من المدينة.. إلى مؤتة

   

صفحة : 273-331  

من المدينة.. إلى مؤتة

أول بعث إلى خارج الجزيرة:

ذكر بعضهم: أن بعث مؤتة كان أول بعث يرسله النبي «صلى الله عليه وآله» إلى خارج الجزيرة العربية، وداخل الأراضي الشامية، التابعة للروم([1]).

ونقول:

تقدم: أن سرية أخرى كانت قد قصدت ذات أطلاح، وهي من أرض الشام، وهي في البلقاء من الأردن. وهذه المناطق كانت تحت سيطرة الروم.

وتقدم أيضاً: أن غزوة دومة الجندل قد حصلت قبل سرية مؤتة بزمان، وتقع دومة الجندل على خمس ليال من دمشق، وعلى خمس عشرة ليلة من المدينة، أو ست عشرة، فهي من أعمال الشام([2]). وقد ذكرنا هذه الغزوة في الجزء العاشر صفحة 104([3]) من هذا الكتاب ، فراجع.

فلا يصح قوله: إن غزوة مؤتة هي أول بعث يرسله «صلى الله عليه وآله» إلى خارج الجزيرة العربية، وداخل الأراضي الشامية التابعة للروم.

وربما تكون هذه الغزوات تهدف إلى إعداد المسلمين للحروب التي تنتظرهم خارج الجزيرة العربية، ولا سيما مع الدولتين الأقوى في المنطقة، وهما الروم وفارس.

تاريخ غزوة مؤتة:

قال بعضهم: المعروف بين أهل المغازي: أن سرية مؤتة كانت سنة ثمان، لا يختلفون في ذلك، إلا ما ذكره خليفة بن خياط في تاريخه: أنها سنة سبع([4]).

ولكن خليفة بن خياط قد ذكرها في أحداث سنة ثمان([5])، وليس فيه.

وعند الترمذي: أن سرية مؤتة كانت قبل عمرة القضاء([6]).

قال في النور: وهذا غلط لا شك فيه([7]).

وقال الذهبي: قلت: كلا، بل مؤتة بعدها بستة أشهر جزماً([8]).

وقال الحافظ بعدما نقل كلام الترمذي: هو ذهول شديد، وغلط مردود، وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك مع وفور معرفته([9]).

نصوص حول سبب غزوة مؤتة:

قالوا: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعث الحارث بن عمير الأزدي إلى ملك بصرى بكتاب، فلما نزل مؤتة([10]) عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني، وهو من أمراء قيصر على الشام، فقال: أين تريد؟

قال: الشام.

قال: لعلك من رسل محمد؟

قال: نعم، أنا رسول رسول الله «صلى الله عليه وآله».

فأمر به، فأوثق رباطاً، ثم قدمه، فضرب عنقه صبراً.

ولم يقتل لرسول الله «صلى الله عليه وآله» رسول غيره.

فبلغ رسول الله «صلى الله عليه وآله» الخبر، فاشتد عليه. وندب الناس، وأخبرهم بمقتل الحارث، ومن قتله. فأسرع الناس وخرجوا فعسكر بالجرف، ولم يبين رسول الله «صلى الله عليه وآله» الأمر([11]).

إلى أن يقول النص: وعسكر الجيش قبل خروجه في الجرف، وهو موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام([12]).

وخرج النبي «صلى الله عليه وآله» في إثرهم، وصلى الظهر بالمسلمين في ذلك الموضع، ثم عين أمراء الجيش([13]).

قال محمد بن عمر: حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري، قال: إن بعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى مؤتة قد كان في جمادى الأولى سنة ثمان، إلى آخر ما سيأتي([14]).

وقال محمد بن عمر أيضاً، عن عمر بن الحكم، عن أبيه: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لما صلى الظهر جلس، وجلس أصحابه حوله، وجاء النعمان بن مهض (فنحص) اليهودي، فوقف على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»:

«زيد بن حارثة أمير الناس، فإن قتل زيد فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة، فإن أصيب عبد الله بن رواحة، فليرتض المسلمون رجلاً منهم فليجعلوه عليهم».

فقال النعمان بن مهض (أو فنحص): «يا أبا القاسم، إن كنت نبياً فسميت من سميت قليلاً أو كثيراً أصيبوا جميعاً، لأن أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل على القوم، ثم قالوا: إن أصيب فلان، ففلان، فلو سمى مائة أصيبوا جميعاً.

ثم إن اليهودي جعل يقول لزيد بن حارثة: «اعهد، فإنك لا ترجع الى محمد إن كان نبياً.

قال زيد: «فأشهد أنه رسول صادق بار».

وقالوا أيضاً: وعقد لهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» لواءً أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة. وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا، وإلا استعينوا عليهم بالله تبارك وتعالى وقاتلوهم([15]).

ونقول:

إن لنا مع هذه النصوص وقفات عديدة؛ هي التالية:

ليرتض المسلمون رجلاً!!

ذكر النص: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال: فإن أصيب عبد الله بن رواحسة فليرتض المسلمون رجلاً منهم، فليجعلوه عليهم..

ونقول:

إن ذلك موضع شك وريب، فقد روي: أن عبد الله بن عباس، أو عبد الله بن جعفر قال لمعاوية:

«يا معاوية، أما علمت: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» حين بعث إلى مؤتة أمَّر عليهم جعفر بن أبي طالب، ثم قال: إن هلك جعفر بن أبي طالب، فزيد بن حارثة، فإن هلك فعبد الله بن رواحة!

ولم يرض لهم أن يختاروا لأنفسهم»([16]).

ولعل هذا هو الأقرب إلى الاعتبار: إذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» يعلم بأنهم بعد قتل ابن رواحة سوف ينهزمون أسوأ هزيمة، إذ لا معنى لجعل أمير للهزيمة، وللمنهزمين، لأن الحاجة إلى الأمير إنما تكون في حالة الثبات والتصدي، ليقود العمليات الحربية، ويحدد وظائف المحاربين..

وأما إذا كانت الهزيمة، فأية قيادة يمارسها، وأية وظائف يحددها؟!

وهل تبقى الحاجة إلى أن يقرر لهم: أن يرتضوا لأنفسهم رجلاً، ليجعلوه عليهم؟!

طعن الصحابة في إمارة زيد:

روى البخاري عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، قال: «بعث النبي «صلى الله عليه وآله» بعثاً وأمَّر عليهم أسامة بن زيد([17])، فطعن [بعض] الناس في إمارته، وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين؟

فقام رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «قد بلغني أنكم قلتم في أسامة، إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله، إن كان لخليقاً للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليَّ بعده».

وروى الإمام أحمد، والنسائي، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي عن أبي قتادة، قال: «بعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» جيش الأمراء وقال: «عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة».

قال: فوثب جعفر رضي الله عنه، وقال: [بأبي أنت وأمي] يا رسول الله، ما كنت أرهب أن (أو ما كنت أذهب إن) تستعمل عليَّ زيداً».

فقال: «امض، فإنك لا تدري أي ذلك خير»([18]).

وصايا النبي لجيش مؤتة:

وزعم بعضهم أيضاً: أن النبي «صلى الله عليه وآله» نهاهم أن يأتوا مؤتة، فغشيتهم ضبابة، فلم يبصروا حتى أصبحوا على مؤتة([19]).

وروى محمد بن عمر، عن خالد بن يزيد، قال: خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» مشيعاً لأهل مؤتة حتى بلغ ثنية الوداع، فوقف ووقفوا حوله، فقال:

«اغزوا باسم الله، فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام، وستجدون رجالاً في الصوامع معتزلين الناس، فلا تعرضوا لهم، وستجدون آخرين للشيطان في رؤوسهم مفاحص فافلقوها بالسيوف.

لا تقتلن امرأة، ولا صغيراً ضرعاً، ولا كبيراً فانياً، ولا تقربن نخلاً، ولا تقطعن شجراً، ولا تهدمن بيتاً (بناء خ ل)»([20]).

وروى محمد بن عمر [الواقدي]، عن زيد بن أرقم [رفعه]: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: «أوصيكم بتقوى الله، وبمن معكم من المسلمين خيراً. اغزوا باسم الله، في سبيل الله، من كفر بالله. لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً. وإذا لقيتم عدوكم من المشركين فادعوهم إلى إحدى ثلاث، فأيتهن ما أجابوكم إليها فاقبلوا منهم، وكفوا عنهم الأذى.

ثم ادعوهم الى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، فإن فعلوا فأخبروهم: أن لهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين.

فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبروهم: أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله [الذي يجري على المؤمنين]، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين.

فإن هم أبوا فسلوهم الجزية، فإن فعلوا فاقبلوا منهم، وكفوا عنهم.

فإن هم أبوا فاستعينوا بالله عليهم وقاتلوهم.

وإن حاصرتم أهل حصن أو مدينة فأرادوكم أن تجعلوا لهم ذمة الله وذمة رسوله، فلا تجعلوا لهم ذمة الله، ولا ذمة رسوله. ولكن اجعلوا لهم ذمتكم، وذمة آبائكم، إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله». وذكر نحو ما سبق([21]).

سبب غزوة مؤتة:

ولنا مع كل هذه النصوص المتقدمة وقفات، نجملها على النحو التالي:

تقدم قولهم: إن سبب سرية مؤتة هو قتل الحارث بن عمير، على يد شرحبيل بن عمرو الغساني..

وقيل في مقابل ذلك:

إنه «صلى الله عليه وآله» بعث الحارث بن عمير إلى هرقل عظيم الروم بالشام([22]).

غير أننا نقول:

1 ـ إن هذا القول لا ينافي القول السابق، إذ لعل رسول الله «صلى الله عليه وآله» أرسل الكتاب إلى ملك بصرى ليوصله إلى ملك الروم.

2 ـ إننا نلمح في النص المتقدم قدراً من التهافت، فإنه يقول: «وندب الناس، فأخبرهم بمقتل الحارث، ومن قتله، فأسرع الناس، وخرجوا، فعسكر بالجرف.

ثم يقول مباشرة: «ولم يبين رسول الله «صلى الله عليه وآله» الأمر».

فإنه إذا كان «صلى الله عليه وآله» لم يبين الأمر، فما معنى إخباره الناس بما جرى، حتى أسرعوا، وخرجوا فعسكروا؟!

ألا يعد هذا بياناً للأمر؟!. فإن كل إنسان لو سأل عن السبب في هذا الإسراع بالخروج، فسوف يجيب: بأنه هو قَتْلُ الحارث بن عمير، وأن القصد هو المسير لمعاقبة من فعل ذلك..

إلا أن يقال: إن المقصود هو: أنه «صلى الله عليه وآله» أبقى وجهة سيره مخفية عن اليهود والمشركين، ولم يخبر بها إلا الذين انتدبهم للخروج.

ولكن قوله: «لم يبين رسول الله «صلى الله عليه وآله» الأمر» يفيد أمراً عادياً، وهو: أنه أبقى الأمر مخفياً حتى عن أصحابه..

أو يقال: إنه إنما أخبرهم بمقتل الحارث، ولم يطلب منهم التجهز للحرب، لكنهم هم الذين أسرعوا إلى المعسكر بالجرف..

أو أنه ندبهم على الحرب، بعد أن أخبرهم بما جرى للحارث، ولكنه لم يصرح لهم بأنه يريدهم لمحاربة قاتلي الحارث، أو لغيرهم من أعدائه. بل ترك الأمر غامضاً، وعرضه لكل احتمال..

ولعل هذا الاحتمال الأخير هو الأقرب، والأصوب.

ذات أطلاح هي السبب:

زعم بعضهم: أن سبب سرية مؤتة ليس هو قتل الحارث بن أبي عمير، بل سببها هو قتل أربعة عشر رجلاً من المسلمين، على يد العرب المتنصرة، في سرية ذات أطلاح جنوب الشام، في منطقة البلقاء بالأردن. وكان يحكمها الحارث بن أبي شمر الغساني باسم ملك الروم.

وبعد قتلهم أطلق الحارث هذا تهديدات بغزو النبي «صلى الله عليه وآله»([23])، فبادر «صلى الله عليه وآله» إلى تجهيز هذا الجيش رداً على هذه التهديدات..

ونقول:

1 ـ إن الذين قتلوا الأربعة عشر رجلاً هم من قضاعة، لا من الغساسنة. ورئيسهم رجل يقال له: سدوس([24])، وليس هو الحارث بن أبي شمر الغساني.

2 ـ وأما التهديدات المشار إليها، فلا تصلح مبرراً لإرسال الجيش، إلا إذا أريد به تسديد ضربة استباقية، يؤخذ العدو فيها على حين غرة.

ومن الواضح: أن الأمور لم تجر على هذا النحو.

مناقشة مردودة:

وربما يقال: إن ثمة مجالاً واسعاً للتشكيك في قصة قتل الحارث بن عمير الأزدي، على اعتبار أن راويها هو الواقدي، ثم أخذه عنه كاتبه ابن سعد وغيره.

كما أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد كتب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني كتاباً مع شجاع بن وهب. فلما بلغه ذلك، قال: من ينزع ملكي، فأنا سائر إليه، وبدأ بالتجهيز للمسير إلى المدينة.

فبلغ ذلك النبي «صلى الله عليه وآله»، فقال: باد ملكه.

وكتب الحارث إلى قيصر يخبره بالأمر، فكتب إليه قيصر: أن لا تسِر إليه، والْهُ عنه، (أي لا تذكره)، واشتغل بإيلياء (أي ببيت الله) وهو بيت المقدس، لأن قيصراً كان قد نذر: إن انتصر على الفرس أن يمشي إلى بيت المقدس. وكان يريد من الحارث أن يهيء لإنزاله([25]).

وزعم بعضهم: أن الحارث الغساني قد أسلم أيضاً([26]).

وذلك كله يدل: على أن السبب ليس هو قتل الحارث بن عمير، بل هو هذا الموقف من ابن أبي شمر الغساني.

ويرد على هذه المناقشة: أن الرسالة التي حملها شجاع بن وهب إلى المنذر بن الحارث بن أبي شمر، إنما حملها إليه سنة ست أو سبع، وذلك حين كتب «صلى الله عليه وآله» إلى الملوك([27])، وحينئذٍ نهاه قيصر عن غزو المدينة، وأمره بالاشتغال ببيت المقدس.

ولكن هذا لا يمنع أن تكون هناك رسالة أخرى أرسلها النبي «صلى الله عليه وآله» إلى قيصر بواسطة الحارث، أو إلى الحارث بن أبي شمر نفسه مع الحارث بن عمير، فأخذه شرحبيل بن عمرو الغساني فقتله..

جموع الروم وقرار الحرب:

إن ما يدعو إلى التأمل: هو أن يكون الجيش الذي واجهه المسلمون في مؤتة بهذه الأعداد الضخمة، حيث يعد بعشرات، بل بمئات الألوف.. مائتا ألف، أو مائتان وخمسون ألفاً وهذه الأعداد تحتاج إلى وقت طويل، وإلى جهد كبير لجمعها، وإعدادها.

كما أن جيشاً بهذا المستوى لا يُعِدُّه هرقل لمحاربة جماعة صغيرة لم تستطع أن تجهز لأكبر حرب خاضتها أكثر من ألف وخمسمائة مقاتل..

بل هو يعده لمحاربة جيوش ضخمة ومن هو مثل كسرى في سعة الملك، وكثرة الرجال، والتوفر على الأموال التي تمكنه من التجهيزات المتميزة.

وهذا يعطينا: أن هذا الجيش لم يجهزه قيصر لمجرد دفع غائلة سرية مؤتة.. بل لعله أراد به الانقضاض على منطقة الحجاز بأسرها، للقضاء على دعوة الإسلام واحتلال جزيرة العرب كلها، في وقت كان يرى فيه انشغال المسلمين بحرب المشركين، ويهود المنطقة.

ويكون بذلك قد تمكن من توسعة نفوذه، في منطقة محيطة بملك الأكاسرة، الذين استطاع أن يسجل نصراً عليهم، ويريد استثمار هذا النصر في وقت بدا له فيه أنهم غير قادرين على لمِّ الشعث، وجمع الجموع لمواجهته في منطقة حساسة، وفي قلب الصحراء، وفي منأى عن أي نفوذ لكلا الدولتين.

ولو كان يرتبط جمع الجموع بدفع سرية مؤتة، بسبب ما فعله شرحبيل بن عمرو الغساني، فلماذا يكون العنوان المطروح بين المسلمين هو أنهم: يسيرون لمحاربة ملك الروم؟!

وإذا كنا نعلم: أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يرصد كل تحركات أعدائه، وكان يستطيع من خلال ذلك أن يعرف حتى نوايا الأشخاص، وما يحدثون أنفسهم به، فهل يغفل عن تحركات كسرى وقيصر، وهو قد بعث بالأمس القريب إليهما يدعوهما لاتباعه والدخول في دينه.

فذلك كله يدعونا إلى القول: بأنه كان على علم تام بهذه الجموع المحتشدة، وبمقاصدها.. وبأن قتل الحارث بن عمير الأزدي كان هو الإشارة للمسلمين، التي جعلتهم قادرين على تلمس خطورة الأمر، وشحذت هممهم للنفير لمواجهة الخطر المحدق، بطريقة توجب تشويش الأمور على قيصر، وتمنعه من متابعة مسيرته، وتحجب عنه فرصة اتخاذ القرار النهائي بالتوغل إلى عمق منطقة الحجاز، وتعيد الأمور بالنسبة إليه إلى نقطة الصفر، ولو بأن تثور عاصفة من الشكوك حول حاجة هذا الجيش الذي هيأه إلى إعادة تجهيز، وإلى تهيئة روحية، وإلى شحن نفسي جديد..

فإنه إذا كان ثلاثة آلاف مقاتل، بإمكانياتهم المتواضعة قد واجهوا جيشاً مؤلفاً من مائتي ألف، كانوا بأحسن عدة، وأتم تجهيز..

وإذا كان قادة هذا الجيش هم أكثر الناس حرصاً على التضحية والفداء حتى الاستشهاد، وقد ظهرت منهم هذه البسالة النادرة، رغم أنهم في بلد عدوهم، وإذا كانوا لم ترهبهم عدة ولا عدد عدوهم.. فكيف يكون حال القتال معهم إذا دهمهم الخطر في بلدهم، وأصبح دينهم ونبيهم في معرض الخطر الحقيقي؟!

وإذا كان هذا هو فعل الطليعة، والسرية، فكيف يكون فعل الجيش الذي وراءها، ولابد أن يكون فيه الشجعان والأبطال، والأشدَّاء من الرجال..

ولاسيما قالع باب خيبر، والبطل المظفر، علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه.. الذي لابد أن يكون صدى ضرباته الماحقة وهجماته الساحقة، واقتلاعه لباب خيبر قد بلغ مسامع قيصر، وكل بطل وشجاع!!

فهذه السرية رغم أنها لم تسر وفق ما يريده الله ورسوله باعتبار أن خالداً قد انهزم بالجيش بعد قتل قادته الثلاثة. إلا أنها حققت ـ ولا شك ـ الحد الأدنى من أهدافها..

ولولا الهزيمة التي جرَّها خالد عليهم. فلربما يكون إنجازها هائلاً وعظيماً. ليس بإمكاننا التكهن بحدود عظمته، وبمدى أهميته.

مهمات الجيش خطيرة.. وقد ضاعت:

تقدمت الإشارة إلى: أن ثمة ما يشير إلى معرفة المسلمين أو خصوص القادة منهم بأن لهذا البعث مهمات خاصة، على درجة عالية جداً من الخطورة، ويبدو لنا: أنه «صلى الله عليه وآله» أعلم الناس بأن القادة يقتلون، ثم يكون نصر عظيم، لو واصل الجيش القيام بواجبه..

فقد ذكروا ما يلي:

1 ـ إنه حين عيَّن «صلى الله عليه وآله» قادة الجيش، واعترض جعفر، وأمره «صلى الله عليه وآله» بالمضي.. «بكى الناس، وقالوا: هلَّا متعتنا بهم يا رسول الله، فأمسك»([28]).

2 ـ إن عبد الله بن رواحة لم يزل يظهر ما يدل على: أنه متوقع للشهادة منذ أمَّره رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وقد ظهرت منه العديد من الإشارات إلى ذلك في شعره، وفي كلماته، وفي ممارساته، كما تظهره النصوص التي أوردنا قسماً وافراً منها.

3 ـ إن أهل المدينة قد واجهوا الجيش المهزوم بحنق شديد، وعاملوهم بقسوة ظاهرة، ولم يشفع لهم عندهم أنهم كانوا ثلاثة آلاف فقط في مقابل مائتي ألف، أو مائتين وخمسين ألفاً.

الأمر الذي يعني: أن الناس كانوا يتوقعون نصراً هائلاً وعظيماً، وقد ساءهم تضييعه..

خالد يضيع نتائج المعركة:

ومن المعلوم: أن قائد الهزيمة، هو خالد بن الوليد، الذي كان لحركته في ذلك الجيش أثر بالغ في تهيئة ظروف فرضت تلك الهزيمة، وبذلك يكون قد أبطل التدبير النبوي، وضيَّع نتائج عظيمة وخطيرة، كان «صلى الله عليه وآله» قد خطط لتحقيقها.

ولأجل ذلك وجدنا من المسلمين موقفاً حاداً وصارماً جداً من ذلك الجيش العائد بقيادة مدير الهزيمة وصانعها خالد بن الوليد.

ويكفي أن نذكر: أنهم كانوا يحثون التراب في وجوه العائدين، وقد قاطعوهم، وهجروهم، ولم يعد الواحد منهم يجرؤ على الظهور بين الناس، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، كما سنرى.

ولم نجدهم اعتذروا ولا اعتذر أحد عنهم، بأنهم قد واجهوا جيشاً مؤلفاً من مائتي ألف مقاتل، كان في أتم عدة، وأحسن تجهيز.

وهذا يدل: على أن الناس كانوا يعرفون أن إمكانات الصمود كانت متوفرة، وأن هناك مهمات لم تنجز، بسبب هذا الفرار المبكر وغير المبرر من ساحة المعركة.

الوصايا تشي وتنم:

ولذلك نقول:

إن الخيارات التي تحدث عنها رسول الله «صلى الله عليه وآله» حين جهز جيش مؤتة، تشي بأن المطلوب هو: أن ينتهي الأمر ـ بعد استشهاد القادة ـ إلى نتائج عظيمة وهائلة، وهي أن يصبح بإمكان جيش المسلمين وضع جيش العدو أمام خيارات تنتهي كلها بتسجيل النصر عليه، وحسم الأمر.. وذلك حين يواجهه بعروضه التي وضعها ضمن مخطط متكامل في خطوات تتبع اللاحقة منها السابقة، فقد أمره «صلى الله عليه وآله» أن يعرض عليهم:

1 ـ الدخول في الإسلام.

فإن فعلوا دعاهم إلى:

ألف: التحول من دارهم إلى دار المهاجرين..

ب: فإن فعلوا يخبرهم: أن لهم ما للمهاجرين، وعليهم ما عليهم.

ج: وإن اختاروا دارهم، فلا يكون لهم في الفيء ولا في القسمة شيء إلا إذا جاهدوا مع المسلمين.

2 ـ فإن أبوا الإسلام، يعرض عليهم إعطاء الجزية.

فإن قبلوا يكف عنهم.

3 ـ وإن أبوا إعطاء الجزية، فليستعن بالله، وليقاتلهم..

ورسم له في حال القتال: أنه:

ألف: إذا حاصر مدينة، أو حصناً، فأرادوه أن يستنزلهم على حكم الله تعالى، فلا ينزلهم عليه، بل ينزلهم على حكمه.

ب: وإن أرادوه أن يجعل لهم ذمة الله وذمة رسوله، فلا يقبل منهم، بل يجعل لهم ذمته، وذمة أبيه، وذمة أصحابه..

فهذا المخطط التام إنما يناسب جيشاً واثقاً بالنصر، مطمئناً إلى أنه يذهب إلى فتح المدن والحصون، وتكون يده العليا في حروبه مع أعدائه..

مع أن ظاهر الأمر: أنه يرسله إلى حرب مائتي ألف، أو إلى مائتين وخمسين ألف مقاتل، مجهزين بأتم عدة، في جيش لا يزيد على ثلاثة آلاف، مع ضعف ظاهر في تجهيزاتهم، وعدَّتهم.

وهذه الوصايا تدل على عدم صحة ما ذكره البعض: من أن المطلوب من جيش مؤتة كله هو الاستشهاد، بل المطلوب هو إنجاز أمر عظيم وهائل، وهو النصر على جيوش الروم رغم كثرة عددها، وحسن عدتها، حتى لو كانت قيمة هذا النصر هو استشهاد القادة.

ولكن ما صنعه خالد: قد أفسد ما كان دبره رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فثارت ثائرة المسلمين، حيث واجهوا الجيش العائد مع خالد بالطرد، والنبذ، والمقاطعة كما سنرى.

سرية دعوة، أم سرية حرب؟

وذكرت الروايات المتقدمة: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أوصى القادة بأن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا، وإلا فاستعينوا عليهم بالله تبارك وتعالى، وقاتلوهم.

ونقول:

إن هذه الوصية لابد أن تكون جارية وفق المسار العام للأحداث، وهي من الأمور التي ربما يكون المراد منها ترتيب الأوضاع فيما يرتبط بالأساليب العامة، التي يراد لها أن تهيمن على حركة الواقع، وفق الضوابط الدينية والإيمان..

وقد دلت هذه الوصية: على أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن يتصرف بصورة انفعالية ومتشنجة، فلم يطلب من أصحابه أن يغيروا على الناس هناك، ويوقعوا بهم، ولا أن يقتلوا، ويأسروا، ويغنموا. بل هو قد أمرهم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وفق المقررات التي تقدمت، مع ملاحظة ما يلي:

أولاً: إنه «صلى الله عليه وآله» طلب من أصحابه أن يبدأوا حركتهم من ذلك الموضع الذي تعرض فيه أحد المؤمنين لأفحش الظلم، حيث قتل صبراً بحد السيف. وهذا من شأنه أن يزيد أصحابه «صلى الله عليه وآله» بصيرة في أمرهم، ويفرض عليهم أن يتعاملوا مع الأمور بروح المسؤولية، والإنصاف، والانضباط، ضمن الحدود، والأحكام الشرعية. إذ لا مجال للانفعال، والعبثية، ولا مكان للظلم والتعدي في حركة الإنسان المسلم..

ثانياً: إنه «صلى الله عليه وآله» إنما طلب منهم أن يدعوا من يجدونه في ذلك الموضع إلى الإسلام، ولم يحدد لهم فئة ولا أشخاصاً بأعينهم، ولم يذكر لهم اسم شرحبيل بن عمرو الغساني، ربما لعلمه «صلى الله عليه وآله» أنهم لن يصادفوه هناك، حيث سيكون في ضمن جيش الروم، كما أنه يريد أن يبعد القضية عن أجواء الانتقام من الأشخاص، وعن حدود النظرة الضيقة، لتصبح قضية قيم ومبادئ، يراد لها أن تكون هي المهيمنة على سلوك الناس، وعلى قراراتهم، ومواقفهم، وكل حياتهم..

وصايا في نطاق الأهداف الإلهية:

وبعد.. فإن للمحارب أن يتوسل بمختلف الأساليب المشروعة، التي تمكنه من تسجيل النصر على عدوه. فحتى الخدعة، التي أشير إليها في قول النبي «صلى الله عليه وآله»: الحرب خدعة([29])، لابد أن لا تخرج عن دائرة ما هو مشروع، وأن لا يتجاوز الإنسان حدود إنسانيته، وأن لا يسقط أية قيمة من القيم التي يؤمن بها.

فلا يجوز أن تؤدي الخدعة إلى سفك دم بريء، كدم الشيخ الفاني، والطفل والمرأة مثلاً، ولا أن تسوق إلى الغدر بمن أعطيته شرف العهد والوعد، والخيانة في مال الله، أو في مال المسلمين. وهو ما سمي بالغلول.

بل لابد أن يكون الغزو، ملابساً لاسم الله تعالى، متمازجاً معه، وأن يكون خطوة تضع المجاهد على طريق الوصول إليه.

وهذا بالذات هو ما ترمي إليه وصيته «صلى الله عليه وآله» لجيش مؤتة، حيث قال: «اغزو، باسم الله في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً»([30]).

من وصاياه لجيشه أيضاً:

تقدم: أن من وصايا النبي «صلى الله عليه وآله» لذلك الجيش هو: أن لا يقطعوا شجراً، ولا يقربوا نخلاً، ولا يهدموا بيتاً، أو بناء..

وهذا الحرص على الشجر، سواء في ذلك المثمر منه وغيره، وعلى النخل الذي يمثل مصدر العيش والارتزاق للناس، وعلى البناء والعمران ـ إن ذلك كله ـ يشير إلى طبيعة اهتمامات الإسلام، وأنه لا يحارب الناس انطلاقاً من حب البطش، ولا استجابة لشهوة القتل أو التلذذ بأذى الآخرين، وحب التنكيل بهم، بل هو يريد أن يدفع ظلمهم، وعتوهم عن نفسه، وعن غيره، وأن يبطل كيدهم، ومؤامراتهم، وأن يحصل على حريته بممارسة قناعاته، بعيداً عن أجواء القهر، وفي منأى عن الحدود التي يفرضونها عليه، والقيود التي يقيدونه بها..

إنه يريد أن يحفظ للبيئة صحتها وسلامتها، وللمناظر الخلابة رونقها وروعتها، ولمصادر الرزق عطاءها ونضارتها، وللبلاد العامرة عمرانها وشموخها وبهجتها..

وهذا بالذات هو ما يفسر وصاياه «صلى الله عليه وآله» لجيش مؤتة، ولغيره من البعوث القتالية، التي كان يضطر لإرسالها.

التحول إلى دار المهاجرين:

ومن جملة الخيارات التي طرحها «صلى الله عليه وآله» على جيشه، لتعرض على الناس في مسيرهم ذاك، هو التحول إلى دار المهاجرين، ليكون لهم ما للمهاجرين، وعليهم ما عليهم.

وهو خيار لافت للنظر، باعتبار أنه جعل للإنسان الذي يريد أن ينسلخ عن محيطه، ليندمج في محيط آخر لا عهد له به، خصوصية ميزه بها، حيث جعل لعمله هذا قيمة، وللمصاعب التي يتحملها عوضاً، ففرض له حقوقاً تناسب هذا الواقع الذي استجد له، وتعينه على المصاعب التي سوف يواجهها.

الرسل لا تقتل:

وإن من الأمور التي تَوَافق عليها البشر كلهم، لإدراك حاجتهم إليها لاستمرار حياتهم، وسلامة علاقاتهم، هو الحصانة التي يعطونها للرسل، وللموفدين، فإن جميع الأمم على اختلاف أديانها، وعاداتها، وحالاتها تمنع من قتل الرسل، وتلتزم بحمايتهم من كل مكروه.. وترى التعدي عليهم عيباً، بل إن التعدي على حامل الرسالة يعطي الحق لدى البشر جميعاً بمعاقبة فاعل ذلك، ولا يعتبرون هذه العقوبة من مفردات التعدي والظلم للآخرين..

ولعل بعض ما ذكرناه يفسر لنا حقيقة: أنه لم يقتل لرسول الله «صلى الله عليه وآله» رسول غيره، رغم كثرة رسله ومبعوثيه إلى مختلف الفئات، وفي جميع الاتجاهات.

على أن ما فعله شرحبيل قد جاء أشد قباحة، وأظهر وقاحة، باعتبار أنه لم يتثبت من مضمون الرسالة، فلعلها رسالة سلام ووئام، تحقن بها الدماء، وتصان بها الحقوق..

علماً بأن هذه الرسالة لم تكن تعني شرحبيل في شيء، وإنما هي مرسلة إلى غيره، فلماذا يتدخل في شيء لا يعنيه؟! ولماذا يفوِّت على غيره فرصاً، أو يحرمه من منافع يسعى للحصول عليها؟!.

وأخيراً نقول:

ونحن وإن كنا نعتقد: أن تجهيز الجيش إلى مؤتة، قد كانت له أهداف جليلة، لعل أهونها منع ذلك الجيش العظيم جداً من الزحف نحو المدينة، ومن السعي لامتلاك الحجاز كله.. حيث ستصبح الأمور بالغة التعقيد..

لكن مما لا شك فيه: أن قتل شرحبيل بن عمرو الغساني، لمبعوث النبي «صلى الله عليه وآله» إلى بصرى، قد أطلق الشرارة الأولى باتجاه الحرب، ومثَّل حافزاً للمسلمين لينفروا لمواجهة الخطر، وليكونوا طليعة جيش الإسلام، وليقدموا الأمثولة الكبرى لجيش الروم في الجهاد، وفي الاستبسال والتضحية، لكي تعود حالة التوازن إلى ذلك الجيش المغرور بعدَّته وبعدده ولتدفعه هذه الصدمة القوية إلى مراجعة حساباته بأناة وروية، وهكذا كان..

اليهودي.. وقتل القادة:

ورغم أن معجزات رسول الله «صلى الله عليه وآله»، الدالة على نبوته كانت تتوالى. وكانت معجزته الكبرى الخالدة، وهي هذا القرآن الكريم حاضرة لدى جميع الناس، وماثلة أمام أعينهم.

وقد صرح القرآن نفسه: بأن اليهود كانوا يعرفون النبي العظيم، كما يعرفون أبناءهم.

نعم، رغم ذلك، فقد رأينا: أن هذا اليهودي يبادر إلى الإعلان على الملأ بأن القادة الذين عيَّنهم رسول الله «صلى الله عليه وآله»، صائرون إلى القتل، ثم إنه علَّق صحة نبوته «صلى الله عليه وآله» على قتل هؤلاء القادة..

ومن شأن هذا الإعلان: أن يفت في عضد الناس، وأن يرهبهم، ويحبط عزائمهم، خصوصاً إذا كان القتل سينال هؤلاء الصفوة حتى جعفر بن أبي طالب «رضوان الله عليه».

واللافت: أن هذا اليهودي يختار خصوص زيد بن حارثة، ليقول له: «اعهد، فإنك لا ترجع إلى محمد إن كان نبياً».

فلماذا يخاطب زيداً بهذا الخطاب المرّ، المقرون بالتشكيك بنبوة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، مع أن ذلك اليهودي كان عارفاً بنبوته «صلى الله عليه وآله» تماماً كما كان يعرف أقرب الناس إليه، من أبنائه وغيرهم، كما صرح به القرآن الكريم..

فهل خص ذلك اليهودي زيداً بالخطاب؛ لأنه كان بلا عشيرة ترعاه، وتهتم له؟! وتمنع من إطلاق هذا الفأل الذي تعتبره سيئاً في حق من ينتسب إليها؟!

أم أنه اختاره لأنه احتمل أن يظهر شيئاً من الضعف في قبال هذا الخبر الذي يصعب وقعه على النفس؟!

أم اختاره لأنه كان قد تعرض لطعون مرة وقاسية من قبل جماعات كانوا يجهرون بالانتقاص له، والانتقاد لقيادته؟! الأمر الذي يهيء لنشوء حالة من الاتهام له بالتفريط، وعدم القيام بالواجب، وربما ينجر ذلك إلى توجيه الملامة لمن نصبه في موقع ليس أهلاً له. ألا وهو رسول الله «صلى الله عليه وآله» نفسه؟!

لماذا طعنوا في إمارة زيد؟!

لقد صرح النبي «صلى الله عليه وآله»: بأن هناك من يطعن في إمارة زيد..

ولكن مراجعة حياة زيد، ومشاركاته في السرايا والغزوات، مذكورة في كتب السير، ولا نجد فيها ما يشير إلى هذا الطعن، وإلى مناشئه، وعناصره، والنبي «صلى الله عليه وآله» صادق فيما قال بدون ريب، فلماذا حذفت تلك الطعون في قيادة زيد، وغُيِّبت عن ساحة التداول، حتى كأن شيئاً لم يكن..

بل إن الطعون في قيادة ولده أسامة قد غُيِّبت وحذفت أيضاً، ولم يبق منها إلا نزر يسير جداً، ينحصر في مورد أو موردين لا يستحقان أبداً أن يطلق النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» هذه الصرخة القوية.

ألا يدل حذف تلك الطعون من دائرة التداول على أن شيوع هذا الأمر عن الطاعنين يوقعهم في مشكلة من جهتين:

إحداهما: أنه يفضح نواياهم.

الثانية: أنه يظهر جرأتهم على رسول الله «صلى الله عليه وآلـه»، واعتراضهم عليه، وتشكيكهم في صوابية قراراته..

والأمر الذي لا مرية فيه: هو التشابه في مضمون الطعن بين ما جرى لزيد وما جرى لولده. والطعن في إمارة الوالد إنما هو لتأميره على المهاجرين، ولا أحد في المهاجرين يراد إبعاده عن هذه الدائرة، وإعطاؤه الميزات، والمقامات سوى أبي بكر وعمر، اللذين هما من المهاجرين.

وقد أصبح أسامة أميراً عليهما أيضاً. الأمر الذي يدلنا على أن الاعتراض على إمارة زيد قد كان لأجل هذا بالذات.

فلعلهم أَنِفُوا من إمارة زيد على أمثال خالد وغيره من رجالاتهم، لاسيما وأن زيداً قد ابتلي بالرق، وتبرأ منه أبوه، فتبناه رسول الله «صلى الله عليه وآله». ونحو ذلك من أمور لا يرضاها الذين يقيسون الأمور بمقاييس دنيوية، أو حتى جاهلية أيضاً.

إنه لمن أحب الناس إلي!!

وأما قوله «صلى الله عليه وآله»: إنه لمن أحب الناس إليَّ؛ فنحن نرتاب في صحته جداً:

أولاً: لأنه يريد أن يجعل ذلك الطعن منحصراً في أسامة وزيد كأشخاص وفي الآخرين كذلك..

مع أن الظاهر: أن الطعن في نفس إمارة هذا وذاك، إنما هو موجه للفعل الذي صدر من رسول الله «صلى الله عليه وآله» نفسه، أي في عملية التأمير التي هي فعل شخصه «صلى الله عليه وآله».. فالطعن يستهدف مقام النبوة.. لا زيداً ولا أسامة.

كما أن كلمة النبي «صلى الله عليه وآله» تدل على أن هذا الطعن قد شاع وذاع، حتى صح أن ينسبه إليهم بصورة عامة، فهم إما طاعنون، أو راضون بالطعن..

ثانياً: إن حب النبي «صلى الله عليه وآله» للناس ليس عشوائياً، ولا مزاجياً، بل هو يحبهم بقدر ما فيهم من فضائل وميزات، وملكات، فإذا كان أحدهم من أحب الناس إليه «صلى الله عليه وآله»، فلابد أن يكون في مقام من الفضل والتقى، والعلم والعمل الصالح، والميزات والملكات يجعله أفضل من جميع من عداه ممن لم ينالوا تلك الدرجة من حب الرسول «صلى الله عليه وآله» لهم..

وإذا كان لزيد قسط وافر من هذه الميزات والفضائل، كما تشهد له نصوص كثيرة، فإن أسامة لم يكن بهذه المثابة، لكي يخصه «صلى الله عليه وآله» بهذا الحب دون من عداه، وإذا كان زيد يملك مثل هذه الميزات العظيمة والظاهرة، فلا مبرر لانتقاد إمارته إلا إرادة حفظ ماء الوجه لبعض من يحبونهم، لكي لا يتأمَّر عليهم من ابتلي بالرق، ويرفضون أن يكون بالمستوى والموقع الذي استحقه بجهده وجهاده، فوضعه الله ورسوله فيه.

عودة إلى الطعن في إمارة زيد.. وأسامة:

وقد صرحت الروايات المتقدمة: بأنه حين جهز النبي «صلى الله عليه وآله» ـ في مرض موته ـ أسامة بن زيد، ليسير إلى حيث قتل أبوه، طعن بعض الناس في إمارة أسامة، كما طعنوا في إمارة أبيه من قبل..

ونقول:

أولاً: إن رواية البخاري وغيره قد أظهرت: أن الذي ضايقهم هو تأمير أسامة على المهاجرين فقط، حيث قال الطاعنون:

«يستعمل هذا الغلام على المهاجرين» الأولين؟!([31]).

فلاحظ كلمة «المهاجرين» ولاحظ أيضاً كلمة «الأولين».

وأضافت بعض المصادر اليسيرة كلمة «والأنصار»([32]).

ولعلها أضيفت في وقت متأخر، من أجل حفظ ماء الوجه، ولتعمية الأمر على الأجيال اللاحقة..

وكان أهم شيء بالنسبة إليهم هو تأمير أسامة على أبي بكر، وعمر، وأبي عبيدة، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وأسيد بن حضير([33]).

ثانياً: إنه لما ظهر تخلف أبي بكر عن جيش أسامة، وقد لعن رسول الله «صلى الله عليه وآله» المتخلف عن جيش أسامة، كان لابد لهم من لملمة الموضوع، وترقيع الخرق، ورتق الفتق، فعملوا على تحقيق ذلك بأسلوبين:

أحدهما: إنكار أصل صدور اللعن من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حتى قال الحلبي رداً على ذلك: «لم يرد اللعن في حديث أصلاً»([34]).

وزعموا: أن هذا من ملحقات الروافض([35]).

الثاني: ادِّعاء أن تخلف أبي بكر عن جيش أسامة كان بأمر من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، لأجل صلاته بالناس([36]).

مع أن قول النبي «صلى الله عليه وآله»: «لعن الله من تخلف عن جيش أسامة»، قد روي في مصادر الشيعة والسنة على حد سواء، وقد أرسله جماعة من هؤلاء، إرسال المسلمات. فراجع المصادر في الهامش، وغيرها([37]).

وقد رواه أبو بكر الجوهري، عن أحمد بن إسحاق بن صالح، عن أحمد بن سيار، عن سعيد بن كثير الأنصاري، عن رجاله، عن عبد الله بن عبد الرحمن([38]).

فما معنى ادِّعاء: أنه لم يرد في حديث أصلاً..

أما صلاة أبي بكر بالناس فقد جاءت على سبيل التعدي منه على هذا الأمر، من دون أن يحصل على إذن منه «صلى الله عليه وآله».. فكان أن جاء النبي «صلى الله عليه وآله» يتوكأ على علي «عليه السلام»، والفضل بن العباس، وهو في حال المرض الشديد، فعزل أبا بكر عن الصلاة، وصلى هو بالناس([39]).

وسيأتي الحديث عن هذين الأمرين في موضعه إن شاء الله تعالى..

الجرف.. وثنية الوداع:

وذكرت النصوص المتقدمة: أن الجيش قد عسكر في الجرف، وخرج «صلى الله عليه وآله» في إثرهم، وصلى الظهر بالمسلمين في ذلك الموضع، ثم عيَّن أمراء الجيش.

والجرف يقع على ثلاثة أميال من المدينة، فهو أبعد من عن ثنية الوداع، لأنها كانت قرب مسجد الراية على ذباب([40]).

فما معنى قولهم: إنه «صلى الله عليه وآله» خرج مشيعاً لأهل مؤتة حتى بلغ ثنية الوداع، حيث أوصاهم هناك بوصاياه؟!!

إعتراض جعفر على رسول الله :

وقد زعموا: أن جعفر بن أبي طالب «رضوان الله عليه» اعترض على تأمير زيد عليه، فقال له «صلى الله عليه وآله»: «امض، فإنك لا تدري أيّ ذلك خير».

ونقول:

إننا لا نشك في كذب هذه القضية، وذلك لما يلي:

أولاً: إن جعفراً «رضوان الله عليه» أجل وأتقى لله من أن يعترض على قرارات رسوله «صلى الله عليه وآله»، فضلاً عن أن يرفض تنفيذها، أو أنه يشكك في صوابيتها، أو بعدالتها.

وكلمات رسول الله «صلى الله عليه وآله» في حقه «عليه السلام» تكفي للتعريف بحقيقته، وبمدى طاعته، وانقياده له «صلى الله عليه وآله»..

ثانياً: إن النص منقول بنحوين، يُفهِمان معنيين مختلفين.

فالأول منهما ينسب إلى جعفر قوله: «ما كنت أرهب أن تستعمل عليَّ زيداً». وهذا يدل على قبول جعفر بتأمير زيد عليه.. ولكنه كان بحاجة إلى توضيح السبب في ذلك، فأفهمه النبي «صلى الله عليه وآله» بأن الوقت لا يسمح بالتصريح، فقال له: لا تدري أيَّ ذلك خير..

والثاني: ينسب إليه قوله: «ما كنت أذهب إن تستعمل علي زيداً». وهذا يدل على أنه يرفض الذهاب بالكلية..

وبعدما تقدم نقول:

هل الصادر عن جعفر هو إظهار التسليم، أم الصادر عنه التصريح بالاعتراض والرفض؟!

أم أن ثمة تصحيفاً عفوياً أو عمدياً من الرواة لتشابه رسم كلمتي «ارهب» و«أذهب».

ثالثاً: إن الأدلة القاطعة قائمة على أن جعفراً كان هو الأمير الأول، فلا مورد لمثل هذه الترهات والأباطيل من الأساس.. وهذا ما سيتضح فيما يلي:

جعفر هو الأمير الأول:

إن غالب محدثي أهل السنة قالوا: بأنه «صلى الله عليه وآله» قد أمَّر على السرية زيداً أولاً، ولكن الصحيح هو أن الأمير الأول كان جعفر بن أبي طالب، كما ذهب إليه الشيعة..

قال ابن أبي الحديد المعتزلي:

«..قلت: اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول، وأنكرت الشيعة ذلك، وقالوا: كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأول.

فإن قتل فزيد بن حارثة.

فإن قتل فعبد الله بن رواحة.

ورووا في ذلك روايات، وقد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمد بن إسحاق في كتاب المغازي ما يشهد لقولهم..»([41]).

ثم استشهد بما يأتي من قول حسان بن ثابت، وكعب بن مالك..

بل يمكن أن يستظهر ذلك من قول اليعقوبي، حيث قال:

«..ووجَّه جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة في جيش إلى الشام، لقتال الروم سنة 8([42]).

وروى بعضهم أنه قال: أمير الجيش زيد بن حارثة، فإن قتل زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل جعفر بن أبي طالب فعبد الله بن رواحة، فإن قتل عبد الله بن رواحة، فليرتض المسلمون من أحبوا..

وقيل: بل كان جعفر المقدم، ثم زيد بن حارثة، ثم عبد الله بن رواحة..»([43]).

وقال العسقلاني عن جعفر: «استعمله رسول الله «صلى الله عليه وآله» على غزوة مؤتة، واستشهد..»([44]).

وإن كان يمكن أن يكون مراده: أنه استعمله بعد زيد.

وقال الطوسي: «على أنه قد اختلفت الرواية في تقديم زيد على جعفر؛ فروي أن جعفر كان أميراً أولاً، وأنشدوا في ذلك أبياتاً لحسان بن ثابت، وهي الخ..»([45]).

ونحن بدورنا نقول: إن جعفراً كان هو الأمير الأول، وليس زيداً، على عكس ما اشتهر بين المؤرخين والمحدثين..

ونستند في ذلك إلى عدة أمور:

1 ـ الروايات التي أشار إليها ابن أبي الحديد، الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة «عليهم السلام»، وقد قال السيد شرف الدين في هذا المقام: إن «أخبارنا في هذا متظافرة، من طريق العترة الطاهرة..»([46]).

ومنها رواية: أبان عن الصادق «عليه السلام» أنه قال: إنه استعمل عليهم جعفراً، فإن قتل فزيد، فإن قتل فابن رواحة..([47]).

2 ـ ما رواه ابن سعد في طبقاته، بإسناده عن أبي عامر، قال: «بعثني النبي إلى الشام، فلما رجعت مررت على أصحابي، وهم يقاتلون المشركين بمؤتة. قلت: والله لا أبرح اليوم حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمرهم..

فأخذ اللواء جعفر بن أبي طالب، ولبس السلاح (وقال غيره أخذ اللواء زيد بن حارثة)، وكان رأس القوم، ثم حمل جعفر، حتى إذا همَّ أن يخالط العدو، رجع فوحَّش بالسلاح، ثم حمل على العدو، فطاعن حتى قتل.

ثم أخذ اللواء زيد بن حارثة، فطاعن حتى قتل.

ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، فطاعن حتى قتل.

ثم انهزم المسلمون أسوأ هزيمة..»([48]).

3 ـ الشعر الذي أشار إليه ابن أبي الحديد.. فقد روي أن حسان بن ثابت رثى شهداء مؤتة، فكان من جملة ما قال:

فـلا يبعـدن الله قتـلى تتـابـعـوا           بمؤتـة، منهم ذو الجنـاحين جعفر
وزيد، وعبد الله، حيث تتابعـوا          جمـيـعـاً، وأسبـاب المـنيـة تخـطـر
غداة مضوا بالمؤمنين يقـودهـم        إلى الحـرب مـيـمـون النقيبة أزهر
أغر كضوء البدر من آل هاشم          أبي إذا سـيم الـضـلالـة مجـسـر
(
[49])

إلى آخر القصيدة.

حيث لم يكتف في هذا الشعر بذكر التتابع: جعفر، فزيد، فابن رواحة.. بل صرح: بأن القائد لهم إلى الحرب ميمون النقيبة أزهر أغر، من آل هاشم، وهو جعفر، رضوان الله تعالى عليه..

4 ـ قال كعب بن مالك الأنصاري، في رثاء شهداء مؤتة أيضاً:

فـكـأنما بين الجـوانـح والحــشـا        ممـا تـأوّبـنـي شـهـاب مـدخــل
وجـداً عـلى النفر الذيـن تتابعوا         يـومـاً بـمـؤتـة أسنـدوا لم ينقلوا

إلى أن قال:

فـمضوا أمام المسلمين يقـودهم        فُـنُـقٌ عـلـيـهـن الحـديـد المـرفل
إذ يهـتـدون بـجـعـفـر ولـوائـه           قـــدام أولهــــم فــنــعـم الأول
حتى تفرجت الصفوف وجعفر          حيث التقى وعث الصفوف مجدل
(
[50])

فقد صرح هو أيضاً: بتتابع القواد، وبأن جعفراً كان هو القائد، وكان هو ولواؤه قدام أولهم، فنعم الأول..

وبالمناسبة، فإن شاعراً آخر من المسلمين، ممن رجع من غزوة مؤتة قد رثاهم أيضاً، فقال:

كـفى حزناً أنى رجعت  وجعفر          وزيـد وعبد الله في رمـس أقــبــر
قضوا نحبهم لما مضوا  لسبيلهم               وخـلـفـت لـلـبـلـوى مع  المتغبر
ثـلاثـة رهـط قـدِّمـوا فتقدمـوا            إلى ورد مكروه من المـوت أحمـر
(
[51])

5 ـ وروى القاضي النعمان، عن أنس بن مالك قال: خطبنا رسول الله «صلى الله عليه وآله» وعيناه تذرفان، فقال: أخذ الراية جعفر فقتل، ثم أخذها زيد بن حارث فقتل، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقتل، ثم أخذها خالد بن الوليد.

ثم إنه «عليه السلام» التفت إلى مؤتة، وقال لهم: بايعهم، إن أصيب جعفر، فأميركم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فأميركم عبد الله بن رواحة. ولم يذكر الإمرة بعده غيره([52]).

6 ـ قد تقدم قول عبد الله بن جعفر ـ أو ابن عباس ـ لمعاوية: «يا معاوية، أما علمت أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» حيث بعثَ إلى مؤتة أمَّر عليهم جعفر بن أبي طالب، ثم قال: إن هلك فزيد بن حارثة، فإن هلك زيد، فعبد الله بن رواحة، ولم يرض لهم أن يختاروا لأنفسهم الخ..»([53]).

7 ـ وفي احتجاج الإمام الحسن «عليه السلام» على معاوية ورد قوله: «وقد بعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» جيشاً يوم مؤتة، فقال: عليكم جعفر، فإن هلك فزيد، فإن هلك فعبد الله بن رواحة، فقتلوا جميعاً.

فتراه يترك الأمة ولم يعين لهم مَنِ الخليفة بعده»؟!!([54]).

مؤيدات لما سبق:

ويمكن تأييد ما ذكرناه آنفاً بما يلي:

1 ـ إنه إذا كان «صلى الله عليه وآله» يريد إرسال هذه الثلة من المسلمين لمواجهة جيش عظيم يصل إلى عشرات أو مئات الألوف، فذلك يشير إلى: أن مستوى الخطورة كان في أعلى الدرجات.

وقد صرح أمير المؤمنين «عليه السلام»: بأنه كان من عادة رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يقذف بأهل بيته في مواقف الخطر، ويقدمهم على كل من عداهم. ففي كتاب منه «صلوات الله وسلامه عليه» إلى معاوية قال:

«وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» إذا احمر البأس، وأحجم الناس قدم أهل بيته، فوقى بهم أصحابه حر السيوف والأسنة».

ثم ذكر نتيجة هذا التقديم فقال: «فقتل عبيدة بن الحارث يوم بدر، وقتل حمزة يوم أحد، وقتل جعفر يوم مؤتة»([55]).

2 ـ ويمكن تأييد ذلك أيضاً بما ذكره السيد الأمين([56]) من أن جعفراً «رضوان الله عليه» كان أشد إخلاصاً، وأكثر تصميماً، وأمضى عزماً منهما، (أي من زيد وابن رواحة) كما دل عليه ما روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»:

«مُثِّلَ لي جعفر، وزيد، وابن رواحة في خيمة من درٍّ، كل منهم على سرير، فرأيت زيداً وابن رواحة في أعناقهم صدود. ورأيت جعفراً مستقيماً ليس فيه صدود، قال: فسألت، أو قيل لي: إنهما حين غشيهما الموت أعرضا، أو كأنهما صدا بوجوههما، وأما جعفر فإنه لم يفعل»([57]).

وهذا يدل: على أن جعفراً «عليه السلام» كان هو الأولى بالقيادة والأحق بالتقديم، فلا معنى لتقديمهما عليه فيها.

3 ـ عن عمر بن علي: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: رأيت جعفراً ملكاً يطير في الجنة تدمى قادمتاه، ورأيت زيداً دون ذلك، فقلت: ما كنت أظن أن زيداً دون جعفر، فأتاه جبرئيل فقال: إن زيداً ليس بدون جعفر، ولكن فضلنا جعفراً لقرابته منك([58]).

فإنه إذا كان «صلى الله عليه وآله» لا يظن أن جعفراً دون زيد كما ورد في رواياتهم، فكيف يقدِّم زيداً على جعفر؟!

وهل يصح من النبي «صلى الله عليه وآله» تقديم المفضول، وتأخير الفاضل؟!

ثم إنه يرد على هذه الرواية:

أولاً: إن مناط التفضيل ليس هو القرابة في حد ذاتها، إذ لو كان ذلك هو الملاك، لكان ينبغي أن يرضى نقلة الأخبار، بتفضيل علي «عليه السلام» على جميع الصحابة، بمن فيهم أبو بكر وعمر كما أن عليهم أن يحكموا بأفضلية العباس عم النبي «صلى الله عليه وآله» على جميعهم أيضاً بمن فيهم علي «عليه السلام».

ثانياً: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» وكذلك الأئمة الطاهرون «عليهم السلام» قد صرحوا بفضل جعفر، بنحو يظهر: أن زيداً لا يمكن أن يدانيه في الفضل، حيث عدَّه النبي «صلى الله عليه وآله» ـ كما ورد ـ في الذين اصطفاهم الله على العالمين([59]).

وعنه «صلى الله عليه وآله»، وعن علي «عليه السلام»: أن جعفراً أحد السبعة الذين لم يخلق في الأرض مثلهم([60]).

والأحاديث في فضل جعفر كثيرة لا مجال لتتبعها.

فلا معنى لأن ينسبوا إلى النبي «صلى الله عليه وآله» قوله: «ما كنت أظن أن زيداً دون جعفر».

وبعد كل ما قدمناه: لا يبقى مجال للقول بأن زيداً كان هو الأمير الأول في مؤتة.. ويتعين أن يكون سيد الجيش هو جعفر، الذي أظهر النبي «صلى الله عليه وآله» من الغم عليه ما لم يظهره على أحد، حتى على عمه حمزة، كما أنه «صلى الله عليه وآله» سرَّ بقدومه عليه من أرض الحبشة سروراً عظيماً، حتى لقد قال ـ وكان قدم عليه حين فتح خيبرـ: «لا أدري بأيهما أنا أشد سروراً بقدومك يا جعفر أم بفتح الله على يد أخيك خيبر..»([61]).

وإذ قد ثبت أن جعفراً كان هو الأمير الأول في غزوة مؤتة، وليس زيد بن حارثة.. فنستطيع أن نفهم ببساطة: أن ثمة يداً تحاول تشويه الحقيقة، والتجني على التاريخ.

ولعل ذنب جعفر الوحيد هو: أنه أخو علي «عليه السلام»، وهذا هو الذي كان يذكي الحرص على تقديم زيد، ولو عن طريق التزوير للحقيقة وللتاريخ..

بل لقد تجاوز الأمر كل الحدود، ونحن نقرأ عن عائشة قولها: ما بعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» زيد بن حارثة في سرية إلا أمَّره عليهم ولو بقي لاستخلفه.

فلماذا تصر عائشة كل هذا الإصرار على رفع مقام زيد إلى حد قولها: لو عاش النبي «صلى الله عليه وآله» لاستخلفه؟!

نعم.. إنه لولا علي «عليه السلام» لتوفرت الدواعي للاحتفاظ بالحقيقة دون تشويه أو تحريف، هذا إن لم تتوفر على جعل الأمور كلها في صالحه.. ولكن ورغم ذلك كله، فإن الله سبحانه لابد أن يعز أولياءه، ويعرِّف الناس بما يكيدهم به الحاقدون، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.

لماذا لم يحدد قائداً رابعاً:

وعن سؤال: لماذا لم يحدد النبي «صلى الله عليه وآله» قائداً رابعاً، مع علمه بقتل القادة الثلاثة خصوصاً مع علمه المسبق باستشهادهم، نجيب :

أولاً: بأن المطلوب من الناس هو أن تكون لهم رغبة في الجهاد والبذل والعطاء في سبيل الله، ولا يصح فرض ذلك عليهم، لأن ذلك معناه بطلان عملهم، وأن تصبح تضحياتهم بلا قيمة، بل تكون وبالاً عليهم، إذا لم يقصدوا بها التقرب إلى الله تعالى.. فلابد من اعطائهم الفرصة للتصميم، عن رضا واختيار.. وهذا ما حصل بالفعل بعد استشهاد القادة الثلاثة.

ثانياً: إن النبي «صلى الله عليه وآله» وإن كان يعلم باستشهاد القادة الثلاثة لكن هذا العلم لم يصل إليه بالطرق العادية، وبالتالي فلا يحق له أن يعاملهم على أساسه، لأن الواجب عليه هو أن يأخذهم بما يصل إليه وإليهم بالوسائل العادية، لا ما يصل إليه بعلم الشاهدية.

حديث الضبابة:

وذكروا: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد نهى ذلك الجيش عن أن يأتوا مؤتة، فغشيتهم ضبابة، فلم يبصروا حتى أصبحوا على مؤتة.

ونقول:

أولاً: لم يظهر لنا أي سبب يدعو إلى نهي النبي «صلى الله عليه وآله» لهم عن أن يأتوا مؤتة.

والحال أن المقصود هو ـ كما يزعمون ـ: مواجهة الذين قتلوا الحارث بن عمير وكانوا في مؤتة..

بل قد صرحت الروايات المتقدمة: بأن النبي «صلى الله عليه وآله» أمرهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا من هناك إلى الاسلام..

ثانياً: إن الذي تغشاه الضبابة حتى لا يبصر؛ لا يواصل المشي بصورة عشوائية، ولا يرضى لنفسه بأن يبقى تائهاً في الصحراء لا يدري أين تنتهي به قدماه.. خصوصاً، وأن السير في تلك الصحارى لا يستقيم بدون أدلاء من ذوي الخبرة، وما أكثر ما تاه الناس عن الطريق حتى مع الأدلاء، فابتلعتهم الصحراء حتى ماتوا جميعاً جوعاً أو عطشاً.

فمن تغشاه الظلمة حتى لا يبصر، لابد أن يقف في مكان، ولا يتحرك إلى أن ينقشع الضباب، ويتمكن من رؤية الطريق.

ثالثاً: إذا كان الروم قد جمعوا مائتي ألف، أو أكثر بكثير، فإن ذلك لم يكن ليخفى على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، الذي كانت عيونه مبثوثة في كل مكان.. وهو يلاحق جميع الاحتمالات، في مختلف الاتجاهات، حتى ليكاد يحصي على أعدائه أنفاسهم، وتبلغه عنهم كل شاردة وواردة.

وكان هو نفسه قد غزا دومة الجندل في البلقاء قبل مدة، وكان يرصد كل المواقع التي يحتمل أن يكون لها ميل لمهاجمته، فهل يغفل عن بلاد الشام، التي قتل فيها رسوله، فلا يرصد ما يجري فيها، مما يعنيه؟!

وهل يغفل عن رصد الملوك الذين كان قد دعاهم إلى الإيمان به، والقبول بدعوته، والانقياد له؟ وكيف يتصورون أن يجتمع لحربه مئات الألوف، وهو لا يدري؟! إن ذلك غير مقبول، ولا معقول.

إذا كان «صلى الله عليه وآله» بصدد إرسال جيش إلى تلك البلاد، فلابد أن يكون لديه قدر كافٍ من المعلومات حول مسير ومصير ذلك الجيش، وأهدافه، ومهمته، وقدراته، وقدرات الجيش الذي قد يواجهه..

ولأجل ذلك كله، نعود فنذكر القارئ بأن:

جيشاً قوامه ثلاثة آلاف رجلٍ، يريد أن يتصدى لمهمة كبرى وحاسمة، لا يمكن أن يسير بلا هدف، وكأنه معصوب العينين.

خصوصاً إذا قلنا: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لابد أن يكون قد أخبرهم، أو أخبر قادتهم على الأقل بطبيعة، وصعوبة المهمة التي كان أوكلها إليهم، ولابد أن يكون قد أوصاهم بتوخي الحذر الشديد في تحركاتهم، حتى لا يقعوا في فخ ينصبه لهم عدوهم..

وبذلك يتضح: أن السير في غمار تلك الضبابة لا يمكن أن يتلاءم مع المنطق السليم، والنظر القويم.

روحيات ابن رواحة:

وروى محمد بن عمر عن عطاء بن مسلم، قال: «لما ودع رسول الله «صلى الله عليه وآله» عبد الله بن رواحة، قال ابن رواحة: يا رسول الله، مرني بشيء أحفظه عنك.

قال: «إنك قادم غداً بلداً السجود فيه قليل، فأكثر السجود».

قال عبد الله بن رواحة: زدني يا رسول الله.

قال: «اذكر الله، فإنه عون لك على ما تطالب».

فقام من عنده حتى إذا مضى ذاهباً رجع، فقال: يارسول الله، إن الله وتر يحب الوتر.

فقال: «يابن رواحة، ما عجزت، فلا تعجزن إن أسأت عشراً أن تحسن واحدة».

قال ابن رواحة: لا أسألك عن شيء بعدها([62]).

قالوا: «فتجهز الناس، ثم تهيأوا للخروج وهم ثلاثة آلاف([63]). فلما حضر خروجهم ودَّع الناس أمراء رسول الله «صلى الله عليه وآله» وسلَّموا عليهم. فلما ودَّع عبد الله بن رواحة مع من ودع من أمراء رسول الله «صلى الله عليه وآله» بكى.

فقالوا: «ما يبكيك يابن رواحة»؟.

فقال: «أما والله، ما بي حُبُّ الدنيا، ولا صبابة بكم، ولكني سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقرأ آية من كتاب الله عز وجل يذكر فيها النار: ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً([64]). فلست أدري كيف لي بالصَّدر بعد الورود»؟

فقال المسلمون: «صحبكم الله، ودفع عنكم، وردكم إلينا صالحين».

فقال عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه:

لـكنني أسـأل الـرحمـن معـفـرة          وضربـة ذات فـرغ تقـذف الزبدا
أو طـعـنـة بـيـدي حـران مجهزة                بحـربـة تنفـذ الأحشـاء والكبدا
حـتى يقـال إذا مروا عـلى جدثي                يا أرشد الله من غاز وقد رشـدا
([65])

قال ابن اسحاق: ثم إن القوم تهيأوا للخروج فأتى عبد الله بن رواحة رسول الله «صلى الله عليه وآله» فودعه ثم قال:

فـثبت الله مـا آتـاك مـن حسن           تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا
إني تفـرست فيـك الخير نافلـة          الله يـعـلـــم أني ثـابـت الـبـصـر
أنت الرسول فمن يحرم نوافله          والـوجـه منك فقد أزرى به القدر

هكذا أنشد ابن هشام هذه الأبيات، وأنشدها ابن اسحاق، بلفظ فيه إقواء.

قال ابن اسحاق: «ثم خرج القوم، وخرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» يشيعهم، حتى إذا ودَّعهم وانصرف عنهم، قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:

خلف السـلام على امـرئ ودعته                في النخـل خـير مشيـع  وخليل»([66])

وروي عن ابن عباس: أن رسول «صلى الله عليه وآله» بعث إلى مؤتة، فاستعمل زيداً، وذكر الحديث، وفيه: فتخلَّف ابن رواحة، فجمع مع رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلما صلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» رآه، فقال: «ما منعك أن تغدو مع أصحابك»؟

قال: أردت أن أصلي معك الجمعة، ثم ألحقهم.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما أدركت غدوتهم».

وفي لفظ: «لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها»([67]).

المسير بعد الوداع:

قال ابن اسحاق، ومحمد بن عمر: ثم مضى الناس.

وعن زيد بن أرقم قال: «كنت يتيماً في حجر عبد الله بن رواحة، فلم أر وليَّ يتيم كان خيراً منه، فخرجنا إلى مؤتة، فكان يردفني خلفه على حقيبة رحله، فوالله، إنه ليسير ليلة إذ سمعته وهو ينشد أبياته هذه:

إذا أدَّيْـتِـني وحمـلـت رحـــلي            مـسـيرة أربــع بـعـد الحــســـاء
فشـأنـك أنـعـم،  وخـلاك ذم               ولا أرجـع الــى أهــلي  ورائـــي
وآب المـسلمـون  وغــادروني           بـأرض الــشــام مشـتـهي  الثواء
وردك كـل ذي نسـب قـريب              إلـى الـرحمــن مـنـقـطـع  الإخاء
هنـالـك لا أبـالي طـلـع بعـل               ولا نـخــل أســـافـلـهـــا  رواء

قال: فلما سمعتهن منه بكيت، فخفقني بالدرة، وقال: «ما عليك يا لُكَع أن يرزقني الله الشهادة، فأستريح من الدنيا ونصبها وهمومها وأحزانها، وترجع بين شعبتي الرحل»؟

زاد ابن إسحاق قوله: ثم قال عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه في بعض شعره، وهو يرتجز:

يـا زيـدُ زيـدَ اليَعمُـلات الـذُّبَّـل           تـطــاول الـلـيـل هُـديـتَ  فانزل

زاد محمد بن عمر: ثم نزل نزلةً من الليل، ثم صلى ركعتين ودعا فيهما دعاء طويلاً، ثم قال: يا غلام.

قلت: لبيك.

قال: هي إن شاء الله الشهادة([68]).

ابن رواحة.. فقط:

أظهرت النصوص التي بين أيدينا: أن ابن رواحة كان متأثراً بالجو الروحي، حين عيَّنه رسول الله «صلى الله عليه وآله» في موقع القيادة بعد جعفر وزيد.

وقد أظهرت أشعاره ـ أيضاً ـ: أنه كان يهيء نفسه لاستقبال الشهادة، فراجعها، وراجع قوله لزيد بن أرقم: ما عليك يا لُكَع أن يرزقني الله الشهادة الخ..

وقوله أيضاً بعد صلاته ودعائه: هي إن شاء الله الشهادة.

ثم قوله للمسلمين حين وجلوا من كثرة العدو: «إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون: الشهادة».

فذلك كله يدل على: أنه لم يكن يقول ويتصرف على هذا النحو، لأنه كان يتوقع أمراً لا يعرف عنه شيئاً، بل كان على علم ببعض النتائج التي ستنتهي إليها تلك الحرب، ربما بإخبار النبي «صلى الله عليه وآله» له، ولزيد، ولجعفر، إذ لم يكن «صلى الله عليه وآله» ليخبره بهذا الأمر دونهما.

أو لأنه قد استفاد ذلك من سكوته «صلى الله عليه وآله» عما قاله ابن مهض (أو فنحص) اليهودي.

فأثر ذلك في نفسه، وصار يتعامل مع الأمور على هذا الأساس.

لكن ما يدعو إلى التأمل: أننا لا نجد لدى زيد وجعفر أية تصريحات، أو تصرفات تشير إلى أنهم كانوا يعيشون حالة استثنائية ـ كما كان الحال بالنسبة لعبد الله بن رواحة!!

ولا نستطيع أن نصدق أنفسنا إذا أردنا أن نعزو ذلك إلى عدم معرفتهما بما كان يعرفه ابن رواحة، فهما قد سمعا ما سمع، ورأيا ما رأى، ولا نظن أنه «صلى الله عليه وآله» قد اختصه بسرِّ ذلك دونهما.

لكن يمكننا القول بأنهما كانا أقوى منه، على مواجهة هذا الأمر، وأنفذ بصيرة منه فيه، وأثبت جأشاً، وأكثر تأنياً وتقبلاً له، وأصبر عليه.

ولعل هذا يفسر لنا ما روي: من أن النبي «صلى الله عليه وآله» رأى في سرير ابن رواحة ازوراراً، وصدوداً، بل سيأتي أنه رأى ذلك في سرير زيد أيضاً.

وعلى كل حال، فإن لكل واحد منهما ـ يعني زيداً وابن رواحة ـ مقامه ومرتبته، وكان مقام جعفر أعلى وأسمى، ولذلك كان سريره بلا عيب، لأنه استقبل الموت حين استشهاده، بكل سكينة ورضاً وطمأنينة.. والله هو العالم بالسرائر، والمطلع على الدخائل والضمائر.

ليس إلا المعايير الإلهية:

وقد أظهرت قضية تخلف ابن رواحة للفوز بصلاة الجماعة مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» خطأه في تقديراته للأمور، وأن ثمة معايير إلهية، وتقديرات ربانية لمعنى القيمة تختلف كثيراً عما يعرفه الناس ويفهمونه، أو فقل عما يتوهمونه..

فقد أظهرت هذه القضية حقيقة: أن غزوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، وأنه لو أنفق ابن رواحة ما في الأرض جميعاً، ما أدرك غدوة أصحابه إلى الجهاد في سبيله تعالى، مع أن ما فعله لم يكن فيه إنفاق لشيء من المال، ولا تخلى عن أمر دنيوي، وإنما تخلف ليفوز بثواب الصلاة جماعة مع رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

فما معنى أن يذكر إنفاق ما في الأرض جميعاً؟!

كما أنه «رحمه الله» لم يتخلف عن الغدوة والروحة في سبيل الله عز وجل، بل هو عازم على هذا الأمر بمجرد انتهاء صلاته.. فلماذا إذن يوجه إليه النبي «صلى الله عليه وآله» هذا التحذير، أو هذا التوجيه الناقد..

فلماذا ذكر النبي «صلى الله عليه وآله» ذلك أيضاً؟!

فهل يريد أن يقول له: إن مجرد تأخره عن أصحابه، وغدوهم للجهاد قبله، يجعل ثوابهم أعظم من ثوابه، وأن الصلاة معه «صلى الله عليه وآله» لا تجبر ما فاته من ثواب المبادرة إلى المسير؟!

أم أنه يريد أن يقول له: إن ما فعله قد يشجع الآخرين على فعل مثله، وذلك يوجب انفلات الزمام، وتشويش الأمر على القيادة؟!

بل إن نفس فَقْدِ الناس له في غدوهم، فلا يجدونه معهم ـ وهو أحد قادتهم ـ سوف يحدث بلبلة، وتردداً وتشويشاً لديهم..

فأراد «صلى الله عليه وآله» أن يقول له بالإضافة إلى ذلك كله: إن ما فاته من الثواب لا يمكن تعويضه، ولو بإنفاق جميع ما في الدنيا، وأن يبادر إلى تصحيح نظرته للأمور، وأن يأخذ معايير المثوبة والعقوبة من مصادرها الحقيقية، فإن عقول البشر لا تستطيع إدراك ذلك.

وصايا النبي لابن رواحة:

وعن وصايا النبي «صلى الله عليه وآله» لابن رواحة نقول:

1 ـ إن أول وصية زود بها رسول الله «صلى الله عليه وآله» ابن رواحة هي قوله: «إنك قادم غداً بلداً السجود فيه قليل، فأكثر السجود».

وهي وصية غاية في الأهمية والدقة بالنسبة لرجل يحتاج إلى شحنات روحية قوية، تخوِّله إنجاز مهمة بالغة الحساسية.

أما بالنسبة إليه، فلأنها تعني ذهاب نفسه.

وأما بالنسبة للعدو، فلابد لهذه التضحيات التي يصنعها أهلها باختيارهم، ولا ترد عليهم فجأة، ولا تُفرض عليهم من قِبل غيرهم.

نعم، لابد أن تترك أثرها البالغ في روح عدو يحب الدنيا، ويقاتل من أجلها، ويريد أن يبقى حياً، لكي يستفيد من لذائذها، ويتمتع بمباهجها.

كما أنها لابد أن تؤثر في جند الإسلام ثباتاً، وإصراراً وعزماً، وإقداماً، وبذلاً، وتضحيات..

ومن الواضح: أن السجود لله تعالى هو غاية الخضوع، والتذلل له سبحانه، وهو يؤكد لدى الساجد الإحساس بعظمته سبحانه، ويقلل من درجة الاعتداد بالنفس، ويهون من شأنها، ويهيء المناخ الروحي للتخلي عنها، ثقة بما عنده سبحانه وتعالى.

وقد أظهر صدود ابن رواحة عن الموت، حين وافته الشهادة، ثم إقباله عليه ـ أظهر ـ أنه كان بحاجة إلى الإكثار من هذا السجود لترويض نفسه وتهيئتها لهذا المقام العظيم.

2 ـ ثم جاءت الوصية الثانية لتأمر ابن رواحة بذكر الله تعالى، فإنه عون له على ما يصبو له ويسعى إليه. أي أن عليه أن لا يعتمد على قدراته الذاتية، لأن نفسه قد تخذله في أحرج اللحظات. ولا علاج لهذا الأمر إلا بذكره تعالى الذي تشعر هذه النفس بهيمنته عليها، وبمالكيته لها، وبأنه هو الحافظ، وهو المدبر لها والرحيم والرؤوف بها، والعطوف عليها، فتستسلم له، وتكف عن المنازعة، وتجنح للانقياد والمطاوعة.

3 ـ ثم تأتي الوصية الثالثة لتقول له: إن عليه أن لا يستسلم للشعور بالعجز في مواجهة تمردات نفسه المتكررة، وأن عليه أن يعيد المحاولة مرات ومرات، حتى لو بلغت عشراً، فإن الإخفاق في ذلك كله لا يمنع من النجاح مرة واحدة بعدها، ليكون في هذه المرة الفوز العظيم، والنصر المؤزر على هذه النفس الأمارة بالسوء.

وهكذا فإن هذه الوصايا النبوية تكون قد أعطت الانطباع عن حقائق، ودقائق كان لابد له «صلى الله عليه وآله» من التعاطي معها، ومعالجتها برفق وأناة، وبواقعية وموضوعية، وهكذا كان.


([1]) الكتاب السابع من معارك الإسلام الفاصلة: غزوة مؤتة ص5.

([2]) راجع: وفاء الوفاء ج4 ص12و13 والطبقات الكبرى ج2 ص63 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص93 والتنبيه والإشراف ص214 و 215 وعن عيون الأثر ج2 ص32 والسيرة الحلبية ج2 ص581.

([3]) الجزء الثامن ص387 (الطبعة الرابعة) والجزء 14 ص 336 (الطبعة الخامسة).

([4]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص157.

([5]) تاريخ خليفة بن خياط ص52.

([6]) سير أعلام النبلاء ج1 ص235 و 236 وسنن الترمذي ج4 ص217 وتحفة الأحوذي ج8 ص113 وعن تاريخ مدينة دمشق ج28 ص103.

([7]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص157.

([8]) سير أعلام النبلاء ج1 ص236.

([9]) تحفة الأحوذي ج8 ص113.

([10]) مؤتة: موضع معروف عند الكرك بالأردن.

([11]) المغازي للواقدي ج2 ص755 و 756 والطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار صادر) ج2 ص128 و (ط ليدن) ج4 ص24 و 65 والسيرة الحلبية ج3 ص66 وتاريخ الخميس ج2 ص70 والبحار ج21 ص58 و 59 عن شرح النهج للمعتزلي، والإصابة ج1 ص286 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص304 و 305 وأسد الغابة ج1 ص342 وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص94 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص61 وعن تاريخ مدينة دمشق ج2 ص7 وج11 ص464 وج19 ص683 ومكاتيب الرسول ج1 ص204.

([12]) معجم البلدان ج2 ص128 وراجع: تنوير الحوالك ص69 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص173 و 486 وج6 ص95 و 159 و 251 وتاج العروس ج6 ص56.

([13]) المغازي للواقدي ج2 ص756.

([14]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص144 عن البخاري ج7 ص583 والسيرة الحلبية ج3 ص6 وتاريخ الخميس ج2 ص70 والمستدرك للحاكم ج3 ص215 وعن فتح الباري ج7 ص393 والمعجم الكبير ج5 ص84 والطبقات الكبرى ج2 ص128 وج3 ص530 وتاريخ خليفة بن خياط ص52 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص6 وج19 ص368 و 373 وعن أسد الغابة ج1 ص288 وسير أعلام النبلاء ج1 ص229 وعن تاريخ الأمم والملوك ج2 ص318 و 319 وعن البداية والنهاية ج4 ص275 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص829 وعن عيون الأثر ج2 ص164 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص455.

([15]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص144 و 145 عن الواقدي، والبداية والنهاية ج4 ص241 والسيرة الحلبية ج3 ص66 وتاريخ الخميس ج2 ص70 وراجع: البحار ج21 ص58 و 59 عن الخرايج والجرايح وج21 ص59 عن المعتزلي. وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص61 و 62 وعن تاريخ مدينة دمشق ج2 ص8.

([16]) كتاب سليم بن قيس ج2 ص844 وقاموس الرجال ج6 ص40 والبحار ج33 ص269 وكلمات الإمام الحسين «عليه السلام» للشريفي ص610 ومواقف الشيعة ج2 ص72.

([17]) سبل الهدى والرشاد ج9 ص96 وج6 ص144 وفي هامشه عن البخاري كتاب المغازي (4468)، والطبقات الكبرى ج2 ص190 و 250. وراجع: صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج4 ص213 وج5 ص145 وج7 ص217 وج8 ص117 ونهج السعادة ج5 ص260 عن كنز العمال، وفضائل الصحابة ص24 وعن مسند أحمد ج2 ص110 وعن صحيح مسلم ج7 ص131 وعن سنن الترمذي ج5 ص341 والسنن الكبرى للبيهقي ج3 ص128 وج8 ص154 وج10 ص44 وعن المصنف لابن أبي شيبة ج7 ص532 وج8 ص549 وعن السنن الكبرى للنسائي ج5 ص52 وصحيح ابن حبان ج15 ص518 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص183 وكنز العمال ج7 ص269 وج10 ص578 وج11 ص651 والجامع لأحكام القرآن ج14 ص238 والطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار صادر) ج2 ص250 وج4 ص65 وعن تاريخ مدينة دمشق ج2 ص46 و 49 وج8 ص61 وج19 ص363 وتهذيب الكمال ج10 ص37 ومعجم البلدان ج1 ص50 وعن تاريخ الأمم والملوك ج2 ص429 و 462 وعن البداية والنهاية ج4 ص291 وج5 ص242 وعن السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص481 و 482 وج4 ص440 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1025.

([18]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص145 ومسند أحمد ج5 ص299 ودلائل النبوة ج4 ص367 وحلية الأولياء ج9 ص26 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص46 و 47 وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج2 ص322 وعن الكامل في التاريخ ج2 ص158.

([19]) السيرة الحلبية ج3 ص66 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص148 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص759.

([20]) السنن الكبرى للبيهقي ج9 ص69 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص146 والمغازي للواقدي ج2 ص758 والسيرة الحلبية ج3 ص66 والبحار ج21 ص60 عن المعتزلي، وشجرة طوبى ج2 ص298 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص65 وعن تاريخ مدينة دمشق ج2 ص9 و 10.

([21]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص146 والمغازي للواقدي ج2 ص757 والبحار ج21 ص59 و 60 عن المعتزلي، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص64 وراجع: نيل الأوطار ج8 ص52 وفقه السنة ج2 ص624 والكافي ج5 ص29 وتهذيب الأحكام ج6 ص138 و 139 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص59 والبحار ج19 ص179 وعن مسند أحمد ج5 ص358 وعن صحيح مسلم ج5 ص139 و 140 وسنن ابن ماجة ج2 ص953 و 954 وسنن الترمذي ج3 ص85 والسنن الكبرى ج9 ص49 ومجمع الزوائد ج5 ص256 والمصنف للصنعاني ج5 ص218 وعن المصنف لابن أبي شيبة ج7 ص645 وعن السنن الكبرى للنسائي ج5 ص172 و 207 و 233 و 241 و 242 ومسند أبي يعلى ج3 ص6 و 7 والمنتقى من السنن المسندة ص261 وصحيح ابن حبان ج11 ص42 ومعرفة علوم الحديث ص240 ومسند أبي حنيفة ص147 ونصب الراية ج4 ص226 وكنز العمال ج4 ص380 و 480 وتهذيب الكمال ج27 ص548 و 549.

([22]) السيرة الحلبية ج3 ص66 ومكاتيب الرسول ج2 ص40 عن الإستيعاب، وسبل الهدى والرشاد ج11 ص350 وعن عيون الأثر ج2 ص165.

([23]) الكتاب السابع من معارك الإسلام الفاصلة: غزوة مؤتة ص253.

([24]) راجع: الكامل في التاريخ ج2 ص155 وعن تاريخ الأمم والملوك ج2 ص313 عن الواقدي.

([25]) السيرة الحلبية ج3 ص255 وراجع: مكاتيب الرسول ج2 ص462 عن المصادر التالية: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص652 والتنبيه والإشراف ص226 وشرح الزرقاني للمواهب اللدنية ج4 ص356 وعن السيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج3 ص80 والبداية النهاية ج4 ص268 وتأريخ الخميس ج2 ص38 والبحار ج20 ص393 والكامل ج2 ص213 والطبقات الكبرى ج1 ص261 = = وفي (ط أولى) ق2 ص17 وج3 ص194 وفي (ط ثالثة) ق1 ص66 والمنتظم ج3 ص289 والمصباح المضيء ج2 ص314 ـ 316 وراجع: نصب الراية ج6 ص566 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص669 وميزان الحكمة ج4 ص3211.

([26]) السيرة الحلبية ج3 ص255.

([27]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص288 و293 و 294 ومكاتيب الرسول ج2 ص461 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص651 و 667 عن الواقدي، وعن تاريخ مدينة دمشق ج57 ص367 وعن الإصابة ج6 ص226.

([28]) الكامل في التاريخ ج2 ذكر غزوة مؤتة.

([29]) المغني لابن قدامة ج10 ص396 وكشف القناع ج3 ص79 وسبل السلام ج4 ص48 ونيل الأوطار ج8 ص56، فقه السنة ج2 ص654 وتهذيب الأحكام ج6 ص162 والوسائل (ط دار الإسلامية) ج11 ص102 ومستدرك الوسائل ج11 ص103 وشرح الأخبار ج1 ص297 وكنز الفوائد ص266 وأمالي الطوسي ص261 والخرائج والجرائح ج1 ص181 ومسند أحمد ج1 ص126 و 131 وج2 ص312 وج3 ص224 و 308 وعن صحيح البخاري ج4 ص24 وعن صحيح مسلم ج5 ص143 وسنن ابن ماجة ج2 ص945 وسنن أبي داود ج1 ص593 وسنن الترمذي ج3 ص112 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص40 وج9 ص150 ومجمع الزوائد ج5 ص320 وعن فتح الباري ج6 ص111 وصحيفة همام بن منبه ص26 والمصنف للصنعاني ج5 ص398 ومسند الحميدي ج2 ص519 والمصنف لابن شيبة ج7 ص729 و 730 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص193 ومسند أبي يعلى ج3 ص359 و 464 وج4 ص91 و 384 وج8 ص44 وج12 ص130 والمنتقى من السنن المسندة لابن الجارود النيسابوري، وصحيح ابن حبان ج11 ص79 والمعجم الصغير ج1 ص17 والمعجم الأوسط ج2 ص356 وج4 ص252 والمعجم الكبير ج3 ص82 وج5 ص136 وج11 ص293 وج18 ص53 وج19 ص42 ومسند الشاميين ج1 ص176 وج2 ص20 و 108 ومسند الشهاب ج1 ص40 و 41 و 42 وشرح النهج للمعتزلي ج2 ص279 وج15 ص32.

([30]) المغازي ج2 ص757 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص146 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص64 والبحار ج21 ص59 و 60 عن الواقدي، والمعتزلي.

([31]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص144 و 248 وعن صحيح البخاري ج7 ص583 والسيرة الحلبية ج3 ص66 وتاريخ الخميس ج2 ص70 وعن عيون الأثر ج2 ص352 والطبقات الكبرى ج2 ص190 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص55 وكنز العمال ج10 ص572 والبحار ج21 ص410 وج28 ص131 وج30 ص429 والمسترشد في الإمامة (بتحقيق المحمودي) ص112 والإحتجاج ج1 ص173.

([32]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص207 والمغازي للواقدي ج3 ص1118 وعن تاريخ الأمم والملوك ج3 ص188 وعن السيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج2 ص339 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص37.

([33]) شرح النهج للمعتزلي ج6 ص52 والبحار ج30 ص430 والدرجات الرفيعة ص442 وعن إعلام الورى ج1 ص263 وقصص الأنبياء للراوندي ص355 وحياة الإمام الحسين «عليه السلام» للقرشي ج1 ص205.

([34]) السيرة الحلبية ج3 ص208.

([35]) راجع: دلائل الصدق ج3 ق1 ص4.

([36]) السيرة الحلبية ج3 ص208 والمسترشد للطبري ص116 ودلائل الصدق ج3 ق1 ص4 عن ابن روزبهان. وعن البداية والنهاية ج5 ص242 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص441 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص250 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص37 وكتاب للشافعي ج1 ص99 وفقه السنة ج1 ص259 وإختلاف الحديث ص497 وكتاب المستدرك للشافعي ص29 و 160 وعن مسند أحمد ج1 ص209 وج6 ص249 وعن صحيح البخاري ج1 ص166 و 175 وسنن ابن ماجـة ج1 = = ص389 وسنن النسائي ج2 ص84 والسنن الكـبرى للبيهقي ج2 ص304 وج3 ص82 وعن فتح الباري ج1 ص464 وج5 ص269 ومسند ابن راهويه ج3 ص831 والمعجم الأوسط ج5 ص180 وج6 ص253 وسنن الدارقطني ج1 ص382 وشرح النهج للمعتزلي ج10 ص184 وج13 ص33 وكنز العمال ج8 ص311 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص215 و 221 والثقات ج2 ص131 والكامل ج6 ص133 وتاريخ بغداد ج3 ص443 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص439.

([37]) المعيار والموازنة ص211 وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي لابن الدمشقي ج2 (هامش) ص172، والمواقف ج8 ص376 وشواهد التنزيل للحسكاني ج1 ص338 ووصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص68 وشرح النهج للمعتزلي ج6 ص52 ودعائم الإسلام ج1 ص41 والملل والنحل (ط سنة 1410هـ) ج1 ص30 والدرجات الرفيعة ص442 وعن السقيفة وفدك للجوهري ص77 والمهذب لابن البراج ج1 ص13 والبحار ج28 ص132و 288 وج30 ص431 و 432 وج90 ص124 وج27 ص324 والإستغاثة ص21.

ولا بأس بمراجعة: إثبات الهداة ج2 ص343 و 345 و 346 عن منهاج الكرامة، ونهج الحق. ومفتاح الباب الحادي ص197 وحق اليقين ص178 و 182 ومنار الهدى للبحراني ص433 ومجموع الغرائب للكفعمي ص288 وأبكار الأفكار للآمدي، ومرآة الأسرار لعبد الرحمن بن عبد الرسول، وشرح المواقف للجرجاني ص376 ونفس الرحمن ص598 وإحقاق الحق ص218 ومنهاج الكرامة ص109 وغايـة المـرام ج6 ص110 ومجمع الفـائـدة ج3 ص218 = =  والرواشح السماوية ص140 وكتاب الأربعين للشيرازي ص527.

([38]) شرح النهج للمعتزلي ج6 ص52.

([39]) راجع: آفة أصحاب الحديث لابن الجوزي، ومسند أحمد ج6 ص224 وج1 ص231 و 232 و 356 والمنتظم ج4 ص31 ودلائل النبوة ج7 ص191 والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج14 ص568 وعن صحيح البخاري ج1 ص165 وعن صحيح مسلم ج1 ص312 وعن المصنف لابن أبي شيبة (ط الهند) ج2 ص329 وج14 ص561.

([40]) وفاء الوفاء ج4 ص1169 ومعجم البلدان ج2 ص128 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص173.

([41]) شرح النهج للمعتزلي ج15 ص62.

([42]) تاريخ اليعقوبي (طبع صادر) ج2 ص65.

([43]) تاريخ اليعقوبي (طبع صادر) ج2 ص65.

([44]) تهذيب التهذيب ج2 ص198.

([45]) تلخيص الشافي ج1 ص227.

([46]) النص والإجتهاد (طبع سنة 1386ﻫ ) ص85 و (ط سنة 1404هـ) ص26.

([47]) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج1 ص205 والبحار ج21 ص55 وإعلام الورى (طبعة ثانية) ص110 وأعيان الشيعة ج2 ص324.

([48]) طبقات ابن سعد ج2 ص129 و 130 وكنز العمال ج10 ص336 عن ابن عساكر.

([49]) السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص26 والبداية والنهاية ج4 ص260 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص72 والإصابة ج1 ص238 وأعيان الشيعة ج2 ص324 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص62 و 63 وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج1 ص100 وديوان حسان. وراجع: شرح الأخبار ج3 ص209 وشجرة طوبى ج2 ص297 والدرجات الرفيعة ص77 وعن تاريخ مدينة دمشق ج2 ص20 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص491.

([50]) البداية والنهاية ج4 ص261 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص27 و 28 ومقاتل الطالبيين ص15 وأعيان الشيعة ج2 ص325 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص63 وتهذيب ابن عساكر ج1 ص102 وشرح الأخبار ج3 ص210 و 211 والدرجات الرفيعة ص78 وعن تاريخ مدينة دمشق ج2 ص21 والمجدي في إنساب الطالبيين ص320 عن ديوان كعب بن مالك ص260 ـ 263 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص492 و 493.

([51]) السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص30 والبداية والنهاية ج4 ص258 و 259 ما عدا البيت الثالث. وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج68 ص88 وعن أسد الغابة = = ج5 ص385 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص488.

([52]) شرح الأخبار ج3 ص206 و 207.

([53]) كتاب سليم بن قيس (ط النجف) ص188 وقاموس الرجال ج6 ص40 والبحار ج33 ص269 ومواقف الشيعة ج2 ص72.

([54]) الإحتجاج ج2 ص61 والبحار ج44 ص99 ومواقف الشيعة ج1 ص368 والعدد القوية ص49.

([55]) نهج البلاغة (بتحقيق عبده) ج3 ص9 والبحار ج33 ص112 و 115 ونور البراهين ج2 ص318 ونهج السعادة للمحمودي ج4 ص180 وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص47 وج15 ص77 وأنساب الأشراف ص281 ووقعة صفين للمنقري ص90 وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي ج1 ص360 والعقد الفريد ج4 ص336 والمناقب للخوارزمي ص176 ووضوء النبي للشهرستاني ج2 ص328.

([56]) أعيان الشيعة ج4 ص124.

([57]) ذخائر العقبى ص219 والبحار ج21 ص64 ومجمع الزوائد ج6 ص160 والمصنف للصنعاني ج5 ص266 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص73 وكنز العمال ج11 ص665 والدرجات الرفيعة ص77 وعن عيون الأثر ج2 ص168 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص153.

([58]) الطبقات الكبرى ج4 ص38 وراجع: كنز العمال ج11 ص665 وعن تاريخ مدينة دمشق ج19 ص369.

([59]) البحار ج37 ص63 عن تفسير فرات، ومستدرك سفينة البحار ج3 ص36 وتفسير فرات الكوفي (ط وزارة الإرشاد والثقافة الإسلامي ـ طهران) ص80.

([60]) قرب الإسناد ص25 ح84 والكافي (الروضة) ص49 والبحار ج22 ص275 ومنتخب الأثر ص173.

([61]) عيون أخبار الرضا ج2 ص231 والخصال ص484 و 77 والبحار ج21 ص24 وراجع: ومنتهى المطلب (ط قديم) ج1 ص359 والذكرى ص249 وروض الجنان ص327 ومدارك الأحكام ج4 ص206 وذخيرة المعاد ج2 ص349 والحدائق الناضرة ج10 ص498 وجواهر الكلام ج12 ص200 ومسند زيد بن علي ص203 والمبسوط للطوسي ج10 ص23 والقواعد والفوائد ج2 ص160 والوسائل (ط دار الإسلامية) ج5 ص195 و 197 ومستدرك الوسائل ج6 ص227 والمسترشد للطبري ص333 ومقاتل الطالبيين ص6 وشرح الأخبار ج3 ص204 ومكارم الأخلاق ص262 والإحتجاج ج1 ص172 وذخائر العقبى ص214 وعمدة الطالب لابن عنبة ص35 والبحار ج18 ص413 وج21 ص23 و 24 و 25 و 63 وج22 ص276 وج38 ص294 وج39 ص207 وج73 ص283 وج88 ص207 و 208 و 211 وشجرة طوبى ج2 ص297 والمستدرك للحاكم النيسابوري ج2 ص624 وج3 ص211 ومجمع الزوائد ج6 ص30 وج9 ص271 و 272 و 419 وج11 ص44 والمصنف لابن أبي شيبة ص7 ص516 و 732 وج8 ص466 والآحاد والمثاني ج1 ص277 وشرح معاني الآثار ج4 ص281 والأحاديث الطوال ص45 والمعجم الصغير ج1 ص19 والمعجم الأوسط ج2 ص287 والمعجم الكبير ج2 ص111 وج22 ص100 وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص128 وج15 ص72 ونصب الراية ج6 ص152 = = و 153 وكنز العمال ج11 ص665 و 666 وج13 ص323 وتفسير مجمع البيان ج3 ص401 ومنتقى الجمان ج2 ص272 والدرجات الرفيعة ص69 و 74 والطبقات الكبرى ج2 ص108 وج4 ص35 والكامل لابن عدي ج5 ص243 وأسد الغابة ج1 ص287 وتهذيب الكمال ج5 ص53 وسير أعلام النبـلاء ج1 ص213 و و 216 و 437 وتهذيب التهذيب ج2 ص84 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص56 والتنبيه والإشراف ص223 والبداية والنهاية ج3 ص91 و 98 وج4 ص234 والعبر وتاريخ المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص40 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص216 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص818 وبشارة المصطفى ص163 وإعلام الورى ص210 وقصص الأنبياء للراوندي ص345 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص16 و 30 وج3 ص390 و 391 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص136 وج11 ص106 و 107 وينابيع المودة ج1 ص468 وج2 ص80 واللمعة البيضاء للتبريزي ص295.

([62]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص146 و 147 وفي هامشه: عن الدر المنثور ج3 ص189 عن ابن عساكر، والمغازي للواقدي ج2 ص758 والبحار ج21 ص60 عن المعتزلي، وتاريخ مدينة دمشق ج28 ص120 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص65.

([63]) المغازي للواقدي ج2 ص736 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص66 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص145 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص319 وعن عيون الأثر ج2 ص165 ومجمع الزوائد ج6 ص157 وعن البداية والنهاية ج4 ص275 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص829 وإعلام الورى ج1 ص213 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص455 وشرح الأخبار ج3 ص206 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص176 والبحار ج21 ص56 وشجرة طوبى ج2 ص298 والنص والإجتهاد ص28 والطبقات الكبرى ج2 ص128 وعن تاريخ مدينة دمشق ج2 ص7 وج28 ص124 وعن أسد الغابة ج3 ص158.

([64]) الآية 71 من سورة مريم.

([65]) المغازي للواقدي ج2 ص736 و 737 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص66 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص145 وتاريخ الخميس ج2 ص70 ومجمع الزوائد ج6 ص157 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص62 وعن تاريخ مدينة دمشق ج2 ص6 وج28 ص124 وعن أسد الغابة ج3 ص158وتهذيب الكمال ج14 ص507 وعن تاريخ الأمم والملوك ج2 ص319 وعن البداية النهاية ج4 ص276 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص830 وعن عيون الأثر ج2 ص165 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص456.

([66]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص145 و 146. وراجع: مجمع الزوائد ج6 ص158 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص65 وعن تاريخ مدينة دمشق ج2 ص6 وج28 ص93 و 94 و 124 وعن البداية النهاية ج4 ص276 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص830 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص456.

([67]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص147 وقال في هامشه: أخرجه الترمذي (527) وأحمد في المسند ج1 ص224 وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ج7 ص393.

وراجع: نيل الأوطار ج8 ص24 وعن مسند أحمـد ج3 ص141 و 153 و 207 و 433 وج5 ص266 وعن صحيح البخاري ج3 ص202 وعن صحيح مسلم ج6 ص36 وسنن ابن ماجة ج2 ص921 وسنن الترمذي ج3 ص100 و 101 والسنن الكبرى للبيهقي ج3 ص187 وشرح مسلم للنووي ج13 ص26 ومجمع الزوائد ج5 ص279 وتحفة الأحوذي ج3 ص54 وج5 ص235 ومسند أبي داود ص352 وعن المصنف لابن أبي شيبة ج4 ص560 وج8 ص545 ومسند ابن راهويه ج1 ص381.

وراجع: منتخب مسند عبد بن حميد ص168 و 219 وصحيح ابن حبان ج10 ص462 والمعجم الأوسط ج5 ص95 والمعجم الكبير ج6 ص190 وج11 ص307 ومسند الشاميين ج3 ص310 ورياض الصالحين للنووي ص524 وكنز العمال ج4 ص304 و 318 و 319 وج10 ص561 وعن أحكام القرآن للجصاص ج3 ص600 والجامع لأحكام القرآن ج6 ص261 وج17 ص265 وعن تفسير القرآن العظيم ج4 ص298 والدر المنثور ج1 ص249 و 250 وعن تاريخ مدينة دمشق ج28 ص92 وج41 ص483 وتذكرة الحفاظ ج4 ص1271 وتاريخ جرجان ص146.

([68]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص147 والمغازي للواقدي ج2 ص759 وعن الإصابة ج4 ص74 و 75 وعن تاريخ مدينة دمشق ج28 ص117 و 118 و 119 وعن البداية والنهاية ج4 ص277.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان