وفادات أشخاص قليلة التفاصيل
وقالوا:
بعث فروة بن عمرو الجذامي إلى رسول الله «صلى الله عليه
وآله» رسولاً بإسلامه، وأهدى له بغلة بيضاء، هي فضة، وفرساً يقال له:
الظرب، وحماراً يقال له: يعفور، وأثواباً، وقباء مذهباً، فقبل هديته.
وأعطى رسوله مسعود بن سعد الجذامي اثني عشرة أوقية فضة([2]).
وكان فروة عاملاً لقيصر ملك الروم على من يليه من
العرب، وكان منزله مُعان وما حولها من أرض الشام.
فلما بلغ الروم ذلك من أمر إسلامه طلبوه حتى أخذوه،
فحبسوه عندهم، فقال في محبسه:
طرقـت سلـيمى موهنـاً أصحابي والـروم
بـين الـبـاب والـقــروان
صـد الخيـال وسـاءه ما قد رأى وهمـمـت أن أغفي وقـد
أبـكـاني
لا تكحِلِنّ العين بعـدي إثـمـداً سـلـمـى ولا تَـدْنِــنَّ
لـلإتــيـان
ولـقـد علمت أبا كـبـيشة أنني وسـط الأعـزة لا يحـص
لســـاني
فلئن هلـكـت لتفقدن أخاكـم ولـئـن بـقـيـت لـتـعرفـن
مكـاني
ولقد جمعت أجل ما جمع الفتى من جـودة وشـجــاعـــة وبـيـان
فلما أجمعت الروم على صلبه على ماء لهم بفلسطين، يقال
له عفراء، قال:
ألا هـل أتى سلمى بأن حليلهـا
على ماء عفرى فوق إحدى الرواحل
على ناقـة لم يضرب الفحل أمها مشـذبـة أطـرافـهـا
بـالمـنـاجـــل
فزعم الزهري ابن شهاب أنهم لما قدموه ليقتلوه قال:
أبـلـغ سـراة
المسـلـمـين بأنني سـلـم لـربي أعـظـمـي ومـقـامي
ثم ضربوا عنقه، وصلبوه على ذلك الماء، والله تعالى أعلم([3]).
ونقول:
إن هذا الرجل ـ أعني فروة الجذامي
ـ:
لم يسلم حين أسلم طمعاً في مال أو مقام، أو جاه، لأن ذلك كان حاصلاً
له، بل هو بإسلامه قد خاطر بجاهه، ومقامه، وبحياته أيضاً.. كما ان هذا
الرجل لم ير رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ليمكن أن يتوهم أنه قد
تأثر بشخصيته، أو بقوة بيانه، كما أنه لم يكن له طمع بمال قدمه إليه،
أو بجاه أو مقام عرضه عليه..
بل جاءته الدعوة الإلهية بكل صفائها، ونقائها، ووضوحها،
لا تشوبها أية شائبة، من ترهيب أو ترغيب أو غيرهما، فانصاع لها عقله،
ورضيها وجدانه، وانسجمت معها فطرته. وأصبحت عنوان وجوده، وحقيقة شخصيته
وكيانه، ووجد أن التفريط بها معناه: التفريط بهويته، وبإنسانيته، ولأجل
ذلك آثر أن يصر عليها، وأن يحتفظ بها ولا يساوم عليها، مع أنه كان
قادراً على كتمان أمره، والإسرار بدخيلة نفسه..
واللافت هنا:
هو هذه القسوة التي عامل الروم بها عاملهم، حيث إنهم
بمجرد معرفتهم بإسلامه طلبوه حتى أخذوه، فحبسوه عندهم، ثم قتلوه،
وصلبوه([4]).
وهذا معناه:
1 ـ
أنه قد جرت مطاردة واسعة، واستنفار عام من قبل الروم
لملاحقة هذا الرجل، حتى تمكنوا أخيراً من أخذه.
2 ـ
إننا لم نرهم سألوه عن سبب اعتناقه الإسلام، ولا ناقشوه
في صحة هذا الدين..
3 ـ
إن هذا الفعل منهم يشير إلى أنهم يريدون فرض النصرانية
على الناس بقوة السيف. فلا صحة لما يزعمونه من أن دينهم دين سلام
ومحبة، وتسامح.. وليس لهم أن يتهموا الإسلام بأنه دين القهر، والعنف،
وأنه إنما انتشر بالسيف وبالأكراه!!
فإن الإسلام هو الذي أطلق القاعدة الشاملة لكل عصر
ومصر، ولكل دين ونحلة ولجميع الفئات والأقوام ومختلف الشرائح، والتي
تقول: {لاَ
إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ
يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِالله قَدِ اسْتَمْسَكَ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ}([5]).
وإذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد حارب بعض
الأقوام، فإنما حاربهم دفاعاً عن النفس..
على أنه ليس لمن تقدم له الأدلة والبراهين الفطرية
والعقلية، ويظهر عجزه عن مواجهتها، حيث تكون أمامه أظهر من الشمس،
وأبين من الأمس ـ ليس له ـ أن يرفض الخضوع لها، استكباراً منه وعتواً..
وإلا سقطت المعايير، واختل نظام الحياة، ولا بد أن يسقط الناس معها في
هوة سحيقة من الظلم والفوضى، وضياع الحقوق في ظل حكومة الأقوياء،
والجباريين، والمستكبرين..
4 ـ
إن صلبهم لفروة بعد قتله يدل على أنهم أرادوا أن يجعلوا
منه عبرة ورادعاً لكل من يمكن أن يمر في خياله أو يخطر على باله أن
يفكر بالإسلام كخيار له في هذه الحياة. فالتفكير، بل وحتى تخيل هذا
الأمر ممنوع على الناس تحت وطأة صولة الجبارين، وبقوة السيف، لا بقوة
الدليل، ولا بسلطان البرهان..
عن رجل من عَنْس بن مالك، من مَذْحج،
قال:
كان منا رجل وفد على النبي «صلى الله عليه وآله»، فأتاه
وهو يتعشى فدعاه إلى العشاء، فجلس. فلما تعشى أقبل عليه رسول الله «صلى
الله عليه وآله»، فقال: «أتشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً عبده
ورسوله»؟
فقال:
أشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله.
فقال:
«أراغباً جئت أم راهباً»؟
فقال:
أما الرغبة فوالله ما في يديك مال، وأما الرهبة فوالله
إني لببلد ما تبلغه جيوشك، ولكني خوفت فخفت، وقيل لي: آمن بالله فآمنت.
فأقبل رسول الله «صلى الله عليه
وآله» على القوم، فقال:
«رب خطيب من عنس».
فمكث يختلف إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ثم جاء
يودعه، فقال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «اخرج». وبتته أي
أعطاه شيئاً، وقال: «إن أحسست شيئاً فوائل إلى أدنى قرية» فخرج فوعك في
بعض الطريق، فوأل إلى أدنى قرية، فمات رحمه الله واسمه ربيعة.
وعند الطبراني:
اسمه ربيعة بن رواء العنسي([6]).
ونقول:
1 ـ
لم تذكر الرواية لنا تاريخ هذا الوفد على رسول الله
«صلى الله عليه وآله»..
2 ـ
قد تضمنت هذه الرواية إقرار العنسي أمام النبي «صلى
الله عليه وآله» بأنه لم يسلم رهباً ولا رغباً..وإنما أسلم حين ظهر له
أن ثمة ما يدعو إلى الخوف من الآخرة، فحكم عليه عقله بلزوم اتخاذ سبيل
الإحتياط والحذر، فأطاع عقله، ولم يتأثر بما يمليه عليه هواه من تقليد
الأباء، والتزام ما ألفه واعتاده، لأن الآباء قد يخطئون، والإلف قد
يكون لما فيه شر وفساد، والعادة لا تدل على الحق..
3 ـ
إن إيمانه بالله لم يكن إيماناً بشيء كان متردداً فيه،
بل كان إيماناً بشيء اقتنع به، وانتقل من قناعاته تلك إلى تحصيل قناعات
أخرى، مثل أنه لم يخلقه عبثاً، وأنه لا بد أن يكلفه بما يحقق الهدف من
خلقته، وأن لا يرضى بمخالفة أوامره، وإهمال تكاليفه. وأنه لا بد من
مثوبة وعقوبة، وسوف ينظر إلى نفسه ليريها موقعها من أوامره وزواجره وما
ينتظرها من عقوبة ومثوبة.. فرأى أنه لا يستطيع أن يطمئن إلى مصيره، فإن
ثمة أموراً جعلته يخاف معها على نفسه.. ولذلك رأى نفسه مضطراً إلى
الإيمان بما اقتنع به فكرياً فآمن بالله، وشهد للنبي يالعبودية
والرسالة، وواصل سيره باتجاه الحصول على ما يوجب له السلام والأمان في
الدنيا والآخرة.
4 ـ
غير أن هذه الرواية قد تضمنت دعوى أن النبي «صلى الله
عليه وآله» قال للعنسي: رب خطيب من عنس، ونحن لا نجد أي تناسب لهذه
الكلمة مع قول العنسي وفعله، فهو لم يخطب، بل أخبر عن إيمانه وسببه،
كما أننا لم نتأكد من وجود أية شهرة للعنسيين في الخطابة..
إلا أن يقال:
قد يكون عدم اشتهار العنسيين بالخطابة، هو الذي دعا
رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى قوله: رب خطيب من عنس ـ أي عنس
التي لا خطابة فيها يظهر منها خطيب.. فلاحظ.
عن رجل من بني عقيل قال:
وفد إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» الرقاد بن عمرو
بن ربيعة بن جعدة بن كعب. وأعطاه رسول الله «صلى الله عليه وآله»
بالفلج ضيعة، وكتب لهم كتاباً وهو عندهم([7]).
عن واثلة بن الأسقع قال:
سبب إسلام الحجاج بن علاط أنه خرج في ركب من قومه إلى
مكة، فلما جن عليه الليل وهو في واد موحش مخوف، فقال له أصحابه: قم يا
أبا كلاب فخذ لنفسك ولأصحابك أماناً.
فقام الحجاج بن علاط يطوف حولهم
يكلؤهم ويقول:
أعيذ نفسي، وأعيذ صحبي، من كل جني بهذا النقب، حتى أؤوب سالماً وركبي.
فسمع قائلاً يقول:
{يَا
مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ
أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا
بِسُلْطَانٍ}([8]).
فلما قدم مكة أخبر بذلك قريشاً،
فقالوا:
«صبأت والله يا أبا كلاب» إن هذا فيما يزعم محمد أنه
أنزل عليه.
فقال:
والله لقد سمعته وسمعه هؤلاء معي.
فسأل عن النبي «صلى الله عليه
وآله»، فقيل له:
بالمدينة.
فأتاه، فأسلم([9]).
ولا ندري مدى صحة هذه الرواية التي تفرد بها واثلة بن
الأسقع، مع العلم بأنها مما تتوافر الدواعي على نقله، ولا سيما من
أولئك الذين سمعوا ما سمعه ابن علاط. وقد عجزت الروايات عن نسبة ذلك
إلى ابن علاط نفسه، مع أن هذا الأمر هو سبب إسلامه..
والحال أن الرواة ينقلون لنا ما هو أبسط من ذلك بمراتب.
قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر:
قدم فروة بن مسيك المرادي وافداً على رسول الله «صلى
الله عليه وآله»، مفارقاً لملوك كندة، ومتابعاً للنبي «صلى الله عليه
وآله»، وقال في ذلك:
لمـا رأيـت ملـوك كندة أعرضت كالرجل
خان الرجل عرق نسائها
قربـت راحـلـتي أؤم محـمـــداً أرجـو فـواضلهـا وحسن
ثـرائهـا
ثم خرج حتى أتى المدينة، وكان رجلاً له شرف، فأنزله سعد
بن عبادة عليه، ثم غدا إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو جالس في
المسجد، فسلم عليه ثم قال: يا رسول الله، أنا لمن ورائي من قومي.
قال:
«أين نزلت يا فروة»؟
قال:
على سعد بن عبادة. وكان يحضر مجلس رسول الله «صلى الله
عليه وآله» كلما جلس، ويتعلم القرآن، وفرائض الإسلام وشرائعه.
وكان بين مراد وهمدان قُبَيْلَ الإسلام وقعة أصابت فيها
همدان من مراد ما أرادوا، حتى أثخنوهم في يوم يقال له: يوم الردم. وكان
الذي قاد همدان إلى مراد، الأجدع بن مالك في ذلك اليوم.
قال ابن هشام:
الذي قاد همدان في ذلك اليوم ابن حريم الهمداني.
قال ابن إسحاق:
فلما انتهى إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال
رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «يا فروة، هل ساءك ما أصاب قومك يوم
الردم»؟
قال:
يا رسول الله، من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم
الردم ولا يسوؤه ذلك؟
فقال رسول الله «صلى الله عليه
وآله»:
«أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيراً».
وفي ذلك اليوم يقول فروة بن مسيك:
مـررن عـلى لفات وهن خـوص يـنـازعـن الأعـنـــة
يـنـتـحـيـنـا
فـإن نَـغـلِـب، فغـلابـون قدماً وإن نُـغـلَب، فـغـير مـغـلـبـيـنـا
ومـا إن طـبـنـا جـبـن ولـكـن مـنـايــانــا ودولـــة
آخــريــنــا
كـذاك الـدهـر دولتـه سجـال تـكـر صـروفـه حـيـنـا
فـحـيـنـا
فـبـيـنـا مـا نـسر بـه ونرضـى ولـو لـبـسـت غـضـارتـه
سـنـينا
إذ انـقـلـبـت بـه كـرات دهر فـألـفـيـت الألى غـبـطـوا
طحينا
فمن يغبط بريب الدهر منهم يجـد ريـب الـزمــان لـه خـؤونـا
فـلـو خـلـد الملوك إذا خلدنا ولـو بـقـي الـكـــرام إذا
بـقـيـنا
فـأفـنـى ذلكم سروات قومي كـما أفـنـى الـقـرون
الأولـيـنـــا
واستعمل رسول الله «صلى الله عليه وآله» فروة بن مسيك
على مراد، وزبيد ومذحج كلها، وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على
الصدقة، فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله «صلى الله عليه وآله»([10]).
ونقول:
يستوقفنا في حديث فروة أمور، نذكر
منها:
إن الشعر المنسوب لفروة بن مسيك يشير إلى أن هذا الرجل
كان يملك عقلاً، وحكمة، وبعد نظر، وأن التجارب قد حنكته، وتقلبات
الزمان قد علمته، وهذبته..
ولأجل ذلك يقال:
إن الإمام الحسين «عليه السلام» قد تمثل بنفس هذه
الأبيات في واقعة كربلاء([11])،
لأنها تعطي صورة واقعية صادقة عن حركة الدهور، وتقلبات الأزمان..
وقد لاحظنا:
أنه «صلى الله عليه وآله» يسأل فروة بن مسيك عن يوم
الردم إن كان قد ساءه.
والسؤال هو:
لماذا يطرح النبي «صلى الله عليه وآله» هذا السؤال؟!
أليس تأثر الرجل بما يصيب قومه من نكبات أمراً طبيعياً؟!
ونجيب:
بأنه «صلى الله عليه وآله» لم يسأله عما بقى لذلك اليوم
من آثار حزن في قلبه، بل سأله هذا السؤال الذي لا يحتاج إلى جواب،
توطئة لما يريد أن يقوله بعد ذلك، أي أنه أراد من فروة بن مسيك أن
يستحضر صورة ما جرى ليتمكن «صلى الله عليه وآله» من طرح العلاج الذي
كان ضرورياً..
فإنه «صلى الله عليه وآله» يريد أن يبني مجتمعاً
متعاوناً، ومتراحماً، ليعيش الأخوّة في أعمق معانيها، وهذا غير ممكن
إلا باستلال الأحقاد من القلوب، وتطهير النفوس، والعقول من الوساوس
والتزيينات الشيطانية..
ولأجل ذلك:
نجده «صلى الله عليه وآله» يبادر إلى بلسمة الجرح من
خلال التنويه بقيمة العوض الأسمى والأبقى الذي حصل عليه قوم فروة بن
مسيك، معتبراً أن الله قد زادهم في الإسلام خيراً مما أصيبوا به يوم
الردم، وقد كان سبب هذا العطاء هو نفس ما جرى عليهم في ذلك اليوم..
والذي يبدو لنا هو:
أن هؤلاء القوم قد تصرفوا بحكمة وأناة، ولم ينساقوا
وراء ردات الفعل، فصبروا، وكفوا أيديهم عن الأبرياء، فاستحقوا أن
يعوضهم الله عن ذلك بمزيد من الخير والفضل الذي حباهم به في الإسلام..
قال عبد عمرو بن جبلة بن وائل بن الجلاح الكلبي:
شخصت أنا وعاصم ـ رجل من بني رقاش من بني عامر ـ حتى
أتينا النبي «صلى الله عليه وآله»، فعرض علينا الإسلام، فأسلمنا.
وقال:
«أنا النبي الأميّ الصادق الزكي، والويل كل الويل لمن
كذبني وتولى عني وقاتلني، والخير كل الخير لمن آواني ونصرني، وآمن بي
وصدق قولي، وجاهد معي».
قالا:
فنحن نؤمن بك ونصدق قولك، وأنشأ عبد عمرو يقول:
أجبت رسول الله إذ جاء بالهدى
وأصبحت بعد الجحـد بالله أوجرا
وودعت لذات القداح وقد أرى بهـا سـدكـا عمـري وللهو أهدرا
وآمـنـت بالله الـعــلي مـكــانه وأصبحت للأوثان ما عشت
منكرا([12])
ونقول:
ويستوقفنا هنا ما يلي:
النبي
أمي،
صادق، زكي:
لقد وصف النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه بالأوصاف
المذكورة، وليس يريد بهذا الثناء على نفسه، بقدر ما يقصد به الإعلام،
أو فقل التذكير بما شاع وذاع عنه، من أنه أمين وصادق، وزكي.
فإن الأمية تشير إلى:
أنه لم يقرأ كتب من مضى، لكي يتهم بأنه قد أخذ منها..
والصدق الذي عرف به، وظهرت لهم دلائله في مطابقة ما
أخبر به من غيوب للواقع، يحتم عليهم قبول ما جاء به، وبخوعهم لنبوته..
وأما كونه زكياً، فيشير إلى طهارته وأنه لا ينقاد إلى
هواه، ولا تتحكم به شهواته، فلا معنى لأن يتوهم في حقه شيء مما يحاول
الظالمون إلصاقه به..
ولذلك رتب «صلى الله عليه وآله» على جامعيته لهذه
الأوصاف الثلاثة، نتيجة هي: أن الويل كل الويل لمن كذبه، وتولى عنه،
وقاتله. وأن الخير كل الخير لمن أواه ونصره، وآمن به، وصدق قوله، وجاهد
معه.. لأن من يكون جامعاً للأوصاف الثلاثة المذكورة يكون صادقاً في
دعواه النبوة.. فتكذيبه ومحاربته لابد أن تجلب الويل كل الويل لصاحبها،
كما أن الخير كله سيكون من نصيب من صدقه وآمن به وجاهد معه، لأن تلك
الصفات تجعل ذلك المتحلِّي مصوناً ومحفوظاً من أي خلل أو خطل، وبعيداً
عن التأثر بالأهواء، والإنصياع للآراء الباطلة، والخيالات المضللة..
وقد تعهد عبد عمرو في شعره رفض الأوثان، وترك شرب الخمر
واللهو، وأجاب إلى الإيمان بالله، والإيمان بما جاء به رسول الله «صلى
الله عليه وآله»..
فأمَّا البنسبة لما تعهد بتركه ورفضه، فمن الواضح: أن
عبادة الأوثان أصبحت أمراً معيباً في ذلك المجتمع، الذي استيقظت فطرته،
وتنبه عقله، وأدرك مدى سوء ووهن هذا الإعتقاد، وسخف وسقوط، وهجنة هذه
العبادة.
أما الخمر، فكان للعرب تعلق خاص بها، حتى إن أعشى قيس
قدم إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ليسلم، وقد مدحه بقصيدة، فلما كان
بمكة أو قريباً منها قيل له: إن محمداً يحرِّم الزنا.
فقال:
والله، إن ذلك لأمر ما لي فيه من إرب.
فقيل له:
وإنه ليحرم الخمر.
فقال:
أما هذه ففي النفس منها لعلالات، ولكني منصرف فأرتوي
منها عامي هذا ثم آتيه أسلم، فمات في عامه ذاك، ولم يوفق للإسلام([13]).
كما أنهم يقولون:
إن بني تغلب كانوا نصارى، ولكنهم ما كانوا يتعلقون من
النصرانية إلا بالزنا وشرب الخمر([14]).
بل إن جميع نصارى العرب كانوا كذلك([15]).
غير أن من الواضح:
أن التجاهر بالزنا لم يكن أمراً محموداً عندهم، وكان
ربما يجر عليهم المتاعب، بل المصائب.
ولأجل ذلك نلاحظ:
أن الشاعر عبد عمرو اعتبر نفسه مضحياً بتركه لذات قداح
الخمر، وهو يتمدح نفسه ويثني عليها من أجل رضاها بذلك..
عن أبي نفيع طارق بن علقمة الرؤاسي
قال([16]):
قدم رجل منا يقال له: عمرو بن مالك بن قيس على رسول الله «صلى الله
عليه وآله»، فأسلم ثم أتى قومه، فدعاهم إلى الإسلام، فقالوا: حتى نصيب
من بني عقيل بن كعب مثلما أصابوا منا.
فخرجوا يريدونهم، وخرج معهم عمرو بن مالك، فأصابوا
منهم. ثم خرجوا يسوقون النعم، فأدركهم فارس من بني عقيل يقال له: ربيعة
بن المنتفق بن عقيل وهو يقول:
أقـسـمـت لا أطـعـن إلا فارساً إذا الـكـماة
ألـبـسـوا الـقــلانسـا
قال أبو نفيع:
فقلت نجوتم يا معشر الرجالة سائر اليوم.
فأدرك العقيلي رجلاً من بني عبيد بن
رؤاس يقال له:
المحرس بن عبد الله [بن عمرو بن عبيد بن رؤاس]، فطعنه
في عضده فاختلها، فاعتنق المحرس فرسه وقال: يا آل رؤاس.
فقال ربيعة:
رؤاس خيل أو أ ناس؟
فعطف على ربيعة عمرو بن مالك فطعنه، فقتله.
قال:
ثم خرجنا نسوق النعم، وأقبل بنو عقيل في طلبنا حتى
انتهينا إلى تربة، فقطع ما بيننا وبينهم وادي تربة، فجعلت بنو عقيل
ينظرون إلينا ولا يصلون إلى شيء، فمضينا.
قال عمرو بن مالك:
فأسقط في يدي وقلت: قتلت رجلاً، وقد أسلمت وبايعت النبي
«صلى الله عليه وآله»، فشددت يدي في غل إلى عنقي، ثم خرجت أريد رسول
الله «صلى الله عليه وآله» وقد بلغه ذلك.
فقال:
«لئن أتاني لأضربن ما فوق الغل من يده».
فأطلقت يدي ثم أتيته فسلمت عليه، فأعرض عني، فأتيته عن
يمينه، فأعرض عني، فأتيته عن يساره، فأعرض عني، فأتيته من قبل وجهه،
فقلت: «يا رسول الله، إن الرب ليترضى فيرضى، فارض عني رضي الله عنك».
قال:
«قد رضيت عنك»([17]).
ونقول:
إن هذا الحديث إنما يرويه لنا مالك عن نفسه، ونحن نشك
في صحة ما نقله من رضا النبي «صلى الله عليه وآله» عنه، فإنه إن كان قد
قتل مشركاً، فلماذا يتوعده «صلى الله عليه وآله»
بضرب
ما فوق الغل من يده؟! ولماذا يغضب عليه ويعرض عنه، ثم لا يرضى إلا بعد
أن قال له الكلام السابق عنه؟!
وإن كان المقتول مسلماً، فإن المطلوب هو قتله قوداً، أو
قصاصاً.. وما معنى: أن يرضى عنه لمجرد أنه أتاه من قبل وجهه، مع أنه قد
اقترف هذا الذنب العظيم، ألا وهو قتل امرئ مسلم؟!
ولماذا لم يبادر إلى تنفيذ ما كان
تعهد به وهو:
أن يضرب ما فوق الغل من يده، فهل إطلاق يده يسقط
العقوبة الإلهية عنه، ويمنع النبي «صلى الله عليه وآله» من تنفيذ ما
تعهد به؟!
قالوا:
وفد زياد بن عبد الله بن مالك على النبي «صلى الله عليه
وآله»، فلما دخل المدينة توجه إلى منزل ميمونة بنت الحارث زوج النبي
«صلى الله عليه وآله»، وكانت خالة زياد ـ لأن أمه عزة بنت الحارث ـ وهو
يومئذ شاب. فدخل النبي «صلى الله عليه وآله» وهو عندها. فلما رآه رسول
الله «صلى الله عليه وآله» غضب فرجع.
فقالت ميمونة:
يا رسول الله، هذا ابن أختي.
فدخل إليها ثم خرج حتى أتى المسجد ومعه زياد، فصلى
الظهر، ثم أدنى زياداً فدعا له، ووضع يده على رأسه، ثم حَدَّرها على
طرف أنفه، فكانت بنو هلال تقول: ما زلنا نعرف البركة في وجه زياد.
وقال الشاعر لعلي بن زياد:
يـا بـن الـذي مسح النبي برأسه ودعـا لـه بـالخـير
عـنـد المسـجـد
أعـنـي زيـاداً لا أريـد ســواءه مـن غـائــر أو مـتـهـم أو
مـنجد
مــا زال ذاك الـنــور في عرنينه حـتـى تـبـوأ
بـيـتــه في المـلـحـد
وقدم قيس بن عاصم على رسول الله
«صلى الله عليه وآله» في سنة تسع([18]).
وروى الطبراني بسند جيد عن قيس بن
عاصم قال:
قدمت على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلما رآني
قال: «هذا سيد أهل الوبر».
فلما نزلت أتيته فجعلت أحدثه، فقلت:
يا رسول الله، ما المال الذي ليست عليَّ فيه تبعة من
ضيف ضافني، أو عيال كثروا عليّ؟
قال:
«نعم المال الأربعون، والأكثر الستون، وويل لأصحاب
المئين إلا من أعطى من رسلها ونجدتها، وأطرق فحلها، وأفقر ظهرها، [ومنح
غزيرتها]، ونحر سمينها، وأطعم القانع والمعتر».
قال:
يا رسول الله، ما أكرم هذه وأحسنها، إنه لا يحل بالوادي
الذي أنا فيه لكثر ة إبلي.
فقال:
«فكيف تصنع بالطروقة»؟
قال:
قلت تغدو الإبل ويغدو الناس، فمن شاء أخذ برأس بعير
فذهب به.
قال:
«فكيف تصنع في الأفقار»؟
قلت:
إني لأفقر الناب المدبرة والضرع الصغير.
قال:
«فكيف تصنع في المنيحة»؟
قلت:
إني لأمنح في كل سنة مائة.
قال:
«فمالك أحب إليك أم مال مواليك»؟
قلت:
لا، بل مالي.
قال:
«إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو
أعطيت فأمضيت، وسائره لمواليك».
فقلت:
والله لئن بقيت لأقلن عددها([19]).
قال الحسن البصري:
فعل والله. فلما حضرت قيساً الوفاة جمع بنيه فقال: يا
بني، خذوا عني، فإنكم لن تأخذوا من أحد هو أنصح لكم مني. إذا أنا مت
فسوِّدوا أكابركم، ولا تسوِّدوا أصاغركم، فتسفِّهكم الناس وتهونوا
عليهم، وعليكم بإصلاح المال فإنه سعة للكريم ويستغنى به عن اللئيم،
وإياكم والمسألة فإنها آخر كسب المرء، وإذا أنا مت فلا تنوحوا عليَّ
فإن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم ينح عليه، وقد سمعته ينهى عن
النياحة، وكفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها وأصوم، وإذا دفنتموني
فلا تدفنوني في موضع يطلع عليه أحد، فإنه قد كان بيني وبين بني بكر بن
وائل حماسات في الجاهلية، فأخاف أن ينبشوني، فيصيبون في ذلك ما يذهب
فيه دينكم ودنياكم.
قال الحسن:
نصح لهم في الحياة، ونصح لهم في الممات([20]).
قد تضمنت النصوص التي نقلناها آنفاً ثناءً من النبي
«صلى الله عليه وآله» على قيس بن عاصم، يرويه لنا قيس بن عاصم نفسه،
كما أن من يراجع كتب التراجم يجد نصوصاً أخرى تعطيه المزيد من الأوسمة
في الجاهلية وفي الإسلام، وفيها: أنه حرم الخمر على نفسه في الجاهلية([21])،
وأنه سيد أهل الوبر وغير ذلك كثير([22]).
ونحن لا نرى في هذا الرجل ما يستحق ذلك كله، ونشك في
صحته.. فهذا الرجل كما روى هؤلاء أنفسهم كان يئد بناته، حتى وأد منهنّ
ثمانية، كما اعترف به لرسول الله «صلى الله عليه وآله»([23]).
وعن عبد الله بن مصعب، قال:
قال أبو بكر لقيس بن عاصم: ما حملك على أن وأدت. وكان
أول من وأد.
فقال:
خشيت أن يخلف عليهن غير كفؤ([24]).
وقد ارتد بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله»، وآمن
بسجاح، وكان مؤذنها، وقال في ذلك:
أضـحت نـبـيتنـا أنثى نطيـف بها
وأصـبـحـت أنـبـيـاء الله ذكـرانـا
ثم لما تزوجت سجاح بمسيلمة، وآمنت به آمن به قيس معها.
ولما قتل مسيلمة أخذ قيس أسيراً الخ..
([25]).
بل إنه بعد أن أسلم بلغه أن أحدهم استأذن النبي «صلى
الله عليه وآله» بغزوه حين أبطأ في إعلان إسلامه، فقال للنبي «صلى الله
عليه وآله»: أما لي سبيل إلى الرجوع؟!
قال:
لا.
قال:
لو كان لي إلى الرجوع سبيل لأدخلت على عتبة ونسائه الذل([26]).
عن نضلة بن طريف:
أن رجلاً منهم يقال له: الأعشى، واسمه عبد الله بن
الأعور كانت عنده امرأة يقال لها: معاذة، وخرج في رجب [يمير أهله من
هجر، فهربت امرأته بعده ناشزاً عليه، فعاذت برجل منهم يقال له: مطرف بن
بهصل المازني، فجعلها خلف ظهره.
فلما قدم لم يجدها في بيته، وأخبر أنها نشزت عليه،
وأنها عاذت بمطرف بن بهصل، فأتاه، فقال: يا ابن عم أعندك امرأتي معاذة
فادفعها إلي.
قال:
ليست عندي، ولو كانت عندي لم أدفعها إليك.
قال:
وكان مطرف أعز منه.
قال:
فخرج الأعشى حتى أتى النبي «صلى الله عليه وآله» فعاذ
به وأنشأ يقول:].
يا مالـك النـاس وديان الـعـرب
إني لـقـيـت ذربــــة مـن الـذرب
غدوت أبغيها الطعام في رجــب فـخـلـفـتـني فـي نـزاع
وهــرب
أخلفت العهد ولظت بالذنــب وهـن شــر غــالــب لمـن غـلب
[فكتب
النبي «صلى الله عليه وآله» إلى مطرف:
«انظر امرأة هذا معاذة فادفعها إليه».
فأتاه كتاب النبي «صلى الله عليه
وآله» فقرئ عليه، فقال:
«يا معاذة، هذا كتاب النبي «صلى الله عليه وآله» فيك،
وأنا دافعك إليه.
قالت:
خذ لي العهد والميثاق، وذمة النبي «صلى الله عليه وآله»
ألا يعاقبني فيما صنعت.
فأخذ لها ذلك، ودفعها إليه، فأنشأ يقول:
لعمرك مـا حـبي معـاذة بالذي
يـغـيره الـواشـي ولا قـدم العـهد
ولا سوء ما جاءت به إذ أذلهــا غـواة رجـال إذ يـناجونها بعدي([27])
ولسنا بحاجة إلى التعليق على هذه الوفادة.
قال:
وقدم على رسول الله «صلى الله عليه وآله» أبو حرب بن
خويلد بن عامر بن عقيل، فقرأ عليه رسول الله «صلى الله عليه وآله»
القرآن، وعرض عليه الإسلام.
فقال:
أما وأيم الله، لقد لقيت الله أو لقيت من لقيه، وإنك
لتقول قولاً لا نحسن مثله، ولكني سوف أضرب بقداحي هذه على ما تدعوني
إليه وعلى ديني الذي أنا عليه، وضرب بالقداح، فخرج عليه سهم الكفر، ثم
أعاده، فخرج عليه ثلاث مرات. فقال لرسول الله «صلى الله عليه وآله»:
أبى هذا إلا ما ترى.
ثم رجع إلى أخيه عقال بن خويلد،
فقال له:
قَلَّ خِيسُك، هل لك في محمد بن عبد الله يدعو إلى دين
الإسلام، ويقرأ القرآن، وقد أعطاني العقيق أن أنا أسلمت.
فقال له عقال:
أنا والله أخطك أكثر مما يخطك محمد. ثم ركب فرسه، وجر
رمحه على أسفل العقيق، فأخذ أسفله وما فيه من عين.
ثم إن عقالاً قدم على رسول الله «صلى الله عليه وآله»،
فعرض عليه الإسلام، وجعل يقول له: «أتشهد أن محمداً رسول الله؟
فيقول:
أشهد أن هبيرة بن المفاضة نعم الفارس، يوم قرني لبان.
ثم قال:
«أتشهد أن محمداً رسول الله»؟
قال:
أشهد أن الصريح تحت الرغوة.
ثم قال له الثالثة:
«أتشهد»؟
قال:
فشهد وأسلم.
قال:
وابن المفاضة هبيرة بن معاوية بن عبادة بن عقيل،
ومعاوية هو فارس الهرَّار، والهرَّار: اسم فرسه، ولبان: اسم موضع([28]).
وأغرب ما قرأناه هنا:
أن أبا حرب يعترف بأنه «صلى الله عليه وآله» لقي الله،
أو لقي من لقيه، ولكنه لا يُسلم إلا إذا وافقت قداحه على إسلامه..
وهذا يشير إلى خفة وسفه، وقلة عقل، فإن الحق إذا ظهر
فهو أحق أن يتبع، وكيف يمكن أن يُجري إنسان سليم العقل قرعة على الحق
والباطل، وبين الإيمان الذي ظهرت دلائله ووضحت آياته وبين الكفر الخاسئ
البيِّن الغي؟!
وماذا عليه لو أسلم وأخذ العقيق، فإنه يكون قد ربح
الدنيا والآخرة.
وأما إعطاء أخيه عقال له أرضاً أوسع من العقيق، فإنه إن
أفاده في الدنيا شيئاً، فسيكون ممحوق البركة سيء الآثار، وهو بالتالي
إلى فناء وزوال، وسوف يتركه إلى غيره لينتعم به من بعده، ويذهب هو في
الآخرة إلى الجحيم، وإلى العذاب الأليم، والخزي المقيم..
ولست أدري ما أقول في أجوبة عقال لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»، فإنها أجوبة المهزوم والعاجز عن
المواجهة، والباحث عن مهرب، أو لعلها أسئلة من يريد أن يمتحن صبر رسول
الله «صلى الله عليه وآله»، علماً بأن الصبر لم يكن من صفات الإنسان
العربي الذي يعيش في الصحراء بين الحيوانات المفترسة، أو بين سباع
الغارة والقتل، والسلب والنهب، بل هو الرجل النزق، والسريع المبادرة
للعنف، وقلَّ أن تجد فيهم حليماً.
عن معاوية بن حيدة قال:
أتيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» فلما دفعت إليه
قال: «أما إني سألت الله عز وجل أن يعينني عليكم بالسَّنة (المراد سنة
القحط) فتحفيكم، وبالرعب أن يجعله في قلوبكم».
فقال معاوية بن حيدة بيديه جميعاً:
أما إني خُلِقْتُ هكذا وهكذا، أي لا أؤمن بك ولا أتبعك،
فما زالت السَّنة تُحفيني، وما زال الرعب يرعب في قلبي حتى وقفت بين
يديك؛ فبالله الذي أرسلك، بماذا بعثك الله به عز وجل؟
قال:
«بعثني بالإسلام».
قال:
وما الإسلام؟
قال:
«شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله،
وتقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، أخوان نصيران، لا يقبل الله عز وجل من
أحد توبة أشرك بعد إسلامه».
قال:
قلت: يا رسول الله، ما حق زوج أحد منا عليه؟
قال:
«يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه،
ولا يُقبح، ولا تُهجر إلا في المبيت».
وفي رواية:
ما تقول: في نساءنا؟
قال:
{نِسَاؤُكُمْ
حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}([29]).
قال فينظر أحدنا إلى عورة أخيه.
قال:
«لا».
قال:
فإذا تفرقا.
قال:
«فضم رسول الله «صلى الله عليه وآله» إحدى فخذيه على
الأخرى، ثم قال: «ههنا تحشرون، ههنا تحشرون، ههنا تحشرون ـ ثلاثاً ـ
يعني الشام ـ رُكباناً ومشاة، وعلى وجوهكم. موفون يوم القيامة سبعين
أمة، أنتم آخر الأمم، وأكرمها على الله تعالى وعلى أفواهكم الفدام،
وأول ما يعرب عن أحدكم فخذه»([30]).
ونقول:
إن في هذا الحديث مواضع للنظر،
فلاحظ يلي:
قد تضمن هذا النص أموراً عديدة هي مثار أسئلة حقيقية،
ولا يمكن المرور عليها مرور الكرام، بل هي تفرض على الإنسان المنصف أن
يدير ظهره لنصوص لا تستطيع أن تجيب على ما ينقضها. ونحن نجمل هذه
الأسئلة على النحو التالي:
1 ـ
ماذا يمثل معاوية بن حيدة من خطورة على مسيرة أهل
الإيمان، حتى يواجهه النبي «صلى الله عليه وآله» بهذا الخطاب الذي يعبر
عن أن ابن حيدة يمثل موقعاً أساسياً في التحدي المفعم بالبغي على
الإسلام وأهله، إلى حد أن النبي «صلى الله عليه وآله» طلب من ربه أن
يأخذهم بالرعب وبالسنين حتى تحيفهم (أي تلح عليهم بشدة واستقصاء بالغ).
2 ـ
وحين أصابت السَّنة قريشاً، وهم أعدى أعدائه، إن قريشاً
ليس فقط لم تبادر إلى الإسلام، بل هي أصرت على حربه، واستئصال شأفته،
ولم يجبرها إلحاح السنين على التخلي عن موقفها، فلماذا يدعو النبي «صلى
الله عليه وآله» بإلحاح السنين وهو قد جربها وعرف أن لا أثر لها؟! فهل
كان «صلى الله عليه وآله» قد أخطأ التقدير والعياذ بالله، فظن أن
للسنين أثراً؟!
3 ـ
وهل كان الله سبحانه يعامل الناس بهذه الطريقة ليجبرهم
على قبول دينه؟! وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم يستعمل هذه الوسيلة
بالنسبة لجميع الأمم السالفة.. ليوفر على الأنبياء بعضاً من عنائهم؟!
أم أنه فعل ذلك ولم يؤثر شيئاً في السابق، فلماذا عاد
في اللاحق إلى وسيلة لا أثر لها؟!
4 ـ
نلاحظ: أنه «صلى الله عليه وآله» لم يترك قريشاً تكابد
الجوع حتى يضطروا إلى قبول الإسلام والدخول فيه، بل بادر لإرسال
المعونات لهم إلى مكة، ولأبي سفيان بالذات([31]).
فهل كان غير راغب بإسلامهم آنئذٍ، أم أنه ندم على ما
فرط منه. أي أنه كان قد طلب من الله أن يبتليهم بالقحط حتى إذا استجاب
الله تعالى له بادر إلى نقضه، بتقديم المعونات ودفع آثار القحط عنهم؟!
5 ـ
لم نفهم ما معنى أن يضم النبي «صلى الله عليه وآله»
فخذيه حين سئل عن أنه إذا تفرق الزوجان فما العمل؟!
6 ـ
وقد ذكر أن المحشر والمنشر في الشام..
ونقول:
أولاً:
لماذا كان الحشر في الشام ـ كما ذكرته هذه الرواية، ولا
يكون في اليمن، أو في فلسطين، أو في غير ذلك من البقاع..
ثانياً:
ألا ينافي ذلك ما رووه من أن بيت المقدس هو الذي يكون
فيه المحشر والمنشر([32]).
7 ـ
والأدهى من ذلك كله أن يكون أول ما يعرب عن كل امرئ
فخذه في يوم القيامة، فلماذا لا تعرب عنه يده أو أنفه، أو لسانه أو
رأسه، وما إلى ذلك؟!
وقد قال الله سبحانه:
{الْيَوْمَ
نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ
أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}([33]).
وقال:
{يَوْمَ
تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ}([34]).
ولنفترض:
أن المقصود بالرجل هو: الفخذ (وإن كان ذلك من التحكم
غير المقبول) فإننا نقول:
ليس في الآية ما يدل أن الفخذ هو أول من يشهد. بل إن
تكلم الأيدي قد ذكر في الآية قبل تكلم الرجلين.
إن هناك وفدين من جرم قدما على رسول الله «صلى الله
عليه وآله»:
الوفد الأول:
عن مرة الجرمي قال: وفد على رسول الله «صلى الله عليه
وآله» رجلان منا يقال لأحدهما: الأصقع بن شريح بن صريم بن عمرو بن
رياح، والآخر هوذة بن عمرو بن يزيد بن عمرو بن رياح فأسلما. وكتب لهما
رسول الله «صلى الله عليه وآله» كتاباً([35]).
الوفد الثاني:
عن عمرو بن سلمة قال: كنا بحضرة ماء ممر الناس عليه،
وكنا نسألهم ما هذا الأمر؟
فيقولون:
رجل يزعم أنه نبي، وأن الله أرسله وأن الله أوحى إليه
كذا كذا، فجعلت لا أسمع شيئاً من ذلك إلا حفظته، كأنما يُغرى في صدري
بغراء، حتى جمعتُ فيه قرآناً كثيراً.
قال:
وكانت العرب تلوَّمُ بإسلامها الفتح، يقولون: انظروا،
فإن ظهر عليهم فهو صادق، وهو نبي.
فلما جاءتنا وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، فانطلق
أبي بإسلام حِوَائنا ذلك، وأقام مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» ما
شاء الله أن يقيم (وتعلموا القرآن، وقضوا حوائجهم).
قال:
ثم أقبل فلما دنا منا تلقيناه، فلما رأيناه قال: جئتكم
والله من عند رسول الله حقاً، ثم قال: إنه يأمركم بكذا وكذا، وينهاكم
عن كذا وكذا، وأن تصلوا صلاة كذا، في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا،
وإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً أو نحو ذلك.
قال:
فنظر أهل حِوَائنا فما وجدوا أحداً أكثر قرآناً مني
الذي كنت أحفظه من الركبان. فدعوني فعلموني الركوع والسجود، وقدموني
بين أيديهم، فكنت أصلي بهم وأنا ابن ست سنين.
قال:
وكان عليّ بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من
الحي: ألا تغطون عنا است قارئكم؟
قال:
فكسوني قميصاً من معقد البحرين.
قال:
فما فرحت بشيء أشد من فرحي بذلك القميص([36]).
وفي نص آخر:
فقدموني، فصليت بهم، فما شهدت مجمعاً إلا وأنا إمامهم
إلى يومنا هذا([37]).
ونقول:
إن لنا بعض البيانات والمؤخذات على ما سبق، فلاحظ ما
يلي:
إن ثمة إشكالاً في صحة ما ذكر آنفاً من أن ذلك الذي كان
أكثر تلك الجماعة جمعاً للقرآن، وأصبح إماماً لها. كان بعمر ست سنين،
فإن أحداً لا يرضى بأن يأتم بصبي عمره ست سنين.. والمتوقع هو: أن يراجع
الناس النبي «صلى الله عليه وآله» قبل أن يقدموا على هذا الأمر..
ولم يكن هؤلاء الذين أسلموا لتوهم من أهل التقوى
والإنقياد إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى حد أن يطيعوه في مثل
هذا الأمر الذي تأباه نفوسهم.
لو فرضنا أن أحداً يجهل أن ستر العورة مطلوب في الصلاة،
فإن من المعلوم: أن أحداً لا يستطيع كشفها، من ناحية الأدب الإجتماعي،
فكيف يرضى أولئك القوم بأن يؤمهم من تنكشف عورته حين صلاته بهم؟!
على أن ما يحتاج إلى تفسير هنا هو:
حضور النساء للجماعة، ثم رؤيتهن لعورة الإمام حال
الركوع والسجود، مع أن المفروض هو: أنهن في هاتين الحالتين لا يقدرن
على رؤية الإمام حتى لو تعمدن ذلك، خصوصاً إذا لاحظنا صغر حجمه، إذا
كان بعمر ست سنوات، وكانت هناك صفوف من الرجال تفصل النساء عنه..
وتحجبهم بالتالي عن رؤيته في حالتي الركوع والسجود.
إلا إذا فرض أن النساء لم يكنّ في جملة المصلين..
وقد ذكر آنفاً:
أن وفد جرم عادوا إلى قومهم، فسألوا عن الأقرأ للقرآن
فوجدوا: أن سلمة بن قيس الجرمي هو الأكثر جمعاً، فقدموه فصلى بهم، وكان
إمامهم..
فقد يقال:
إذا كانت جرم لم تسلم بعد، فلماذا يتعلم الناس فيها
القرآن؟ ويشيع ذلك فيهم، حتى يحتاج إلى معرفة الأكثر أخذاً له..
وقد يجاب:
بأن هذا الوفد قد جاء إلى النبي «صلى الله عليه وآله»،
وعاد من عنده بعد ظهور الإسلام في قبيلة جرم..
وهو جواب غير دقيق، فقد صرح عمرو بن سلمة بأنه قد حفظ
القرآن في أيام الشرك حيث كانوا على ماءٍ ممر الناس عليه، فكانوا
يسألونهم عن هذا الأمر، فكانوا يجيبونهم ويقرأون عليهم بعض الآيات،
فكان عمرو بن سلمة يحفظ من ذلك أكثر من غيره.
وسواء قلنا بصحة ما ذكروه حول ذلك الغلام أو بعدم صحته،
فإن ذلك لا يمنع من أن يكون النبي «صلى الله عليه وآله» قد قرر أن إمام
القوم أكثرهم جمعاً للقرآن، وذلك على قاعدة: «قيمة كل امرئ ما يحسنه»،
واستجابة لواجب الحث والتشجيع على حفظ القرآن، والإهتمام بجمعه، غير أن
سؤالاً قد يطرح هنا، وهو: أن الناس كانوا آنئذٍ بحاجة إلى معرفة أحكام
دينهم، مقدمة للإلتزام والعمل بها، فلماذا لم يأمرهم بتقديم الأفقه
والأعرف بأحكام دينه؟!
ويمكن أن يجاب:
بأن القرآن أساس الدين، وحصنه الحصين، وفيه كل معارف الدين، في عقائده،
وشرائعه، وأحكامه، ومفاهيمه، وأخلاقياته، وسياساته، وعِبره وعظاته،
وغير ذلك مما لا بد منه للإنسان المسلم والمؤمن..
على أن نفس ربط الإنسان بالله، وشعوره بأن الله هو الذي
يتكلم معه، يجعله أكثر شعوراً بحقيقته وحجمه، ويدعوه للتواضع أمام عظمة
الله، ويدفع عنه الشعور بالكبر، والخيلاء، ويجعله يشعر بأنه محاسب،
ومسؤول، ولا يستطيع أن يخفى شيئاً من أفعاله، أو أقواله، أو نواياه..
ومن شأن هذا أن يزيد في انقياده، وعبوديته، وسعيه
لاستكمال ما يحتاج إليه لنيل رضا الله تبارك وتعالى، والفوز بدرجات
القرب منه. على أن الإستكثار من القرآن، وجمعه، وقراءته، لا بد أن يفتح
أمام الإنسان أبواباً عديدة للسؤال، والإستقصاء عن الكثير الكثير من
المعارف التي لولا قراءته للقرآن، لم تخطر له على بال، ولم تمر له في
خيال.
ومع غض النظر عن ذلك كله..
فإن هذا الحكم النبوي لا بد أن يعطي الأمثولة الرائعة
لتطبيق المعايير الإسلامية والإيمانية، حين يصبح أصغر القوم إمامهم، لا
لأجل مال جمعه، أو وصل إليه، ولا لأجل دنيا أصابها، أو جاه ظفر به،
وإنما لأنه سار في طريق رضا الله سبحانه، ونال المعارف التي تيسّر له
التقوى، وتوصله إلى مقامات القرب والزلفى.
ثم إن ذلك يذكي الطموح لدى الآخرين ليدخلوا الحلبة،
وليستبقوا الخيرات، والباقيات الصالحات، لا ليستبقوا المآثم والموبقات.
وقالوا:
كانت قبيلة جعفي يحرمون أكل القلب في الجاهلية، فوفد
إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» رجلان منهم: قيس بن سلمة بن شراحيل،
وسلمة بن يزيد، وهما أخوان لأم، وأمهما مليكة بنت الحلو. فأسلما. فقال
لهما رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «بلغني أنكم لا تأكلون القلب».
قالا:
نعم.
قال:
«فإنه لا يكمل إسلامكما إلا بأكله».
ودعا لهما بقلب، فشوي، ثم ناوله سلمة بن يزيد، فلما
أخذه أرعدت يده، فقال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «كله».
وكتب رسول الله «صلى الله عليه وآله» لقيس بن سلمة
كتاباً نسخته:
«كتاب من محمد رسول الله لقيس بن سلمة بن شراحيل، أني
استعملتك على مران ومواليها، وحريم ومواليها، والكُلاب ومواليها، [من
أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصدّق ماله وصفاه].
[قال
الكلاب:
أود، وزبيد] وجزء ابن سعد العشيرة، وزيد الله بن سعد،
وعائذ الله بن سعد، وبنو صلاءة من بني الحارث بن كعب..
ثم قالا:
يا رسول الله، إن أمنا مليكة بنت الحلو كانت تفك
العافي، وتطعم البائس، وترحم المسكين، وإنها ماتت وقد وأدت بنية لها
صغيرة، فما حالها؟
فقال رسول الله «صلى الله عليه
وآله»:
«الوائدة والموؤدة في النار».
فقاما مغضبين.
فقال:
«إلي فارجعا».
فقال:
«وأمي مع أمكما».
فأبيا، ومضيا وهما يقولان:
والله، إن رجلاً أطعمنا القلب، وزعم أن أمنا في النار
لأهل ألَّا يتبع. وذهبا. فلما كانا ببعض الطريق لقيا رجلاً من أصحاب
رسول الله «صلى الله عليه وآله» معه إبل من إبل الصدقة، فأوثقاه، وطردا
الإبل.
فبلغ ذلك النبي «صلى الله عليه وآله» فلعنهما فيمن كان
يلعن في قوله:
«لعن الله رعلاً، وذكوان، وعصية،
ولحيان، وابني مليكة بن حريم، ومران»([38]).
وقالوا:
وفد أبو سبرة وهو يزيد بن مالك بن عبد الله الجعفي على
النبي «صلى الله عليه وآله» ومعه ابناه: سبرة وعزيز. فقال رسول الله
«صلى الله عليه وآله» لعزيز: «ما اسمك»؟
قال:
عزيز.
قال:
«لا عزيز إلا الله، أنت عبد الرحمن». فأسلموا.
وقال أبو سبرة:
يا رسول الله، إن بظهر كفي سلعة قد منعتني من خطام
راحلتي.
فدعا له رسول الله «صلى الله عليه وآله» [بقد ح، فجعل
يضرب به على السلعة، ويمسحها، فذهبت، فدعا له رسول الله «صلى الله عليه
وآله»] ولابنيه.
وقال له:
يا رسول الله، أقطعني وادي قومي باليمن، وكان يقال له:
حردان. ففعل([39]).
ونقول:
كنا قد ذكرنا في أكثر من موضع:
أن الناس كانوا يرون أن النبي «صلى الله عليه وآله» لا
بد أن يكون قادراً على شفائهم من كل عاهة، وأنه ينزل الغيث، ويخبر
بالغائبات وما إلى ذلك، ولم يكن النبي «صلى الله عليه وآله» يسجل أي
تحفظ على فهمهم هذا، بل هو يستجيب إلى ما كانوا يطلبونه منه في هذا
السياق.. وقد ذكر آنفاً بعض ما يرتبط بذلك. ويبقى أن نشير هنا إلى ما
يلي:
قد يناقش البعض بأنه لا يجد وجهاً للقول المنسوب إلى
رسول الله «صلى الله عليه وآله» للجعفيين: «لا يكمل إسلامكما إلا بأكل
القلب»، ثم شوى لهما قلباً وأطعمهما منه..
ونجيب:
بأن المقصود أن تحريم أي شيء مما أحله الله تعالى
معناه: أن ثمة نقصاً في إسلام من يحرم ذلك، وتمام الإسلام وكماله إنما
هو بالتسليم التام، والقبول بكل ما جاء به النبي «صلى الله عليه
وآله».. ولا يريد «صلى الله عليه وآله» أن يقول: إن لأكل القلب خصوصية
في الإسلام.
وقد كان لا بد من أن يرفع الحرج الناشئ عن رواسب
الجاهلية، فلأجل ذلك أطعمهما فعلاً من قلب شواه لهما.. فإن من السهل
على الإنسان أن يعلن قبوله بالشيء، ولكنه حين يواجه به، ويريد أن يصدق
قوله بفعله تجده يصد عن ذلك، وتأبى نفسه الإنصياع..
ولذلك أرعدت يد سلمة بن يزيد حين ناوله النبي «صلى الله
عليه وآله» القلب المشوي ليأكله.. ولو أنه «صلى الله عليه وآله» لم
يواجهه بهذا الأمر، فلربما يؤدي التزامه بأمر الجاهلية إلى أن يستقر
هذا الأمر الخاطئ في داخل نفسه من جديد، ولربما يضاف إليه أمور جاهلية
أخرى، إلى أن ينتهي به الحال إلى العودة إلى ما كان عليه قبل إسلامه..
وقد زعمت الرواية المتقدمة:
أنه «صلى الله عليه وآله» قد أخبر ذينك الرجلين بأن
أمهما في النار، بعد أن أطعمهما القلب، فلما غضبا أضاف أمه «صلى الله
عليه وآله» إلى أمهما، فحكم عليها أنها في النار أيضاً استرضاءً لهما،
ولكنهما لم يقبلا منه وذهبا..
ولسنا بحاجة إلى القول:
بأن أساس الرواية مشكوك، فإن هذه الطريقة التي نسب إلى
النبي «صلى الله عليه وآله» أنه عامل بها ذينك الرجلين، ليست من مصاديق
الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، بل هي قد أدت إلى تنفير هذين
الرجلين من الإسلام، وصدودهما عنه، رغم زعمهم أنه «صلى الله عليه وآله»
قد واساهما بنفسه بإضافة أمه إلى أمهما، فلاحظ الفقرة التالية:
قد ذكر النص المتقدم:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال: «الوائدة والموؤودة
في النار، فقام قيس بن سلمة، وقيس بن يزيد وهما مغضبان، فقال «صلى الله
عليه وآله»: وأمي وأمكما في النار».
ونقول:
إننا لا نرتاب في كذب هذه المزعمة، وذلك لما يلي:
أولاً:
قد تقدم في الجزء الثاني من هذا الكتاب في فل: «بحوث
تسبق السيرة» إثبات إيمان آباء النبي «صلى الله عليه وآله»، وقد ألف
السيوطي كتباً ورسائل في إثبات ذلك، مثل كتاب: التعظيم والمنة في أن
أبوي رسول الله «صلى الله عليه وآله» في الجنة. ونشر العلميين
المنيفين، وغير ذلك. فراجع ما ذكرناه هناك..
ثانياً:
إنه لا ريب في أن العقل يقبح عقوبة البريء، البالغ
العاقل، فهل يمكن أن يرضى بتعذيب الأبرياء من الأطفال؟ فكيف إذا كانوا
صغاراً لا يملكون من الإدراك ما يصحح مؤاخذتهم بشيء؟!
ثالثاً:
إن الآيات قد صرحت: بأنه لا عذاب على الولدان، قال
تعالى: {إِنَّ
الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا
فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا
أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهَ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا
فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً،
إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}([40]).
رابعاً:
روي عن ابن عباس في الموؤودة قوله:
«فمن زعم أنهم في النار فقد كذب»([41]).
خامساً:
عن النبي
«صلى الله عليه وآله»: «رفع القلم عن ثلاثة: الصبي،
والمجنون، والنائم» ونحوه غيره([42]).
([2])
شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص192، وتاريخ مدينة دمشق ج58
ص9، والإصابة ج6 ص78، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص262 و281
وج7 ص435.
([3])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص391 عن ابن إسحاق، والمواهب اللدنية
وشرحه للزرقاني ج5 ص192 وراجع: الإصابة ج3 ص213 عن ابن إسحاق
وابن شاهين، وتاريخ مدينة دمشق ج48 ص273، والإصابة ج5 ص295،
والوافي بالوفيات ج24 ص6، وعيون الأثر ج2 ص297.
([4])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص390 عن ابن سعد، والطبقات الكبرى لابن
سعد (ط ليدن) ج2 ص115 وفي (ط دار صادر) ج7 ص435، ومعجم ما
استعجم ج4 ص1242، والبحار ج21 ص409.
([5])
الآية 256 من سورة البقرة.
([6])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص389 عن ابن سعد، والطبراني، والطبقات
الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج2 ص106 والإصابة ج1 ص508 وفي (ط دار
الكتب = = العلمية) ج2 ص387، وراجع: مجمع الزوائد ج9 ص394،
والمعجم الكبير للطبراني ج5 ص66، وأسد الغابة ج2 ص168.
([7])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص314 عن طبقات ابن سعد (ط ليدن) ج1 ق2
ص46 ومجموعة الوثائق السياسية ص318.
([8])
الآية 33 من سورة الرحمن.
([9])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص321 عن ابن أبي الدنيا في الهواتف، وابن
عساكر، والبحار ج60 ص299 وكنز العمال ج13 ص348 وأسد الغابة ج1
ص381 والهواتف لابن أبي الدنيا ص38 والإستيعاب (ط دار الجيل)
ج1 ص325 والإصابة (دار الكتب العلمية) ج2 ص29 والوافي بالوفيات
للصفدي ج11 ص245 وإمتاع الأسماع للمقريزي ج4 ص32 وأعيان الشيعة
ج4 ص565.
([10])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص392 و 393 عن ابن إسحاق، والواقدي، وفي
هامشه عن البداية والنهاية ج5 ص71، وتاريخ الطبري ج2 ص392،
والبداية والنهاية ج5 ص83، وإمتاع الأسماع ج2 ص98 وج9 ص378،
والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1004، وعيون الأثر ج2 ص290،
والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص137، والسيرة الحلبية ج3 ص259.
([11])
مقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص7 واللهوف ص54 وعن تاريخ ابن عساكر
ج4 ص334.
([12])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص401 عن ابن سعد في الطبقات (ط ليدن) ج2
ص92 وفي (ط دار صادر) ج1 ص334، والإصابة ج4 ص315.
([13])
راجع: الروض الأنف ج2 ص136 والبداية والنهاية ج3 ص101 و102
و103 و (ط دار إحياء التراث العربي) ص127 وسيرة مغلطاي ص25
والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص80، والسيرة النبوية لابن هشام
ج2 ص 25 ـ 28، والأغاني (ط ساسي) ج 8 ص85 و 86، والروض الانف
ج2 ص136، وسيرة مغلطاي ص 25، وتفسير الميزان ج6 ص 134، والسيرة
الحلبية ج2 ص262، ومحاضرات الأدباء المجلد الثاني ص418، والشعر
والشعراء لابن قتيبة ص135.
([14])
المصنف للصنعاني ج6 ص72 وج7 ص186 والسنن الكبرى ج9 ص248، وأسد
الغابة ج1 ص58.
([15])
المصنف للصنعاني ج6 ص72 و 73 وج7 ص186 والسنن الكبرى ج9 ص217.
([16])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص340 عن ابن سعد، وفي هامشه عن طبقات ابن
سعد (ط ليدن) ج2 ص65 وفي (ط دار صادر) ج1 ص300، وراجع: الإصابة
ج3 ص13.
([17])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص340 عن ابن سعد، وفي هامشه عن طبقات ابن
سعد (ط ليدن) ج1 ق2 ص45 وفي (ط دار صادر) ج1 ص301، وراجع:
الإصابة ج3 ص13، والآحاد والمثاني للضحاك ج3 ص178، والثقات
لابن حبان ج3 ص270، وأسد الغابة ج5 ص12، والإصابة ج4 ص560.
([18])
الإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج3 ص232.
([19])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص399 و 400 عن الطبراني في الكبير ج18
ص339 = = والإصابة ج3 ص253، ومجمع الزوائد ج10 ص242، وتهذيب
الكمال ج24 ص64، وتاريخ المدينة ج2 ص531، وراجع إمتاع الأسماع
ج4 ص355.
([20])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص399 والإصابة ج3 ص253 والإستيعاب (مطبوع
مع الإصابة) ج3 ص234، والمعجم الكبير للطبراني ج18 ص340،
والأحاديث الطوال للطبراني ص51، ومجمع الزوائد ج3 ص108.
([21])
الإصابة ج3 ص253، وتاريخ المدينة ج2 هامش ص523، والسيرة
الحلبية ج3 ص245.
([22])
راجع: الإصابة ج3 ص253 و 254، والمجموع للنووي ج2 ص152، ومقاتل
الطالبيين ص56، وأمالي المرتضى ج1 ص72، والنيسابوري في
المستدرك ج3 ص611، ومجمع الزوائد ج3 ص107 وج9 ص404 وج10 ص242،
وفتح الباري ج5 ص124، والأدب المفرد للبخاري ص203، وبغية
الباحث عن زوائد مسند الحارث لإ بن أبي أسامة ص152، والمفاريد
عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» للموصلي ص106، والأحاديث
الطوال للطبراني ص50، والإستيعاب ج3 ص1295، والتمهيد لابن عبد
البر ج4 ص213، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص128 و130، والطبقات
الكبرى لابن سعد ج1 ص294 وج7 ص36، ومعرفة الثقات للعجلي ج2
ص221، والثقات لابن حبان ج3 ص338 وج6 ص320، ومشاهير علماء
الأمصار لابن حبان ص68، وتاريخ مدينة دمشق ج40 ص359، وأسد
الغابة ج2 ص235 وج4 ص219، وتهذيب الكمال ج23 ص448 وج24 ص58 و59
و61، والإصابة ج2 ص505 وج5 ص367 و369، وتهذيب التهذيب ج8 ص357،
وغيرها.
([23])
الإصابة ج3 ص253 عن ابن مندة، وراجع هامش الأعلام للزركلي ج5
ص207 نقلاً عن الإصابة: ت 7194 وإمتاع الأسماع ج1 ص434
والنقـائض، (طبعـة = = ليدن) 1023 ورغبة الآمل ج3 ص10 وج4 ص99
و 234 ويؤخذ منه أنه كان يئد بناته في الجاهلية، وج5 ص144 و
148 والمرزباني ص324 وحسن الصحابة ص329 وخزانة البغدادي ج3
ص428 و 429 و 509 ومجمع الزوائد ج9 ص404 وسمط اللآلي 487
والمحبر 238 و 248، والتبريزي ج4 ص68 ومجالس ثعلب ص36.
([24])
الإصابة ج3 ص253 عن الزبير بن بكار وفي (ط دار الكتب العلمية)
ج5 ص367.
([25])
الأغاني ج12 ص159 و 160.
([26])
الإصابة ج3 ص254 وفي (ط دار الكتب العلمية) ج5 ص369.
([27])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص275 عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد
المسند، والشيرازي في الألقاب، وابن أبي خيمة، والحسن بن
سفيان، وابن شاهين، وأبي نعيم، وفي هامشه عن البداية ج5 ص74
ومكاتيب الرسول ج1 ص288 عن: الإصابة ج3 ص556 (8715) و ج2 ص276
(4535) في عبد الله بن الأعور، وأسد الغابة ج1 ص102 في ترجمة
الأعشى المازني و ج5 ص546 في معاذة، ومسند أحمد ج2 ص202 وأعلام
السائلين ص42 ورسالات نبوية ص265 والطبقات الكبرى لابن سعد ج5
ص50 وج7 ق1 ص37 و (ط دار صادر) ص53 و 54 والإستيعاب ج2 ص266
والبداية والنهاية ج5 ص74 والوثائق السياسية ص242/126 (عن جمع
ممن تقدم وعن الفائق للزمخشري في مادة «دين» ولسان العرب مادة
«اثب» و «ذرب» و «خلف» وديوان الأعشى المسمى بالصبح المنير
ص282 و 283 مع الحواشي عن المكاثرة للطيالسي ص13 وألف باء لأبي
الحجاج البلوي ج1 ص832 والمقاصد النحوية ج2 ص289 وحسن الصحابة
لعلي فهمي ص113 ومعجم الصحابة لابن قانع خطية: ورقة 11 ومجمع
الزوائد ج4 ص231.
([28])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص384 ومكاتيب الرسول ج3 ص503 عن: الطبقات
الكبرى لابن سعد ج1 ص302 وفي (ط ليدن) ج1 ق2 ص45 والبداية
والنهاية ج5 ص90 ورسالات نبوية ص148 ونشأة الدولة الإسلامية
ص365 ومدينة البلاغة ج2 ص294 والإصابة ج3 ص423 في ترجمة مطرف
بن عبد الله بن الأعلم. ومجموعة الوثائق السياسية ص312 و 216
عن الطبقات، ورسالات نبوية، وقال: قابل معجم البلدان مادة
عقيق، وانظر اشپرنكر ج3 ص513.
([29])
الآية 223 من سورة البقرة.
([30])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص413 عن أحمد، والبيهقي، وفي هامشه عن:
السنن الكبرى للبيهقي ج7 ص295 ومسند أحمد ج5 ص3 ودلائل النبوة
للبيهقي ج5 ص378، والمعجم الكبير للطبراني ج19 ص426، وفتح
القدير ج4 ص513، وتاريخ مدينة دمشق ج1 ص176 و178.
([31])
راجع: تقدمت مصادر ذلك في بعض فصول هذا الكتاب.
([32])
البحار ج57 ص251 و 218، ومجمع الزوائد ج4 ص6، ومسند أبي يعلى
ج12 ص523.
([33])
الآية 65 من سورة يس.
([34])
الآية 24 من سورة النور.
([35])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص309 عن ابن سعد وقال في هامشه: أخرجه
ابن سعد في الطبقات ج2 ص99، وفي (ط دار صادر) ج1 ص335، ومكاتيب
الرسول للأحمدي الميانجي ج1 هامش ص 250 نقلاً عن اليعقوبي ج2
ص55 وراجع تاريخ الأمم والملوك للطبري ج2 ص406 والبداية
والنهاية ج3 ص247 والبحار ج19ص174 و 187 والسيرة الحلبية ج2
ص135 والوثائق السياسية ص266 / 158 ـ ألف (عن اليعقـوبي، وعن
إمتـاع الأسماع للمقريـزي ج1 = = ص55 ) وراجع الطبقات الكبرى
ج2 ق1 ص 6 وراجع المفصل ج4 ص251 و 265 و 267 و 312 و 339 و 432
و 532 وج7 ص353 والدرر لابن عبد البر ص64 والمنتظم ج3 ص90.
([36])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص309 عن البخاري، وابن سعد، وابن مندة،
والمعجم الكبير للطبراني ج7 ص49، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1
ص337 وج7 ص90.
([37])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص309 عن ابن سعد، وفي هامشه عن الطبقات
الكبرى ج2 ص99، وأسد الغابة ج4 ص110 وج2 ص340، والطبقات الكبرى
لابن سعد ج1 ص336 وج7 ص89، وإرواء الغليل للألباني ج1 ص229،
وعون المعبود ج2 ص208، وفتح الباري ج8 ص19، والسنن الكبرى
للبيهقي ج3 ص92و 225، وسنن أبي داوود ج1 ص141، ومسند أحمد ج5
ص71، والمصنف ج1 ص379، وكنز العمال ج8 ص265.
([38])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص314 و 315 والطبقات الكبرى لابن سعد (ط
ليدن) ج1 ص324 ـ 326، والكافي ج8 ص71، والبحار ج22 ص137 وج57
ص232، ومستدرك البيسابوري ج4 ص82,، والدر المنثور ج3 ص284،
والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص325.
([39])
سبل الهدى والرشاد ج6 ص315 عن ابن سعد، والطبقات الكبرى لابن
سعد (ط ليدن) ج2 ص90، وفي (ط دار صادر) ج1 ص326.
([40])
الآيتان 97 و 98 من سورة النساء.
([41])
الدر المنثور ج6 ص319 عن عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي
حاتم، وتفسير ابن أبي حاتم ج10 ص 3404 و3406، وتفسير إبن كثير
ج4 ص509.
([42])
راجع: الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج3 ص73 وكنز العمال ج3 ص59
وتذكرة الخواص ص157 والمناقب للخوارزمي ص48 وسنن أبي داود ج4
ص114 و 140 وفرائد السمطين ج1 ص66 وذخائر العقبى ص81 والغدير
ج6 ص102 وسنن ابن ماجة ج1 ص659 والمستدرك للحاكم ج2 ص59 و ج4
ص389 وجامع الأصول ج4 ص271 وتيسير الوصول ج2 ص8 والرياض النضرة
ج3 ص144 وحاشية الحفنى على الجامع الصغير ج2 ص258 ومصباح
الظلام ج2 ص136 وفتح الباري ج12 ص121 وعمدة القاري ج23 ص292
والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص264 وإرشاد الساري ج4 ص14 وج10 ص9
عن البغوي، وأبي داود، والنسائي، وابن حبان، وفيض القدير
للمناوي ج4 ص357 وصحيح البخاري (كتاب المحاربين: باب لا يرجم
المجنون ولا المجنونة).
|