد الشهادتين بعد
أن ضربه أسامة بالسيف.
فلماذا يلام أسامة إذن؟!
ولماذا يتهم بأنه قد قتل رجلاً مسلماً؟!.
ثانياً:
إن هذا النص لا يبقي مجالاً لقول أسامة: إنما قالها متعوذاً؛ لأن
التعوذ إنما يكون قبل إصابة السيف له لا بعده. كما أنه لا يبقي مجال
لأن يلومه الرسول «صلى الله عليه وآله»، ويقول له: هلا شققت عن قلبه؟
وغير ذلك..
والظاهر هو:
أن المقصود بهذه الصيغة؛ التخفيف من حدة النقد الذي ربما يوجه إلى
أسامة على فعلته هذه..
قال الحلبي:
«ومن ثم لم يشهد أسامة رضي الله عنه مع علي كرم الله وجهه قتالاً، وقال
له: لو أدخلت يدك في فم تنين لأدخلت يدي معها.
أو قال:
لو كنت في فم الأسد لدخلت فيه معك. ولكنك قد سمعت ما قال لي رسول الله
«صلى الله عليه وآله» حين قتلت ذلك الرجل، الذي شهد أن لا إله إلا
الله. وقلت له: أعطي الله عهداً: أن لا أقتل رجلاً يقول: لا إله إلا
الله».
وإذا كان أسامة بن زيد قد تعهد بأن
لا يقتل أحداً يقول:
لا إله إلا الله([19])،
فذلك لا يبرر تخلُّفه عن نصرة النبي «صلى الله عليه وآله» والإمام علي
«عليه السلام»، حين يقاتل البغاة عليه، ولا يبرر مخالفته لأمره، إذا
أمره بالخروج لحربهم.
وليس له الاعتذار:
بأنه قد تعهد بأن لا يقتل مسلماً، إذ إنما يصح له أن يتعهد بما يرجع
أمره إليه، ويكون باقتراح ومبادرة منه. أما إذا كان الله تعالى هو
الآمر له ـ باعتبار أنه أمره بطاعة نبيه وإمامه ـ فإنه يصبح أمام أحد
خيارين: إما الطاعة الموجبة للمثوبة الإلهية، وإما المعصية المؤدية إلى
الهلاك والعقوبة في نار جهنم.
فلا يصح لأحد الاعتذار بذلك لأسامة في تخلفه عن حروب
أمير المؤمنين
«عليه
السلام»
للبغاة، كما صرحت به بعض الروايات([20]).
وقد أغضب ذلك إمامه «عليه السلام»، حتى حرمه من العطاء،
وقال له:
هذا المال لمن جاهد عليه([21]).
ولو أنه
«عليه
السلام»
وجد أن ذلك يبرر موقف أسامة؛ لَعَذَرَه، ولم يحرمه من العطاء..
وأما ما روي من أنه:
انحرف عن أمير المؤمنين
«عليه
السلام»
ثم رجع إليه([22])،
فسنده ضعيف، فإن كان ذلك قد حصل بالفعل، فهو الفلاح والنجاح، والسداد
والرشاد.
وأما بالنسبة لقصة المقداد بن عمرو..
فربما يقال:
إن قصد هؤلاء القوم منها هو إيجاد شريك لأسامة، في هذا الأمر القبيح
الذي صدر منه، وإيهام: أن المقداد كأسامة قد قتل امرءاً مسلماً أيضاً.
مع أن المقداد كان من خيرة أصحاب علي «عليه السلام»،
وكان معروفاً بالطاعة المطلقة له «عليه السلام»، وبالتسليم التام لما
يريده الله سبحانه، ولما يأمر به رسوله «صلى الله عليه وآله». على أن
التأمل في القصة التي يرويها هؤلاء يعطي أنها لا تفيدهم فيما قصدوه،
لأن ظاهرها: أن المقداد قد طرح على الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله»
سؤالاً افتراضياً، ولم يكن يتحدث عن نفسه أبداً.
والذي يظهر لنا:
أن الأقرب إلى الاعتبار:
هو أن بعض الناس ربما لم يبلغهم تغيُّظ رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
على أسامة، فظنوا أو خدعتهم ادعاءات صحة ما أقدم عليه أسامة، فأراد
المقداد أن يعرِّفهم هذه الحقيقة من لسان النبي
«صلى الله عليه وآله»،
مباشرة فطرح السؤال على سبيل الافتراض، مضمناً إياه خصوصية تزيد في
وضوحه، فقد ذكر في سؤاله الأول: أن ذلك الكافر المقاتل قطع يد مهاجمه
(الذي هو السائل) بسيفه، ثم أعلن إسلامه.
وجاء الجواب:
بتحريم قتل ذلك الرجل.
وهذا سؤال افتراضي جزماً، لأن المقداد لم تقطع يده
أصلاً..
ثم رتب على هذا السؤال وجوابه
سؤالاً افتراضياً آخر يقول:
لنفترض أنني قتلته بعد إعلانه الإسلام، فما هو الحكم في ذلك؟
فجاء الجواب في هذه الحالة أيضاً:
بأن الحكم هو كذا وكذا..
تقدم أننا نحتمل:
أن يكون ثمة سعي للتخفيف من وقع جريمة أسامة بادِّعاء: أن ذلك المقتول
قد أظهر الإسلام حين رهقه أسامة بالسيف..
مع أن ثمة ما هو صريح في:
أن إسلام ذلك الرجل كان متقدماً على ذلك، كان معروفاً ومشهوراً.
وتقدم أيضاً:
النص الذي ذكره القمي، وهو لا ينسجم مع هذه الادعاءات.. كما أنهم قد
رووا ما يؤيده عن ابن عباس، وهو: أن نهيك بن مرداس كان من أهل فدك،
وكان مسلماً، ولم يسلم من قومه غيره، فسمعوا بأن سرية لرسول الله «صلى
الله عليه وآله» تريدهم، وكان على السرية غالب بن فضالة الليثي،
فهربوا، وأقام الرجل، لأنه كان على دين الإسلام.
فلما رأى الخيل خاف أن يكونوا من غير أصحاب النبي
«صلى الله عليه وآله»،
فألجأ غنمه إلى عال من الجبل، فلما تلاحقت الخيل سمعهم يكبرون، فعرف
أنهم من أصحاب رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
فكبر ونزل، وهو يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله. السلام عليكم.
فقتله أسامة، واستاق الغنم.
ثم رجعوا إلى رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
فأخبروه، فوجد رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
وجداً شديداً، وكان قبل ذلك قد سبق الخبر، فقال رسول الله
«صلى الله عليه وآله»:
أقتلتموه إرادة ما معه؟!
ثم قرأ هذه الآية على أسامة بن زيد:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ الله
فَتَبَيَّنُواْ﴾([23])،
فقال: يا رسول الله استغفر لي.
فقال:
فكيف بلا إله إلا الله؟!
قالها رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
ثلاث مرات.
قال أسامة:
فما زال رسول الله يكررها ويعيدها، حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا
يومئذٍ.
ثم إن رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
استغفر لي بعد ثلاث مرات، وقال: اعتق رقبة.
وروى عكرمة، عن ابن عباس:
أنه مر رجل من بني سليم على نفر من أصحاب رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
ومعه غنم له، فسلم عليهم، فقالوا: ما سلم عليكم إلا ليتعوذ منكم،
فقاموا، وقتلوه، وأخذوا غنمه، وأتوا بها إلى رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
فأنزل الله تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ الله
فَتَبَيَّنُواْ﴾»([24]).
وفي رواية أبو ظبيان قال:
بعث رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
أسامة بن زيد مع جماعة إلى الحرقات من جهينة، فصبحوهم، فهزموهم، وقتل
أسامة رجلاً ظنه متعوذاً بقول لا إله إلا الله، فكرر رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
قوله له: أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله، حتى قال: تمنيت أني لم
أكن أسلمت قبل ذلك اليوم([25]).
ونقول:
1 ـ
إن التأمل في هذا النص يجعلنا نشك في أن يكون رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
قد استغفر لأسامة، وذلك لأنه طلب منه أن يستغفر له، فقال له ثلاث مرات:
فكيف بلا إله إلا الله؟!
ثم لم يزل
«صلى الله عليه وآله»
يكررها، ويعيدها، حتى تمنى أنه لم يسلم إلا يومئذٍ.
وهو جواب ينضح بالألم، ويشي بالاستياء الشديد، من فعل
أسامة.. فكيف يمكن الركون إلى زعمهم: أنه استغفر له؟!
2 ـ
وإذا كان جشع أسامة، وحبه للمال يدفعه لارتكاب جريمة القتل حتى
للمسلم.. فلست أدري إن كان قد وفِّق بعد ذلك للتخلص من شرهه وجشعه هذا؟!
أم أنه بقي على حاله؟! أو ربما يكون قد تنامى وتعاظم. وتعمق وترسخ حب
الدنيا في نفسه؟!
وربما يشير إلى ذلك:
أن علياً
«عليه
السلام»
قد عاقبه بحرمانه
من بعض هذا المال الذي يحبه، حيث قطع عطاءه، وقال: إن
هذا المال لمن جاهد عليه. حسبما تقدم.
3 ـ
إن هذا النص يصرح بأن الرجل المقتول جاء إلى جيش المسلمين، وسلم عليهم،
وذلك يجعلنا نرتاب فيما زعموه من أن أسامة قد قتله في ساحة الحرب، وأنه
لما رهقه بالسيف نطق بالشهادتين، وربما يكون الدافع إلى ادعاء ذلك هو
التخفيف من حدة النقد لهذا القاتل، ومن قبح الذنب الذي صدر منه.
4 ـ
إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد بادر إلى الإعلان القاطع عن
دوافع أسامة لقتل ذلك الرجل. وقد ساق كلامه بصورة الإخبار عن أمر يقيني.
واليقين بذلك لا يتأتى إلا لمن يكون نبياً، قد علم ذلك
عن طريق الوحي، أو من خلال اطلاعه على الغيب، ولو عن طريق إشرافه على
اللوح الذي تكتب فيه الغيوب، التي أذن الله تعالى له بالاطلاع عليها،
ويسَّر له ذلك، بما آتاه إياه من قدرات..
5 ـ
إن رواية أبي ظبيان تحاول أن تنسب القتل إلى قوم آخرين يحكي أسامة لنا:
أن هذا القتل قد صدر منه، بعد أن اعتبروا تسليم ذلك الرجل عليهم كان من
أجل التعوذ به منهم.
مع أن الرواية المتقدمة تصرح بأن أسامة انفرد به،
وقتله.
6 ـ
إن هذه الرواية التي رواها أسامة تثير أكثر من سؤال.
فإنه إن كان يريد أن يبرئ نفسه من هذه الجريمة، وينحي
باللائمة على غيره؛ فالروايات كلها تكذبه في ذلك.
وإن كان يتحدث عن أن غيره فعل ذلك، وكان هو معهم..
فإن كان ما فعلوه قد حدث قبل أن يرتكب هو جريمته بحق
ذلك الرجل، فالسؤال هو: أن آية
«فتبينوا»
إن كانت نزلت لتحكي ما فعلته تلك الجماعة في هذه المناسبة، فكيف يقدم
هو بعد نزول الآية فيهم على قتل ذلك المتعوذ ـ بزعمه ـ بلا إله إلا
الله، محمد رسول الله؟!..
ولماذا لم يتبين أمره، ولم يتحقق مما صدر منه، وفقاً
لما أمر الله تعالى به؟!
وإن كان ذلك قد حصل بعد أن فعل أسامة فعلته، وبعد
استنكار رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
فعله ذاك.. فكيف لم يعتبر أولئك القوم الذين هم من الصحابة بما جرى
لأسامة؟!
وكيف يقدمون على أمر من هذا القبيل، بعد البيان النبوي
الواضح والصريح؟
وكيف يصح من النبي
«صلى الله عليه وآله»
أن يغفر لهم ذلك، ولا يعاقبهم عليه؟!
هذا، وسيأتي بعض الكلام عما جرى لمحلم بن جثامة في سرية
أبي قتادة إلى بطن إضم، وفي أواخر حرب حنين، والطائف، فانتظر.. فإنها
تشبه قضية أسامة إلى حد بعيد.
وفي شهر رمضان سنة سبع، وبعد أن رجع النبي
«صلى الله عليه وآله»
من غزوة الكدر، أقام مدة، ثم قال له يسار (مولاه): يا رسول الله، إني
علمت غِرَّة من بني عبد بن ثعلبة، فأرسل معي إليهم (وإلى بني عوال).
فأرسل معه النبي
«صلى الله عليه وآله»
غالب بن عبد الله في مائة وثلاثين رجلاً إلى الميفعة، بناحية نجد، على
ثمانية برد من المدينة.
وقد خرج بهم يسار، فسار بهم في غير الطريق، حتى فنيت
أزوادهم، وجهدوا، واقتسموا التمر عدداً.
وساء ظنهم بيسار، وفي صحة إسلامه. ثم وصلوا إلى وادٍ قد
حفره السيل، فساروا فيه حتى انتهوا إلى أكمة. كان الذين يقصدونهم
خلفها، فأغاروا عليهم، واستاقوا نعماً وشاء، وقتلوا من أشرف لهم منهم..
واستاقوا النعم إلى المدينة، ولم يسمع أنهم جاؤوا
بأسرى..
وفي نص آخر:
ولم يأسروا أحداً([26]).
ونقول:
أولاً:
لقد ذكروا: أن قصة أسامة بن زيد، وقتله لذلك الرجل الذي أسلم، ثم قول
النبي
«صلى الله عليه وآله»
لأسامة: ألا شققت عن قلبه ـ ذكروا ـ أن ذلك قد حصل في هذه الغزوة([27]).
وتقدم وسيأتي قولهم:
إنها كانت في سرايا أخرى أيضاً..
ثانياً:
إننا نقول هنا نفس ما قلناه في سائر المواضع، وهو: إن النبي الكريم
«صلى الله عليه وآله»
لا يغير على قوم لمجرد استلاب أموالهم، ولا يقتل أحداً قبل دعوته إلى
الله تعالى، فإن لم يكن
«صلى الله عليه وآله»
قد دعا هؤلاء القوم إلى الإسلام، ولم يكونوا نقضوا عهداً، أو ارتكبوا
جرماً، أو جمعوا جمعاً للإغارة على أهل الإسلام، فإنه
«صلى الله عليه وآله»
لا يستحل الإغارة عليهم بهذه الطريقة. وحيث لم نجد فيما بين أيدينا من
نصوص ما يثبت شيئاً من ذلك، فلا نستطيع تأكيد صحة ما زعموه..
هذا مع غض النظر عن أننا لابد أن نسأل عن هذا التفاوت
في التعبير عن موضوع الأسرى، فتارة يقال: لم يسمع عن أسرى أتي بهم
منهم.
وأخرى يصرحون:
بأنه لم يؤسر منهم أحد!!
وقالوا أيضاً:
إنه
في سنة سبع قدم على رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
رجل من أشجع، يقال له: حسيل بن نويرة. وكان دليل النبي
«صلى الله عليه وآله»
إلى خيبر، فقال له
«صلى الله عليه وآله»:
من أين يا حسيل؟
قال:
قدمت من الجناب.
فقال «صلى الله عليه وآله»:
ما وراءك؟
قال:
تركت جمعاً من غطفان بالجناب، (وقيل: فزارة وعذرة)، قد بعث إليهم عيينة
يقول لهم: إما تسيروا إلينا، وإما نسير إليكم.
فأرسلوا إليه:
أن سر إلينا، حتى نزحف إلى محمد جميعاً. وهم يريدونك، أو بعض أطرافك.
قال:
فدعا رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
أبا بكر وعمر، فذكر لهما ذلك، فقالا جميعاً: ابعث بشير بن سعد.
فبعثه في ثلاث مائة رجل، وبعث معهم حسيل بن نويرة
دليلاً، فساروا حتى أتوا يمن وجبار، فنزلوا بسَلَاح (موضع أسفل من
خيبر) أو سلاج([28])
ثم دنوا من القوم، فأغاروا على النَّعم، فأصابوا نعماً كثيراً، ملأوا
منه أيديهم، ونفر الرعاء، وحذروا قومهم، فتركوا محالهم، فلما هجم عليها
المسلمون لم يجدوا بها أحداً.
ثم رجعوا، فأخذوا في الطريق عيناً لعيينة، فقتلوه.
ثم لقوا جمع عيينة، وعيينة لا يشعر بهم، فناوشوهم.
ثم انكشف جمع عيينة، وتبعهم المسلمون، فأسروا منهم
رجلاً أو رجلين ـ على اختلاف الروايات ـ فقدموا بهما على رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
فأسلما، فأطلق سراحهما([29]).
وأما عيينة فانهزم على فرس له، فاستوقفه حليفه الحارث
بن عوف المري. فلم يقف له، وقال: لا، ما أقدر، الطلب خلفي، أصحاب محمد.
وهو يركض.
فقال له الحارث:
أما لك أن تبصر ما أنت عليه؟ إن محمداً قد وطئ البلاد، وأنت توضع في
غير شيء. ثم تنحى الحارث عن الموضع الذي يتوقع أن تمر فيه الخيل لكي
يراهم، ولا يراه أحد منهم.
فأقام من حين زوال الشمس ظهراً إلى الليل، فلم يمر به
أحد. ولا طلبه أحد منهم، ولكن الرعب الذي دخله صوَّر له ذلك..
ثم إن الحارث ذكر ذلك لعيينة، فأقر له به، وأنه خاف أن
يؤسر.
فقال له الحارث:
أيها الرجل قد رأيت ورأينا معك أمراً بيِّناً في بني النضير، ويوم
الخندق، وقريظة، وقبل ذلك قينقاع، وفي خيبر، إنهم كانوا
أعز
يهود الحجاز كله، يقرون لهم بالشجاعة والسخاء، وهم أهل حصون منيعة،
وأهل نخل.
والله، إن كانت العرب لتلجأ إليهم فيمتنعون بهم، لقد
سارت حارثة بن الأوس حيث كان بينهم وبين قومهم ما كان، فامتنعوا بهم من
الناس. ثم قد رأيت حيث نزل بهم كيف ذهبت تلك النجدة! وكيف أديل عليهم!!
فقال عيينة:
هو ـ والله ـ ذاك! ولكن نفسي لا تقرُّني.
فقال الحارث:
فادخل مع محمد!
قال:
أصير تابعاً؟! قد سبق قوم إليهم، فهم يُزْرُونَ بمن جاء بعدهم، يقولون:
شهدنا بدراً وغيرها.
قال الحارث:
وإنما هو على ما ترى، فلو تقدمنا إليه لكنا من علية أصحابه، قد بقي
قومه بعدهم منه في موادعة، وهو موقع بهم وقعة ما وطئ له الأمر.
قال عيينة:
أرى والله.
فاتَّعدا يريدان الهجرة، فمر بهم فروة بن هبيرة القشيري
يريد العمرة، وهما يتقاولان، فأخبراه بأمرهما. فطلب منهما الانتظار إلى
أن ينظرا ما يصنع أهل مكة، فأخرا القدوم.
ومضى فروة إلى مكة، فإذا هم على عداوتهم لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
فأخبرهم بما جرى لأهل خيبر، وبأن رؤساء الضاحية على عداوتهم أيضاً
لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
فسألوه عن رأيه، فأشار عليهم أن يتموا مدة العهد الذي بينهم وبين النبي
«صلى الله عليه وآله»،
ثم يجمعون العرب لغزوه
«صلى الله عليه وآله»
في عقر داره.
وسمع نوفل بن معاوية الديلي بوجود فروة بن هبيرة في
مكة، فنزل إليه من باديته، فأخبره فروة بما قال لقريش.
فطلب منه نوفل أن يستنصر له قريشاً على خزاعة، التي
كانت عيبة نصح لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
لا يغيبون عنه حرفاً من أمورهم.
فكلم فروة رؤساء قريش في ذلك:
صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، وعبد الله بن أبي ربيعة، فاعتذروا
وقالوا: إذن يغزونا محمد فيما لا قبل لنا به؛ فيوطئنا غلبة، وننزل على
حكمه، ونحن الآن في مدة، وعلى ديننا.
فأخبر فروة نوفلاً بما جرى. ثم رجع إلى عيينة والحارث،
فأخبرهم، وقال: رأيت قومه قد أيقنوا عليه، فقاربوا الرجل، وتدبروا
الأمر.
فقدَّموا رجلاً، وأخروا أخرى([30]).
ونقول:
إن لنا مع ما تقدم عدة وقفات، هي
التالية:
صرحت النصوص المتقدمة:
بأن سبب إرسال هذه السرية هو: أن الغطفانيين قد جمعوا، وتآمروا،
واجتمعوا مع جماعات أخرى، ليزحفوا إلى النبي «صلى الله عليه وآله»، أو
إلى بعض أطرافه، فكان لابد من تسديد ضربة استباقية لهم، تفل جمعهم،
وتبطل كيدهم.
ولا يصح الانتظار إلى أن يأتوا هم لغزو البلد، وهتك
حرمته، وكسر هيبته، ولا يجوز في منطق الحرب أن تعطى للعدو الفرصة
لاختيار الزمان، والمكان، والخطة الحربية، وطريقة القتال، وأساليبه
ووسائله.
بل لابد من استلاب الفرصة من يده، وإرباكه، وإشعاره
بأنه لن يكون آمناً، لا في الزمان، ولا في المكان، ولن يكون قادراً على
اختيار الإقدام أو الإحجام، ولابد من زعزة ثقته بالوسائل التي يملكها،
وبالخطط التي يضعها، وبالتحالفات التي يعقدها، ويعتمد عليها.
وهذا ما حصل للغطفانيين بالفعل، فإنَّ شن الغارة عليهم،
وبعثرة جمعهم، قد حقق النتائج الباهرة، سواء بالنسبة إليهم، أم بالنسبة
لعيينة بن حصن، الذي أراد الاعتضاد بهم في مواجهة أهل الإسلام..
وأما ما ذكرته الرواية المتقدمة:
من أنه
«صلى الله عليه وآله»
دعا أبا بكر وعمر، وذكر لهما ذلك، فقالا جميعاً: ابعث بشير بن سعد..
فلا نستطيع أن نؤيده بصورة حاسمة، إذ لم يكن هناك داع
للاستشارة في أصل إرسال السرية، لأن المصلحة كانت ظاهرة في هذا الأمر،
وهي ضرورة إيراد الضربة القاضية بأولئك المتآمرين. وفق ما جرت عليه
عادة رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
في مثل هذه الحالات.
وأما بالنسبة لاختيار الأشخاص، فليس
لنا أن نظن:
أنه
«صلى الله عليه وآله»
كان في حيرة من أمره فيهم، علماً أنه كان لديه من القادة كثيرون، وقد
أثبتوا جدارتهم في المواقف. ولم يكن لبشير بن سعد أي امتياز، يقتضي
ترجيحه عليهم، أو يفرض ترشيحه لمثل هذه المهمة دونهم..
كما أن النبي
«صلى الله عليه وآله»
كان مسدداً بالوحي، ولم يكن بحاجة لرأي أحد..
فمن أجل ذلك كله نقول:
ربما يكون النبي
«صلى الله عليه وآله» قد عرض
على أبي بكر وعمر أن يتوليا هذه المهمة، فاعتذرا عن قبولها، وأشارا
عليه ببشير بن سعد..
وربما يكون قد أعلن أو أراد أن يعلن اسم شخص بعينه،
فبادرا إلى اقتراح بشير بن سعد، فأحرجاه به.. وربما.. وربما..
ويبقى سؤال يحتاج إلى الإجابة عليه هنا، وهو لماذا رجحا
هذا الرجل دون سواه؟! وقالا معاً بصوت واحد: ابعث بشير بن سعد؟!.. فهل
كانا قد تداولا هذا الأمر، واتفقا عليه؟!
أم أن الأمر جاء منهما على سبيل الاتفاق، وبعفوية
تامة؟!
إن الإجابة على هذا السؤال نتركها للقارئ الكريم!!
غير أننا نشير إلى ما يلي:
1 ـ
إن اختيار النبي الأعظم
«صلى الله عليه وآله»
ثلاث مائة رجل لهذه المهمة يشير إلى أنه
«صلى الله عليه وآله»
أراد حسم الأمر، وضمان النصر، وإبعاد أي احتمال في الاتجاه الآخر بصورة
عملية..
2 ـ
إننا لا نستغرب اهتمام أبي بكر وعمر ببشير بن سعد، وترجيحهما له على من
عداه، فإن الوقائع اللاحقة أثبتت: أن هذا الرجل كان من المؤازرين لهما
على ما أراداه من الاستئثار بأمر الأمة، فقد كان أول من بايع أبا بكر
في السقيفة، حتى إنه سبق عمر وأبا عبيدة إلى ذلك([31]).
وهو الذي أشار عليهما بعدم الإلحاح على سعد بن عبادة،
فقبلوا مشورته
«واستنصحوه
لما بدا لهم منه»([32]).
وقد قال قيس بن سعد ـ الذي كان مع علي
«عليه
السلام»
ـ للنعمان بن بشير الذي كان مع معاوية في صفين:
«..ولعمري
لئن شغبت علينا، لقد شغب علينا أبوك»([33]).
ولا شك في أن هذا الموقف من بشير بن سعد لم يأت من
فراغ، وكان له ممهدات، ونال عليه رشاوى مسبقة، فلعل اتفاق العمرين على
تخصيصه بإمارة هذه السرية ـ التي كانت بشائر النصر فيها لائحة ـ كان
إحدى هذه الرشاوى الجليلة التي نالها مسبقاً!!
ويستوقفنا هنا أيضاً هذا الرعب الذي ظهر من عيينة،
واستخرجه منه، وفضحه فيه حليفه الحارث بن عوف، فقد تجلى لكل أحد كيف
أهمته نفسه، لأنه كان يظن بالله غير الحق
﴿وَطَآئِفَةٌ
قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِالله غَيْرَ الحَقِّ
ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ﴾([34]).
وقد صدق رسول الله «صلى الله عليه وآله» حيث يقول:
نصرت بالرعب مسيرة شهر([35]).
وهكذا ينصر الله تعالى أولياءه، ومنهم الإمام الحجة من
آل محمد
«صلوات
الله وسلامه عليهم أجمعين»،
فإن الرعب يسير معه أيضاً([36]).
تقدم:
أن الحارث بن عوف قال لعيينة: أما لك أن تبصر ما أنت عليه؟! إن محمداً
قد وطئ البلاد، وأنت توضع في غير شيء.
وقد سبق للحارث أن قال لعيينة نفس هذا الكلام، وذلك حين
وصل النبي
«صلى الله عليه وآله»
إلى خيبر، وحاصر حصن النطاة، وسمع الغطفانيون صائحاً يقول: أهلكم،
أهلكم بحيفا، فلا تربة، ولا مال.
حيث قال له:
يا عيينة، والله لقد غبرت إن انتفعت.
والله إن الذي سمعت لمن السماء.
والله، ليظهرن محمد على من ناوأه، حتى لو ناوأته الجبال
لأدرك منها ما أراد الخ..([37]).
وبعد فتح خيبر ـ أيضاً ـ حاول عيينة أن يحصل على بعض
الغنائم، فرجع خائباً إلى منزله، فجاءه الحارث بن عوف، فقال له:
«ألم
أقل لك: إنك توضع في غير شيء؟!
والله، ليظهرن محمد على من بين المشرق والمغرب.. اليهود
كانوا يخبروننا هذا، أشهد لسمعت أبا رافع، سلام بن أبي الحقيق الخ..»([38]).
فإذا كان الحارث بن عوف عارفاً بصحة ما جاء به رسول
الله «صلى الله عليه وآله»، وكان على يقين من انتصاره «صلى الله عليه
وآله» على أعدائه، وأنه لا فائدة من مناوأته، حتى أصبح يسدي نصائحه مرة
بعد أخرى لحليفه عيينة بن حصن، فلماذا لا يبادر ـ الحارث نفسه ـ إلى
حفظ نفسه وقومه، وحقن دمه ودمائهم، بإعلان قبوله بالأمر الواقع،
واعترافه بما يعلم أنه حق، ويحاول إقناع غيره به؟!
لقد كانت جميع الدلائل متوفرة لديه على لزوم المبادرة
إلى ذلك، فإن كان الأمر يتعلق بالآخرة، فقد صرح في النصوص المتقدمة،
وفي أقواله لعيينة في حرب خيبر: بأن هذا النبي مؤيد من السماء، وأن
اليهود أخبروه بأنهم يجدون في كتبهم ما يدل على صحة نبوته
«صلى الله عليه وآله»..
وإن كان الأمر يتعلق بالدنيا، فقد
صرح في كلامه لعيينة في خيبر:
بأنه
لا فائدة من مناوأة
رسول الله «صلى الله عليه وآله»..
كما أنه قدم له في هذه المرة الأخيرة شرحاً
وافياً،
من شأنه أن يقنع عيينة وسواه بأنه
يوضعُ
في غير شيء..
وذكر له:
أن
الأحداث التي جرت لبني النضير، وفي
الخندق، وقريظة،
وقينقاع، وخيبر هي أدلة دامغة على صحة ما يدعوه الحارث إليه.
بل هو يتوقع:
أن يوقع النبي
«صلى الله عليه وآله»
بقريش أيضاً في الوقت المناسب، ولا يجد من عيينة أي اعتراض على ذلك
كله..
فلماذا لا يبادر إلى العمل بما كانت المصلحة له ولقومه
ظاهرة فيه، بحسب ما يؤمن به ويعتقده؟
ومما يزيد هذه المفارقة وضوحاً:
أنه استطاع أن يقنع عيينة بما يراه ويعتقده، حتى لقد اتَّعدا على
الهجرة، وإعلان إسلامهما، ولكن فروة بن هبيرة يفسد هذا الاتفاق بكل
سهولة وبساطة، حيث اكتفيا بمجرد وعد منه بأن يأتيهما بما تفكر فيه
قريش، التي أصبحت معزولة ومحاصرة في محيطها، وقد فشا الإسلام فيها، ولم
تعد قادرة على منع المسلمين من ممارسة شعائرهم وحرياتهم حتى في داخل
مكة بالذات..
هذا..
وقد تأخر إسلام الحارث بن عوف، ولم يفلح في التشرف بالإسلام، حتى بعد
أن سقطت مقاومة قريش، وفتحت مكة، وجرى ما جرى في حنين، وغيرها، إلى أن
كانت غزوك تبوك([39]).
إن ذلك كله، لا يمكننا تفسيره، ولا يتسنى لنا تصديقه
إلا على قاعدة التعرض للخذلان الإلهي وحجب الألطاف عنه، رغم أن هذا
المنقول عنه يشير إلى أنه لم يكن ينقصه عقل ودراية، ولا أثر فيه
للتسرع، أو للحمق، والرعونة..
أعاذنا الله من سيئات أعمالنا، وشرور أنفسنا، إنه ولي
قدير..
وأما ما تذرع به عيينة بن حصن، واعتبره مبرراً لصدوده
عن الإسلام، فهو ينبئ عن المزيد من الرعونة والحمق، وسوء التقدير
للأمور. ويكفي أن نتذكر قول رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
فيه: هذا الأحمق المطاع([40]).
فهو قد علل صدوده عن الإسلام:
بأنه لا يريد أن يصير تابعاً، وأن الذين سبقوه إلى الإسلام سوف يُزرون
عليه؛ بأنهم شهدوا بدراً وغيرها دونه، وبأن نفسه تأبى ذلك..
فاسمع، واعجب، ممن يبيع آخرته بأوهام دنيوية، فإنك ما
عشت أراك الدهر عجباً..
([1])
راجع: القاموس المحيط ج2 ص181 والسيرة الحلبية ج3 ص185 و 186
وعن الطبقات الكبرى ج2 ص117 وج3 ص272 وتاريخ المدينة ج2 ص665
وعن تاريخ الأمم والملوك ج2 ص1308 وعن البداية ولنهاية ج4 ص251
وعن عيون الأثر ص2 ص153 وعن سبل الهدى والرشاد ج6 ص130 ولسان
العرب ج5 ص372 وتاج العروس ج4 ص52.
([2])
الطبقات الكبرى ج2 ص85 والسيرة الحلبية ج3 ص186 وعن عيون الأثر
ج2 ص153 وعن البداية والنهاية ج4 ص251 وتاج العروس ج1 ص159.
([3])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص130.
([4])
راجع: المغازي للواقدي ج2 ص722 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص130
وتاريخ الخميس ج2 ص60 وعن البداية والنهاية ج4 ص251 والسيرة
النبوية لابن كثير ج3 ص418.
([5])
مغازي الواقدي ج2 ص722 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص85 و(ط
دار صادر) ج2 ص118 وج 3 ص175 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص92 و 131
وتاريخ الخميس ج2 ص60 والسيرة الحلبية ج3 ص186 وشرح النهج
للمعتزلي ج17 ص199 وعن مسند أحمد ج4 ص46 وعن سنن أبي داود ج1
ص594 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص79 والمصنف للصنعاني ج7 ص647
وصحيح ابن حبان ج11 ص48 و 52 و 53 وعن الكامل ج5 ص274 وتاريخ
مدينة دمشق ج22 ص92 وسير أعلام النبلاء ج3 ص327.
([6])
تاريخ الخميس ج2 ص60 وعن السنن الكبرى للنسائي ج5 ص22 وعن
الطبقات الكـبرى ج2 ص118 وعن عيون الأثـر ج2 ص154 وعن سبـل
الهدى والرشاد ج6 ص92 ونيل الأوطار ج5 ص262 وعن مسند أحمد ج4
ص46 و 51 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص129 وتحفة الأحوذي ج4 ص422
وصحيح ابن حبان ج11 ص200 والمعجم الكبير ج7 ص14 وتاريخ مدينة
دمشق ج22 ص93 وعن البداية والنهاية ج4 ص251 والسيرة النبوية
لابن كثير ج3 ص417 وعن سبل الهدى والرشاد ج6 ص92.
([7])
راجع: المغازي للواقدي ج2 ص723 و 724 وتاريخ الخميس ج2 ص60 و
61 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص132 والبحار ج21 ص48 عن الكامل لابن
الأثير، والسيرة الحلبية ج3 ص186 وعن الطبقات الكبرى ج2 ص119
وج3 ص531 وعن الثقات ج2 ص24 وتاريخ مدينة دمشق ج10 ص289 وعن
تاريخ الأمم والملوك ج2 ص308 وعن عيون الأثر ج2 ص155 وراجع:
تاريخ خليفة بن خياط ص46 والتنبيه والإشراف ص227 وعن البداية
والنهاية ج4 ص254.
([8])
أي: سقوا الإبل، ثم أناخوها وحبسوها عند الماء (لسان العرب ج17
ص158).
([9])
راجع: المغازي للواقدي ج2 ص723 و 725 وتاريخ الخميس ج2 ص67 و
68 عن معالم التنزيل، وعن روضة الأحباب، والبحار ج21 ص65
والسيرة الحلبية ج3 ص186 و 187 وعن صحيح البخاري ج5 ص88 وج8 36
وعن صحيح مسلم ج10 ص68 وشرح مسلم للنووي ج2 ص100 والديباج على
مسلم ج1 ص112 ورياض الصالحين للنووي ص231 وعن البداية والنهاية
ج4 ص253 و 316 وعن عيون الأثر ج2 ص156 والمحلى لابن حزم ج7
ص317 والسيرة النبويـة لابن كثـير ج3 ص523 وعن النص
والإجتهـاد = = ص112 وعن مسند أحمد ج5 ص200 أسباب نزول الآيات
ص117 وعن فتح الباري ج12 ص172 وعن سبل الهدى والرشاد ج6 ص192
وصحيح ابن حبان ج11 ص57 وراجع: روضة الطالبين ج7 ص288 ومسند
أبي داود الطيالسي ص87 والمعجم الكبير ج19 ص165 وعن تفسير
القرآن العظيم لابن كثير ج2 ص322.
([10])
المغازي للواقدي ج2 ص725 و
726 وكتاب الأم ج1 ص296 وج6 ص4 و 170 والمغني ج10 ص102 والشرح
الكبير ج10 ص94 ونيل الأوطار ج7 ص198 وعن كتاب المسند ص197 وعن
مسند أحمد ج6 ص4 و 6 وعن صحيح البخاري ج5 ص19 وج8 ص35 وعن صحيح
مسلم ج1 ص67 وشرح مسلم للنووي ج2 ص98 وعن سنن أبي داود ج1 ص595
والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص19 و 195 والديباج على مسلم ج1 ص109
وعن السنن الكبرى للنسائي ج5 ص175 وصحيح ابن حبان ج11 ص55
والمعجم الكبير ج20 ص248 و 249 و 251 ورياض الصالحين ص230 وكنز
العمال ج1 ص97 وإرواء الغليل ج8 ص136 وأحكام القرآن ج2 ص309
وتهذيب الكمال ج19 ص116 وسير أعلام النبلاء ج1 ص386 وعن سبل
الهدى والرشاد ج9 ص301.
([11])
السيرة الحلبية ج3 ص186 وعن سبل الهدى والرشاد ج5 ص169 و 411.
([12])
راجع: وفاء الوفاء ج3 ص1280 وعن الطبقات الكبرى ج2 ص90 وتاريخ
مدينة دمشق ج30 ص300 والتنبيه والإشراف ص219 وموسوعة التاريخ
الإسلامي ج2 ص573 وعن عيون الأثر ج2 ص107 وعن سبل الهدى
والرشاد ج6 ص97.
([13])
المغازي للواقدي ج2 ص710.
([14])
المغازي للواقدي ج2 ص551 وعن مناقب آل أبي طالب ج1 ص173
والبحار ج20 ص291 و 308 وعن إعلام الورى ج1 ص200.
([15])
السيرة الحلبية ج3 ص192.
([16])
المغازي للواقدي ج2 ص723 وتاريخ مدينة دمشق ج10 ص290 وعن عيون
الأثر ج2 ص163 وعن الطبقات الكبرى ج2 ص126 وعن سبل الهدى
والرشاد ج6 ص140.
([17])
المغازي للواقدي ج2 ص724.
([18])
الآية 94 من سورة النساء.
([19])
المغازي للواقدي ج2 ص725 والجمل ص45. وراجع: الأمالي للطوسي
ص716 والبحار ج28 ص153 وج32 ص70 وراجع الغارات ج2 ص577.
([20])
تفسير القمي ج1 ص148 وراجع: البحار ج21 ص11 وج25 ص93 وج62 ص235
والتفسير الصافي ج1 ص485 والتفسير الأصفى ج1 ص231 وكنز الدقائق
ج2 ص580.
([21])
شرح النهج للمعتزلي ج4 ص102 والغارات (ط الأولى) ج2 ص577
والبحار ج28 ص153 وج94 ص58 وج100 ص58 وج21 ص65 ونهج السعادة ج4
ص127 وعن ميزان الحكمة ج4 ص2996 والدرجات الرفيعة ص445 وتاريخ
المدينة ج3 ص1139، ومستدرك الوسائل ج11 ص97 وتكملة الرجال ج1
ص174 والغارات للثقفي ج2 ص577.
([22])
قاموس الرجال (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ج1 ص716 و 717 ورجال
الكشي ص39 وراجع: كتاب سليم بن قيس ج2 ص797 ورجال ابن داود ص50
وإتقان المقال ص259 والتحرير الطاووسي ص50 و 51.
([23])
الآية 94 من سورة النساء.
([24])
راجع: مسند أحمد ج1 ص272 وسنن الترمذي ج4 ص307 والسنن الكبرى
للبيهقي ج4 ص115 والمصنف لابن أبي شيبة ج6 ص577 وج7 ص652 وصحيح
ابن حبان ج11 ص59 وموارد الظمآن ص33 وجامع البيان للطبري ج5
ص302 وأسباب نزول الآيات للنيسابوري ص115.
([25])
راجع: المحلى لابن حزم ج7 ص316 وج10 ص368 والبحار ج21 ص65
والديباج على مسلم ج1 ص111 والمصنف لابن أبي شيبة ج6 ص575 وج7
ص650 وج8 ص462 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص176 والبداية
والنهاية ج4 ص316 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص523 وعن عيون
الأثر ج2 ص156 وعن صحيح البخاري ج5 ص88 وعن صحيح مسلم ج1 ص67.
([26])
راجع: المغازي للواقدي ج2 ص726 و 727 وتاريخ الخميس ج2 ص61
وسبل الهدى والرشاد ج6 ص33 والبحار ج21 ص48 والسيرة الحلبية
ج3 ص186 وعن تاريخ الأمم والملوك ج2 ص308 وعن الطبقات الكبرى
ج2 ص119 وعن عيون الأثر ج2 ص156.
([27])
تاريخ الخميس ج2 ص61 عن المواهب اللدنية، وسبل الهدى والرشاد
ج6 ص133 عن ابن سعد، والطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج2 ص119
ومسند أحمد ج5 ص207 وجامع البيان ج5 ص129 والسيرة الحلبية ج3
ص186 و 187 وعن فتح الباري ج7 ص398 والتنبيه والإشراف ص227.
([28])
راجع: معجم البلدان ج5
ص101 ووفاء الوفاء ج2 ص323 وعن الثقات ج2 ص25 وعن تاريخ الأمم
والملوك ج2 ص308 وعن سبل الهدى والرشاد ج6 ص134.
([29])
راجع: المغازي للواقدي ج2
ص727 و 728 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص134 وراجع: تاريخ الخميس ج2
ص61 وعن الطبقات الكبرى ج2 ص120 وعن عيون الأثر ج2 ص157 وعن
تاريخ الأمم والملوك ج2 ص308.
([30])
راجع: المغازي للواقدي ج2 ص727 و 731.
([31])
راجع: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص458 والبحار ج28 ص325 وفدك في
التاريخ ص75 وشرح النهج للمعتزلي ج2 ص39 وج6 ص10 والدرجات
الرفيعة ص327 وبيت الأحزان ص57 والسقيفة وفدك ص61 وعن الإمامة
والسياسة ج1 ص26 والغدير ج2 ص82.
([32])
راجع: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص459 والبحار ج32 ص518 والإحتجاج
ج2 ص148 وعن الإمامة والسياسة ج1 ص27.
([33])
صفين للمنقري ص449 والبحار ج32 ص518 ومواقف الشيعة ج1 ص98 وشرح
النهج للمعتزلي ج8 ص88 والدرجات الرفيعة ص345 وعن الإمامة
والسياسة ج1 ص131.
([34])
الآية 154 من سورة آل عمران.
([35])
راجع: البحار ج16 ص179 وراجع: ص308 و 317 وج20 ص29 وج77 ص277
والمبسوط للسرخسي ج15 ص3 وج23 ص3 وحاشية رد المحتار ج1 ص246
والمغني لابن قدامة ج1 ص6 والمحلى لابن حزم ج1 ص65 وسبل السلام
ج1 ص93 وفقه السنة ج1 ص77 وج2 ص674 ومن لا يحضره الفقيه ج1
ص241 وعن مناقب آل أبي طالب ج1 ص109 وعوالي اللآلي ج2 ص14 ونور
البراهين ج1 ص197 وعن مسند أحمد ج5 ص145 وعن صحيح البخاري ج1
ص86 و 113 وج4 ص12 وعـن سنن النسـائي ج1 ص210 والسنن الكـبرى
للبيهقي ج1 ص212 و 433 وج9 ص4 وعن فتح الباري ج1 ص370 وج6 ص90
وتحفة الأحوذي ج5 ص135 وعن المصنف لابن أبي شيـبـة ج7 ص411 = =
ومنتخب مسند عبد بن حميد ص349 وصحيح ابن حبان ج14 ص308 ونظم
درر السمطين ص39 وعن نصب الراية ج2 ص379 وعن الجامع الصغير ج1
ص177 وكنز العمال ج11 ص412 و 440 وعن فيض القدير ج1 ص720
وإرواء الغليل ج1 ص315 والتبيان ج3 ص17 وتفسير مجمع البيان ج2
ص414 والتفسير الصافي ج1 ص391 والتفسير الأصفى ج1 ص177 وتفسير
نور الثقلين ج1 ص402 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص255 وعن أحكام
القرآن ج2 ص49 وعن الجامع لأحكام القرآن ج3 ص426 وتفسير القرآن
العظيم ج1 ص420 و 518 وج2 ص266 و 339 و 542 وج3 ص547 وعن فتح
القدير ج5 ص196 وعن البداية والنهايـة ج3 ص364 وج6 ص197 و 205
و 288 و 320 وعن العبر وديـوان المبتدأ والخبر ج1 ص277 وعن
الشفا بتعريف حقوق المصطفى ج1 ص168 والسيرة
النبوية
لابن كثير ج2 ص461 وسبل الهدى والرشاد ج10 ص271 و 315 والنهاية
في غريب الحديث ج2 ص233 و 434 ولسان العرب ج1 ص420 وج4 ص389
ومجمع البحرين ج2 ص193 وتارج العروس ج1 ص272 وج3 ص286.
([36])
البحار ج28 ص62 وج52 ص348 و 356 وكامل الزيارات ص549 والجواهر
السنية ص290 وتأويل الآيات لشرف الدين الحسيني ج2 ص881.
([37])
المغازي للواقدي ج2 ص652 وعن البداية والنهاية ج4 ص241 والسيرة
النبوية لابن كثير ج3 ص401 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص138.
([38])
المغازي للواقدي ج2 ص676.
([39])
راجع: الإصابة ج1 ص683.
([40])
الإصابة ج3 ص54 عن سعيد بن منصور، والطبراني، وشرح الأخبار ج1
ص291 والبحار ج17 ص204 وج19 ص147 وج22 ص64 وج69 ص282 وعن فتح
الباري ج10 ص378 وج13 ص218 و 253 وتأويل مختلف الحديث ص218
وتفسير القمي ج1 ص147 وعن تفسير مجمع البيان ج3 ص154 والتفسير
الصافي ج1 ص482 والتفسير الأصفى ج1 ص228 وتفسير نور الثقلين ج1
ص530 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص567 والجامع لأحكام القرآن ج16
ص310 وسـير أعـلام النبـلاء ج2 ص167 و 543 وكتاب المحبر ص249
وتاريخ المدينة ج2 ص537 والبداية والنهاية ج4 ص109 وعن العبر
وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق1 ص306 وسبل الهدى والرشاد ج7 ص26
وشرح أصول الكافي ج9 ص365.
|