بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد
و آله الطاهرين..
الاخ الكريم العلامة الشيخ (ص..)، دمت مؤيداً
ومسدداً.
السلام عليكم، و على جميع من تحبون ورحمة الله و
بركاته..
و بعد ..
فقد تلقيت رسالتكم الكريمة، بيد الشكر والتقدير.
وحمدت الله تعالى على أنكم على خير ما أتمناه لكم من الصحة
والعافية والتوفيق والتسديد، وشكرته سبحانه على أن أفادني أخاً في
الله، فاضلاً، نبيلاً، وكريماً عزيزاً، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم
ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ورضي الله عنكم وأرضاكم في
الدنيا والآخرة.
أخي الكريم الفاضل..
تضمنت رسالتكم الميمونة أموراً، أحب التوقف عندها..
ولكن مع توخي الإختصار قدر الإمكان، وهي التالية:
قلتم:
إنه قد وقع خطأ في رسالتنا السابقة التي أرسلناها إليكم، وأن
الصحيح هو: أن يكون العنوان: (فوائد الإعتقاد بالبداء) بدل (فوائد
الإعتقاد بالضلال).
وأقول: نعم هذا خطأ مطبعي واضح، ومن سهو القلم
الجامح، فسبحان من لا يسهو ولا يخطئ. وإنني أهنئنكم على هذه
الملاحظة القيمة، وأدعو لكم الله تعالى بأن يسدد خطاكم، ويأخذ
بيدكم إلى كل فلاح وخير، ويبعدكم عن كل سوء وضير.. إنه سميع قريب،
مجيب الدعاء..
قلت:
لقد ذكرت في معرض الإجابة أن علياً «عليه السلام»
فلما خصصته بهذا السلام، لأنه من المتعارف عليه أن هذه الآداب
بالتسليم (أي قول: «عليه السلام») لا تكون إلا للأنبياء «عليهم
السلام»..
فهل مقام الوصاية يجعل علياً يرتقى إلى مصاف
الأنبياء؟! إلى آخر ما ذكرتم..
ونجيب بما يلي:
أولاً:
إن الأمر المتعارف، أي الذي يفرضه الناس فيما يرتبط بطريقة التعامل
مع الأشخاص، لا يجعل هذا الأمر العرفي من الواجبات الشرعية التي لا
يجوز التخلف عنها. إلا إذا كان الشارع نفسه قد أمضى أو قرر هذه
الآداب، وفرضها على البشر كما هو الحال بالنسبة لنبينا الأكرم «صلى
الله عليه وآله»، فإنّ الله تعالى قد فرض علينا آداباً معه أوجب
علينا رعايتها، فقال: ﴿لَا
تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا
تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ﴾
وقال: ﴿لَا
تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾..
وقال: ﴿مَا
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾.
أما ما يأتي به العرف، فيمكن أن يذهب به العرف
نفسه.
ثانياً:
إنّ هذا التسالم العرفي الذي أشرتم إليه غير ثابت، فإن غير الشيعة
أيضاً يخصون علياً «عليه السلام» بهذا التعبير، وشرح نهج البلاغة
لابن أبي الحديد المعتزلي (الشافعي) ملتزم في كتابه هذا بهذه
العبارة بالذات.. كما أن الكثيرين من غير الشيعة الذين كتبوا حول
الأئمة من أهل البيت «عليهم السلام» قد استفادوا من هذا التعبير،
كما يعلم بالمراجعة..
ثالثاً:
مع غض النظر عن هذا وذاك نقول:
إن كان السلام بمعنى التسليم، فلا ضير فيه، لأن
الناس من الشيعة ومن غيرهم يسلمون على النبي «صلى الله عليه وآله»
حين زيارته، وعلى غيره أيضاً. وكان ابن عمر يفعل ذلك أيضاً([1])
والله تعالى قد جعل السلام تحية الإسلام.
ونحن نعتقد:
أن الأئمة، وأوّلهم علي «عليهم السلام» كانوا شهداء، والشهداء
أحياء عند ربهم يرزقون، فلماذا لا نسلم عليهم؟! ألستم تسلمون على
أهل القبور؟!([2])،
ونحن نقول لهم أيضاً: «السلام عليكم يا أهل لا اله إلا الله من أهل
لا اله الا الله».
ونقول:
«السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة»..
وإذا تدبرنا في المضمون، فإننا
سنجد ـ بناءً على هذا ـ:
أن قولنا لأي مؤمن: عليك السلام، أو عليه السلام،
لا يختلف عن قولنا عن أحد أئمتنا: «عليهم السلام»، أو أن نقول في
زيارتنا له: «السلام عليك».
وقد أمر الله رسوله «صلى الله عليه وآله» أن يقرئ
خديجة السلام..([3]).
وفي القرآن إشارات وتصريحات بالتسليم على غير
الأنبياء، فقد قال تعالى: ﴿سَلَامٌ
عَلَيْكُمْ﴾،
وقال تعالى لنبيه: ﴿وَإِذَا
جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ
عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾،
وقال: ﴿وَقَالَ
لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا
خَالِدِينَ﴾،
وقال: ﴿سَلَامٌ
عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾.
بل إن إبراهيم «عليه السلام» قد قال لأبيه آذر: ﴿قَالَ
سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾.
وأمّا إن كان المراد بكلمة «عليه السلام» الدعاء،
فلا إشكال في السلام على غير الأنبياء أيضاً، إذ لا مانع من الدعاء
لأي مؤمن بأن يكون مشمولاً للسلام الإلهي، فما بالك بمن جعله الله
في آية المباهلة نفس رسول الله صلى الله عليه وآله، أعني علياً
«عليه السلام»، فإنه هو الذي يستحق هذا السلام، بصبره وجهاده،
وتضحياته، وعبادته وزهده وتقواه. كما دلت عليه الآيات المشار إليها
آنفاً.
وهذا لا ضير فيه من ناحية
المضمون أيضاً، فهو من قبيل قولك:
«رحمه الله»، أو «رضي الله عنه»، وقولك عن النبي:
«صلى الله عليه وآله».. وما إلى ذلك..
رابعاً:
واللافت هنا: أنكم أنتم في نفس رسالتكم هذه التي تضمنت سؤالكم هذا
قد صليتم وسلمتم على غير الأنبياء، فقلتم:
والصلاة والسلام على:
1 ـ
من بعث رحمة للعالمين .
2 ـ
وعلى آله الذين اصطفى من بعده.
3 ـ
وعلى من والاهم أجمعين.
فلماذا جاز لكم أن تسلموا على أهل البيت، وعلى من
والاهم، ولا تجيزون ذلك لغيركم؟!
وأليس ذلك إلا لأن المرتكز في ذهنكم: أن معنى
سلامكم هذا هو طلب مشموليتهم بالرحمة والسلام؟! وهذا هو نفس معنى
قولنا: «عليه السلام»، فإنه طلب من الله: أن يشمل من نسلم عليه
بسلامه كما ذكرنا.
قد يدّعى: أن منشأ اختصاص التسليم بالأنبياء «عليهم
السلام» هو الآية الكريمة: ﴿إِنَّ
اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾.
ونجيب بما يلي:
ألف:
إن المراد بالتسليم في هذه الآية هو الخضوع والإنقياد والاستسلام،
لا أن يقول القائل: «عليه السلام». ولو كان هذا هو المراد، لكان
الأحرى أن يقول: «وَسَلِّمُوا سلاماً»، بدل قوله: ﴿وَسَلِّمُوا
تَسْلِيماً﴾.
ب:
حتى لو سلمنا جدلاً بأن المراد بهذه الآية هو أن نقول: «عليه
السلام»، فإننا نقول:
لما اختص التسليم بهم ولم تختص الصلاة بهم أيضاً،
لأن الصلاة في الآية أيضاً لا تختص بالأنبياء، فقد قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ
عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾،
وقال: ﴿هُوَ
الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً﴾([4]).
وذلك معناه:
أن الصلاة تكون على النبي وعلى غير النبي.
يشهد لذلك:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أمرنا بأن نصلي
عليه الصلاة الإبراهيمية، ونهانا عن أن نصلى عليه الصلاة البتراء،
والصلاة الإبراهيمية تتضمن الصلاة على أهل البيت، فإذا كان علي
«عليه السلام» هو سيد أهل بيت النبوة، فهذا الأمر يدل على أن له
مقاماً يفرض علينا التعامل بما يقتضيه ذلك المقام..
فإن كان قد حدث بين الناس عُرْفٌ يقضي بتخصيص
الأنبياء «عليهم السلام» بخصوصية بعينها، فإن رسول الله «صلى الله
عليه وآله» نفسه قد أخرج علياً وأهل البيت من سائر الناس، وبيَّن
لنا كيفية الصلاة عليهم بنحو دلّنا على أن ثمة خصوصية في أهل البيت
(بيت النبوة) توجب تعظيمهم وتخصيصهم بما لا يُعَظَّم و لا يُخَصَّص
به غيرهم..
وقد ألمحتم إلى أن الصحيح هو أن يقال:
«صلى الله عليه وعلى آله». لا أن يقال: «صلى الله
عليه وآله»، إذا لا يصح العطف على الضمير إلّا بإعادة الجارّ..
و نجيب بما يلي:
إن ما ذكرتموه في أمر الصلاة على النبي «صلى الله
عليه وآله» غير صحيح، فقد ورد في القرآن الكريم العطف على الضمير
من دون إعادة الجار، وذلك في عدة موارد، نذكر منها:
1 ـ
قوله تعالى: ﴿..وَمَن
لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾
([5])،
بعد قوله: ﴿وَجَعَلْنَا
لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ..﴾،
أي: ولمن لستم له برازقين.
2 ـ
قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ
عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ
كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالمَسْجِدِ
الحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ
وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ
يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ
اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ
وَهُوَ كَافِرٌ فَأوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ وَأوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ﴾([6]).
فقد عطف كلمة:
«المسجد» على الضمير في كلمة: «به»، من دون أن يعيد الجار، حيث لم
يقل: «وكفر به، وبالمسجد الحرام».
وليس معطوفاً على كلمة «سَبِيلِ»، لأنه صلة للمصدر
وهو كلمة: «وَصَدٌّ».
وقد رأينا:
أنه قد عطف على المصدر ـ وهو كلمة: صدٌ ـ قوله: «وَكُفْرٌ»، ولا
يعطف على المصدر حتى تكمل معمولاته، فلما عطف عليه كلمة: «كُفْرٌ»
كان ذلك أمارة على أن كل ما يأتي بعد هذه الكلمة ليس من معمولاته،
فيتعين أن تكون كلمة: «المَسْجِدِ» معطوفة على الهاء في «بِهِ».
إن قلت:
لعله معمول لمصدر محذوف، تقديره: «وَصَدٌّ عَن المَسْجِدِ».
فالجواب:
أن المصدر لا يعمل محذوفاً.
وقد صرح أبو حيان أيضاً:
بأنه لا يجوز الفصل بين المصدر وصلته، فلا يصح جعل كلمة المسجد
معمولة للمصدر، الذي هو كلمة: «صَدٌّ».
3 ـ
وقرأ حمزة: ﴿وَاتَّقُواْ
اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ..﴾([7])
بجر كلمة «وَالأَرْحَامِ» عطفاً على الضمير، من دون إعادة الجار.
وهي أيضاً قراءة ابن رزين، وابن مسعود، وابن عباس، والقاسم،
وإبراهيم النخعي، والأعمش، والحسن البصري، وقتادة، ومجاهد، ويحيى
بن وثاب.
وقالوا:
إن هذه القراءة مروية عن النبي «صلى الله عليه وآله»([8]).
بل في كلام بعضهم:
أنها متواترة عنه «صلى الله عليه وآله»([9]).
4 ـ
وقد يستدل بقوله تعالى: ﴿قُلِ
اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾([10])،
بعطف ما يتلى على الضمير في كلمة: «فيهن».
5 ـ
بل قد يستدل بقوله تعالى: ﴿لَكِنِ
الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ
بِمَا أنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالمُقِيمِينَ
الصَّلاَةَ﴾([11])
بعطف كلمة: «والمقيمين» على الكاف في «إليك» أو الكاف في «قبلك».
وإن كنا نناقش في الآيتين الأخيرتين، باعتبار أن
قوله تعالى: ﴿وَمَا
يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾
يمكن أن يكون معطوفاً على لفظ الجلالة. أي: أن الله يفتيكم،
والقرآن يفتيكم أيضاً.
كما أن قوله:
«والمقيمين» منصوب بفعل محذوف وتقديره أخص.
هذا وقد قال أبو زرعة:
«أنكروا أيضاً: أن الظاهر لا يعطف على المضمر
المجرور إلا بإظهار الخافض، وليس بمنكر. وإنما المنكر أن يعطف
الظاهر على المضمر الذي لم يجر له ذكر، فتقول: مررت به وزيد. ليس
هذا بحسن. فأما أن يتقدم للهاء ذكر فهو حسن، وذلك (عمرو مررت به
وزيد)، فكذلك الهاء في قوله: ﴿تَسَاءلُونَ
بِهِ﴾
وتقدم ذكرها ﴿وَاتَّقُواْ
اللهَ﴾»([12]).
6 ـ
قد جوَّز الكوفيون، ويونس، وأبو الحسن، والشلوبين عطف الظاهر على
الضمير بدون إعادة الجار.
7 ـ
وقال الشاعر، وهو الأعشى، أو عمرو بن معدي كرب، أو خفاف بن ندبة:
فاليوم
قَـرّبْتَ تهجونـا ولا عجب فاذهـب فما بك والأيامِ من عجب
بجر كلمة «الأيام» عطفاً على الكاف في كلمة «بك».
8 ـ
وقال الشاعر:
لو كـان لي
وزهـيرٍ ثالـث وردت من الحـمـام عـدانـا شـر مــورود
بجر كلمة «زهيرٍ» عطفاً على الياء، في كلمة «لي».
9 ـ
وقال آخر:
إذا بنــا
بـل أنيسـانِ اتـقـت فئـة ظـلــت مـؤمـنــة ممـن
تعــاديهـا
فقد عطف كلمة «أنيسانِ» على الضمير في قوله «بنا»،
والعاطف هو كلمة «بل».
10 ـ
وقال آخر:
ابــك
آيـــة بــي أو مصـــــدر مـن حمـــر الحــلـة جـاب
جسور
بجر كلمة «مصدرٍ» عطفاً على الياء في كلمة «بي».
11 ـ
وقال الشاعر:
أكــر عـلى الـكتـيـبـة لا أبـــالي
أفـيـهــا كـان حتـفـي أم سـواهـا
فكلمة «سواها» معطوفة على ضمير الغائب وهو «الهاء»
في كلمة «فيها».
12 ـ
وقال آخر:
إذا أوقـدوا
نـاراً لحـرب عدوهم فقـد خاب من يصلى بها وسعيرِها
فكلمة «سعيرِها» معطوفة على الهاء في كلمة «بها».
13 ـ
وقال آخر:
بنـا أبـداً
لا غـيرنـا تـدرك المـنى وتـكـشف غماء الخطوب الفوادح
فكلمة «غيرنا» معطوفة على الضمير في كلمة «بنا».
14 ـ
وقال آخر:
هـلا سألت
بـذي الجماجم عنهم وأبـي نـعـيـم ذي اللـواء المـحرق
فكلمة «أبي نعيم» معطوفة على الضمير في كلمة
«عنهم».
15 ـ
وقول الآخر:
تعـلـق في
مثـل السواري سيوفنا ومـا بينهـا والكعب غـوط نفانف
فكلمة «والكعب» مجرورة عطفاً على الضمير في كلمة
«بينها».
وبعد..
فلا مجال لحمل هذه الأشعار كلها على الضرورة، ولا يصح رميها
بالشذوذ، وهي بهذه الكثرة.
16 ـ
وفي جميع الأحوال نقول:
قال ابن مالك في ألفيته:
وعود
خـافـض لدى عطف عـلى ضـمـير خـفـض لازماً قد
جعـلا
وليـس عنـدي لازمــاً إذ قـد أتى في الـنـظـم والـنـثر
الصحيح مثبتا
17 ـ
على أن من الممكن القول: إذا جاز الإبدال والتأكيد للضمير بالظاهر،
من غير إعادة الجار، فلماذا لا يجوز العطف عليه من دون ذلك؟!
وما زعموه من أن الضمير كالتنوين.. فلا بد في العطف
من إعادة الجار.. غير صحيح، لأن هذا التعليل لو صح لاقتضى عدم جواز
العطف عليه مطلقاً حتى مع إعادة الجار، إذ لا يجوز العطف على
التنوين، بل ذلك يقتضي أن لا يجوز التوكيد، ولا الإبدال منه.
ولو صح قولهم:
إن الضمير بمنزلة التنوين، للزم القول بعدم صحة العطف على الضمير
المنصوب أيضاً، مع أنهم قد جوزوا أن يقال: رأيتك وزيداً، فلماذا
جاز العطف عليه في حال النصب، إذا كان بمنزلة التنوين؟!
وآخر كلمة نقولها هنا:
هو أن ما يزعمونه من محاذير، وما يقدمونه من توجيهات للمنع لا يصلح
لإثبات ذلك، مع ورود ذلك في الآيات وغيرها مما ذكرناه..
ولعل في السابقين من كان يريد أن يضيف كلمة «على»
إلى الصلاة على النبي وآله «صلى الله عليه وآله»، ليوهم بعض الناس:
بأن صلاتنا على النبي «صلى الله عليه وآله» تختلف عن الصلاة التي
على الآل، فهذه من سنخ، وتلك من سنخ آخر.
أما مع العطف بدون إعادة الجار، فإن الصلاة عليهما
تكون من سنخ واحد.. وهذا ما كان يسعى لإبعاده عن مخيلة الناس
العاديين.. ولكن ما ذكرناه قد بين بطلان مسعاه.
وأكتفي بهذا القدر، وأستودعكم الله.. والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته..
28/محرم الحرام/1431 هـ. الموافق 14/1/2010م.
جعفر مرتضى العاملي
([1])
راجع: المجموع لمحيى الدين النووي ج8 ص274 والمغني لعبد الله
بن قدامة ج3 ص591 والشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ج3 ص496
وكشاف القناع للبهوتي ج2 ص600 وسبل الهدى والرشاد للصالحي
الشامي ج12 ص390.
([2])
راجع: الجامع لأحكام القرآن ج5 ص301 وتفسير الآلوسي ج6 ص125
ومجمع الزوائد ج3 ص60 وعمدة القاري ج8 ص69 والمعجم الأوسط للطـبراني
ج8
= =
ص129 والمعجم الكبير للطبراني ج19 ص446 وسبل الهدى والرشاد ج8
ص386 والمنتخب من ذيل المذيل ص70.
([3])
راجع: مسند أحمد ج2 ص231 وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج4 ص231
وج8 ص197 وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج7 ص133 وفضائل الصحابة
للنسائي ص75 والمستدرك للحاكم ج3 ص185.
([4])
الآية 43 من سورة الأحزاب.
([5])
الآية 20 من سورة الحجر.
([6])
الآية 213 من سورة البقرة.
([7])
الآية 1 من سورة النساء.
([9])
البحر المحيط لأبي حيان ج3 ص159.
([10])
الآية 127 من سورة النساء.
([11])
الآية 162 من سورة النساء.
([12])
حجة القراءات ص190.