صفحة :   

الرواية تفسر القرآن:

لقد رويت روايات كثيرة جداً تؤكد على أن المقصود بـ «أهل البيت» في الآية الشريفة هم أهل الكساء، وقد رواها العلماء والمحدثون على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم. وهي متواترة من طرق أهل السنة فضلاً عن تواترها من طرق الشيعة أيضاً.

وأهل الكساء هم: النبي «صلى الله عليه وآله»، وعلي، وفاطمة، والحسنان «عليهم السلام».

وقد قال المحقق الكركي «رحمه الله»: «إنه قد بلغ التواتر، وأفاد اليقين، دع عنك ما رواه الشيعة، فيما لا يبلغه الحصر والعد نهايته. وأي رواية في السنة أثبت من هذه الرواية، التي قد اتفق على نقلها رواة أهل السنة، ورجال الشيعة الإمامية، أهل الحق، الذين هم خاصة «أهل البيت» وخالصتهم. وإذا تطرق إليها منع السنة، لم يبق في السنة شيء إلا وتطرق إليه المنع»([1]).

وعلى حد تعبير الحسكاني: «قد كثرت الرواية فيه»([2]).

وعلى حد تعبير آخر: «لا تحصى كثرة»([3]).

وقال بعض آخر: «أجمع المفسرون، وروى الجمهور»([4]).

وفسروا ذلك: بأنهم أجمعوا على شمول الآية لأهل الكساء، والخلاف إنما هو في دخول زوجاته، أو المراد: إجماع من يعتد بقوله في أمر النزول وشبهه. وقد تقدم نقل ذلك.

وقال العلامة الطباطبائي «رحمه الله»: «وهي روايات جمة، تزيد على سبعين حديثاً، يربو ما ورد منها من طرق السنة على ما ورد منها من طرق الشيعة، فقد رواها أهل السنة بطرق كثيرة عن أم سلمة، وعائشة، وأبي سعيد الخدري، وسعد، وواثلة بن الأسقع، وأبي الحمراء، وابن عباس، وثوبان مولى النبي، وعبد الله بن جعفر، وعلي، والحسن بن علي «عليهم السلام» في قريب من أربعين طريقاً.

وروتها الشيعة عن علي، والسجاد، والباقر والصادق والرضا «عليهم السلام»، وأم سلمة، وأبي ذر، وأبي ليلى، وأبي الأسود الدؤلي، وعمرو بن ميمون الأودي، وسعد بن أبي وقاص في بضع وثلاثين طريقاً»([5]).

ولكن يتضح بالمراجعة لهذه الرواية وأسانيدها أن رواتها أكثر من ذلك بكثير.

ويكفي أن نذكر: أن بعض العلماء قد ألف كتاباً حول آية التطهير، وقد خصص المجلد الأول منه ـ الذي يربو على أربع مئة صفحة ـ لذكر نصوص الحديث، فرواه عن أكثر من خمسين صحابياً، بالإضافة إلى ما روي بطرق كثيرة جداً عن أئمة أهل بيت العصمة الاثني عشر «صلوات الله وسلامه عليهم» ثم ما روي عن التابعين، فجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء([6]).

وأخيراً، فإن القندوزي الحنفي بعد ما روى عن مودة القربى: أن رسول الله بقي تسعة أشهر يأتي باب فاطمة ويقول: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وذلك بعد ما نزلت: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا.. قال: «وروي هذا الخبر عن ثلاثمائة من الصحابة»([7]).

والطريف في الأمر: أن الرجل المعروف بانحرافه عن علي «عليه السلام» وأهل بيته، ويجهد لإنكار أكثر ما ورد فيهم «عليهم السلام»  ـ وهو ابن تيمية ـ لم يستطع إلا الاعتراف بصحة حديث الكساء، فقال: «أما حديث الكساء، فهو صحيح»([8]).

ونحن نشير هنا إلى حديث الكساء ومصادره، بالمقدار الذي يتيسر لنا في هذه الفرصة المحدودة. ثم نبين المراد من آية التطهير، وأنها إنما تنطبق على خصوص هؤلاء، من دون انخرام لظهور السياق، بل السياق يعضد ذلك ويؤيده، بصورة قوية وظاهرة. ثم نشير إلى فساد أدلة الآخرين للأقوال التي التزموا بها، وفقاً لما قدمناه في الفصل الأول، فنقول:


 

([1]) نفحات اللآهوت ص85.

([2]) شواهد التنزيل ج2 ص10.

([3]) تأويل الآيات الظاهرة ج2 ص456.

([4]) نهج الحق ص173.

([5]) الميزان (تفسير) ج16 ص31.

([6]) الكتاب هو باسم: آية التطهير في أحاديث الفريقين للسيد علي الموحد الأبطحي.

([7]) ينابيع المودة ص174.

([8]) منهاج السنة لابن تيمية ج3 ص4 وج4 ص20.

 
   
 
 

موقع الميزان