صفحة :57-60   

الجواب على المرفق الثاني

بسمه تعالى

 والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

حضرة عبد الرحمان دمشقية المحترم..

[أين هو الرد؟!:]

وصلتني رسالتك، ووصلتني أيضاً المقالة التي قلت: إنك رددت بها على كتابنا (مراسم عاشوراء).. وحين قرأتها لم أجد فيها أي شيء يمكن أن يسمى رداً على ذلك الكتاب، بل هي لم تذكر المراسم أصلاً، ولا ذكرت أياً من الاستدلالات التي فيه، ولا رداً منك عليها. الأمر الذي جعلني أحتمل أن ثمة اشتباهاً قد حصل..

نعم.. هي قد تحدثت عن أمر غريب عنا نحن الشيعة، وهو اتهامنا بأننا نفضل كربلاء على مكة..

وذكرت: أنني قد ذكرت ذلك في جواب السؤال رقم (19) من كتاب (مختصر مفيد). وقد رجعت إلى ذلك الكتاب، فلم نجد فيه شيئاً مما نقله عنا [مع أنه قد روي عن امامنا السجاد «عليه السلام»: ان أفضل البقاع ما بين الركن والمقام([1]). وهناك أحاديث أخرى تدل على ذلك] ([2]).

كما أن هناك مجموعة من الأمور التي أوردتها في تلك المقالة بأسلوب شتائمي، تكفيري خشن، مع باقة من قواذع القول، وعوار الكلام. من دون أن تتضمن أي رد أو نقاش علمي، لا لنا ولا لغيرنا على الإطلاق..

[لا نبادلك بالمثل:]

ولئن حاولت التشنيع علينا بأمور لا واقع لها، أو لا يصح التشنيع بها على مسلم.. فإننا لم ولن نرد عليك بنفس الأسلوب، لأننا ننأى بأنفسنا عن الدخول في مهاترات لا ثمرة لها إلا الفتنة، وتحريك العصبيات بطريقة لا يرضاها الله تعالى، ولا يقرها عقل، ويأباها الخلق الرفيع، وينفر منها الوجدان الإنساني الطاهر..

نقول هذا.. مع أننا نرى: أن لدينا الكثير من الحقائق المحرجة لك، مما لا يمكنك التهرب منه، ولا الاعتذار عنه..

فلئن عيرتنا بأمور لا واقع لها، أو غير مرضية عندنا، فإننا لن نبادلك هذا الفعل بمثله.. ولكننا ندعوك إلى الدخول معنا في نقاش علمي وموضوعي رصين، مستند إلى معايير علمية صحيحة، فإن أظهرت الحجة أن الحق هو ما تقول أنت، فسنكون مع الحق الذي معك، وإن أظهرت الحجة أن الحق معنا، فإننا لن نتدخل في خيارك، بل نترك الأمر إليك، والمسؤولية أمام الله تكون عليك..

[نحن مستعدون للنقاش العلمي:]

ثم إننا لا نمانع في أن نبدأ نقاشنا العلمي هذا بواحدة من تلك النقاط التي أثرتها أنت في مقالتك التي أحببت أن تطلعنا عليها..

وليس لنا أي شرط مسبق معك، سوى شرط واحد، وهو أن لا تخرج عن موضوع البحث في أي نقطة حتى ننهي البحث في النقطة التي سبقتها.. وستجدنا إن شاء الله ملتزمين بأدب الخطاب معك، سائرين على نهج القرآن، متخلقين بأخلاق الإسلام..

[الخلق الكريم:]

أما أنت، فرغم أنك كنت المبادر للتحامل، والأذى، فإننا لا نحب لك ولأي كان من الناس أن يكون فظاً غليظاً. لا سيما إذا كنت تضع نفسك في موقع الداعية. إذ لا يليق بك أن تكون أول من يخالف قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ([3]).

كما أنه سبحانه قد أثنى على الخلق الكريم لنبيه العظيم «صلى الله عليه وآله»، فقال: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ([4]).

[الشتائم لا تغير الواقع:]

على أن من الواضح: أن الشتائم، والتهويشات الرعناء، والسباب، والأذى، واختلاق الأباطيل لا تثمر هداية إلى الحق، لأن الحق نور، ودلالة شرف، وكرم، وإشراق، وأنس، ورحمة، ورضى، ومحبة، وسكينة، وإنصاف، وسجاحة خلق.. وليس جفاء، وغلظة، وسباباً، وشتماً، وتكفيراً، ورعونة..

[فرض الرأي بلا دليل:]

هذا مع العلم: بأنه لا يمكن فرض الرأي على الآخرين بالقوة، وقد قال تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ([5])، بل الحق يفرض نفسه بالحجة الواضحة، والدلائل اللائحة، وبالكلمة الهينة اللينة والطيبة. وقد روي: «كونوا دعاة إلى لله بغير ألسنتكم».

ولكننا مع ذلك نقول لك:

إن باب الحوار العلمي والموضوعي مفتوح أمامك، ونحن ندع أسلوبك وطريقة حوارك، فلا نريد أن نشترط عليك فيه شيئاً.

فأنت وما تختار، ولن يصدنا عن الحوار معك ما تظهره من غلظة وفظاظة ما دمت ملتزماً بمعايير الحوار العلمي الصحيحة، لأن همنا هو الوصول إلى الحق، حتى لو كلفنا ذلك: أن يظلمنا الظالمون، ويعتدي علينا المعتدون، فالحق أغلى من كل غال، وأنفس من كل نفيس.

ولعل بعض الناس قد أصبح الظلم والعدوان خلقاً لهم، ويصعب عليهم التخلي عنه، ونحن نؤمن: بأن الطبع يغلب التطبع، وما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه أو على صفحات وجهه، وكل إناء بالذي فيه ينضح. ونحن قدوتنا نبينا الأعظم «صلى الله عليه وآله»، وأئمتنا الطاهرون..

نسأل الله تعالى أن يوفقنا للتخلق بأخلاق القرآن والاعتصام به، وبما جاء به رسوله الأعظم «صلى الله عليه وآله».

ونختم كلامنا بالتأكيد مرة أخرى على أنك إن أردت الحوار العلمي والموضوعي، فأبواب الحوار مشرعة أمامك. وليس لدينا «فيتو» على أي موضوع تختاره.

والحمد لله، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين..

11/1/1431 هـ.

جعفر مرتضى العاملي


([1]) بلاغة الإمام علي بن الحسين ص279 والأمالي للطوسي ص28 وبشارة المصطفى للطبري الإمامي..

([2]) ما بين المعقوفتين إضافة لاحقة للتوضيح.

([3]) الآية 125 من سورة النحل.

([4]) الآية 159 من سورة آل عمران.

([5]) الآية 256 من سورة البقرة.

 
   
 
 

موقع الميزان