بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق
الله محمد بن عبد الله رسول الرحمة ونبي الأمة وعلى أهل بيته وأصحابه
أجمعين، أما بعد:
سماحة الأخ السيد جعفر مرتضى العاملي (حفظكم الله
وأيدكم)..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أشكر الله تعالى على كثير نعمه، ومن تلك النعم: أن أنعم
علي بأخ عالم فقيه، جمع العلم، والأخلاق الحميدة، التي أمست نادرة في
وقتنا هذا، إنما عنيت بهذا سماحتكم..
ولا أخفي عليكم أنني قد وقعت تحت تأثير المفاجأة
الكبيرة حين تلقيت منكم هذا الجواب، الذي أعتبره جواباً عميقاً، قد
أجاب عن كل التساؤلات التي تدور في ذهني والتي ألمحت عنها من خلال
سؤالي، فما كان منكم إلا التصريح عن مكنونات ما دار في ذهني، وهذا لا
يكون إلا من عالم مجتهد، أدعو لكم بطول العمر والعافية، وما فيه خير
لدين الله وإظهار الحق.
وللأمانة إنني ما زلت نادماً على ما ادعيته جزافاً
عنكم، في تلك المقالة وأرجو منكم المعذرة، وإنني منذ تلقيت ردكم علي ما
زال إعجابي يكبر، والمحبة تزيد في قلبي تجاهكم، وأرجو من الله التوفيق
والسداد لما يحب ويرضى.
أخي سماحة السيد جعفر مرتضى (أيدكم المولى)..
أولاً:
أريد أن أوضح مسألة مهمة وهي عن طريقة البحث ـ وأحمد الله أن وفقني
لعالم مجد من أمثالكم ـ التي أنتهجها في التفكير والاستدلال، فأنا لست
أشعري العقيدة، بل أنا من أصحاب القول بوجوب إعمال العقل والمنطق في
الوصول إلى الحق، وهذا المنهج الذي ينفر الكثير من أصدقائنا منه
ويعتقدون بأنه مخالف لما يريد الله ورسوله، مع أن الأدلة المسوقة إلينا
من الكتاب والسنة النبوية الشريفة تحث على ذلك فقد قال تعالى: ﴿إِنَّ
فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾.
وقوله عز وجل: ﴿فَبَشِّرْ
عِبَادي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو
الْأَلْبَابِ﴾.
وعن النبي (صلى الله عليه وسلم):
«قوام المرء عقله، ولا دين لمن لا عقل له».
وعنه (صلى الله عليه وسلم):
«استرشدوا العقل ترشدوا، ولا تعصوه فتندموا».
فإنني أعمل جاهداً وأحث الآخرين على هذا، فقد نهى الله
تعالى عن إهمال هذه النعمة الكبيرة، فقد قال تعالى: ﴿وَلَا
تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ إِنَّ
شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا
يَعْقِلُونَ﴾.
وقوله أعز من قائل: ﴿وَلَقَدْ
ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ
قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ
بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ
كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.
من هنا كان التصميم عندي منذ بدأت دراستي الدينية على
أن أكون من أهل الصواب، ومن الذين يعملون عقولهم لا كالذين يقولون: ﴿إِنَّا
وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ
مُهْتَدُونَ﴾.
ثانياً:
إن ما دفع بالسلطة السياسية في زمن الدولة العباسية إلى تحديد مذاهب
التقليد بالمذاهب الأربعة هو من باب نظم الأمور، وذلك لأن تلك المذاهب
تناسب ما تريده السلطة في ذلك الحين نعم وإن إقفال الاجتهاد لهو شيء
مقيت وهم بذلك لم يرجعوا إلى الله ورسوله، وحتى إلى المنطق.
وتأييداً لم طرحته علي من أسئلة حول أصحاب المذاهب وما
يرونه حول آرائهم، أجدك محقاً، بل إنني أزيد من المؤيدات عليه، فقد قال
مالك: «الكل يؤخذ عليه ومنه إلا من هذا فإنه فقط يؤخذ منه» وقد أشار
إلى قبر النبي (صلى الله عليه وسلم). من هنا يا سماحة السيد أؤيدك فيما
تقول، لذلك تجد التخبط في فقه السني مما يخالف ما يريده رسول الله (صلى
الله عليه وسلم)، لكن ما جعل أمر المذهب كذلك هم من تسلطوا على الرقاب
ونشروا الرعب والإرهاب باسم الدين والإسلام، وهما منهم براء. وهناك
أمثلة كثيرة من التاريخ الإسلامي، وأوضحها ما حصل على السبط الشهيد
سيدنا الحسين بن علي (رضوان الله عليه) على يد يزيد عليه لعنات الله.
أريد منكم أن لا تستغرب مني هذا القول، فهذا ما يجب أن يكون عليه
العالم المنصف الذي يبحث عن الحق وأهله..
ثالثاً:
أما عن المصوبة وتبديل رأي الله عز وجل حسب فتوى المجتهد فهذا عين
البداء الباطل الذي ينافي علم الله عز وجل، من هنا أنتهز تلك الفرصة
لأسئلكم عن البداء الذي يعتقد به الشيعة والذي قرأت شيئاً عن هذا
الموضوع في كتابكم الصحيح من سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم).
فما هي حقاً عقيدتكم بهذا الموضوع؟!
رابعاً:
ذكرتم حفظكم الله أن أهل الذكر هم خصوص أهل بيت النبوة (صلوات الله
عليهم)، فهذا يدل على أنهم وحسب ما تلمحون إليه من أهل العصمة الذين لا
يصدر عنهم الزلل والخطأ والخطل، لأن الحفظة كما عبرتم يجب أن يكونوا
معصومين إن كانوا عدلاً للقرآن الكريم كما أشارت له الأحاديث التي
ذكرتها مع مصادرها، وهذا كلام يدخل الوجدان والفؤاد، لكن تلميحكم يحتاج
للتوضيح، وأرجو أن تفيدونا بهذا أكثر فإنني قد وقفت عند هذه المسألة،
فهل يجوز أن يكون هناك معصوم غير الأنبياء، قد يعصم الإنسان نفسه وهذا
مقدور للناس مع السير نحو الله عز وجل؟! ولكن هل عصمتهم كعصمة
الأنبياء، وبعبارة أخرى هل عصمتهم تكوينية أم غير ذلك؟!
وإن كان هؤلاء (الحفظة) و (أهل الذكر) لديهم تلك
العصمة، فمن أين لهم القدرة على استنباط الأمور والجواب على الأمور
المحدثة، التي حصلت في عهدهم، وقد انقطع الوحي بعد وفاة النبي (صلى
الله عليه وسلم)، أو استشهاده كما عبرت سماحتكم؟! فإن قلنا: إنهم لهم
القدرة على ضبط الأحكام كما علمها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) وذلك بسبب العصمة،
فكيف كانوا يصلون إلى مقاصد الشريعة، وإلى الحكم الشرعي، دون إعمال
الاجتهاد، أو مع انقطاع الوحي باستشهاد النبي (صلى الله عليه وسلم)؟!
خامساً:
لقد فهمت من خلال جوابكم الكريم أن العترة هم خصوص أهل البيت (صلوات
الله عليهم) دون زوجاته، أو أعمام النبي (صلى الله عليه وسلم)، أو
زوجاته؟ فهل هم أولاد فاطمة بنت النبي (عليها صلوات الله)؟ ولماذا خصوص
هؤلاء لا غيرهم من ولد علي أو من الحسنين (عليهم رضوان الله)؟!
وأخيراً..
أشكر لكم هذا الاهتمام، والتوسيع الذي كان في محله،
وأسأل الله التوفيق والتسديد وأن يجعلنا وإياكم من الذين يسترشدون بهدي
محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم)، إنه سميع مجيب الدعوات..
أخوكم الشيخ (ص..)..
22 / محرم / 1431 هـ. الموافق 8/1/2010م
|