وقد حاول البعض التشكيك في تواتر حديث الكساء، على
اعتبار: أن هذا الحديث يتضمن: أن علياً وفاطمة الزهراء «عليهما السلام»
قد ناما إلى جنب رسول الله «صلى الله عليه وآله». ولا يعقل أن ينام
هؤلاء أمام أعين الناس الأجانب، كما لا يعقل أن تظهر زوجة النبي «صلى
الله عليه وآله» رغبتها بالنوم إلى جانب زوجها «صلى الله عليه وآله»،
ومن حولهما الناس يسمعون ويرون.
ومعنى ذلك:
أن هذه الواقعة قد حصلت في داخل البيت، حيث لم يكن أحد سوى النبي «صلى
الله عليه وآله»، وعلي، والحسنين «عليهم السلام»، وأم سلمة حاضراً.
فلم يكن هناك أشخاص آخرون يمكنهم نقل هذه الواقعة عن
مباشرةٍ وحسٍ، فتنحصر الرواية في هؤلاء.
نعم، يمكن أن يكون عمر ابن أم سلمة الذي كان عمره
حينئذٍ خمس أو ست سنوات، قد حضر الواقعة، ونقلها أيضاً عن حس.
وعليه فمن ينقلها سوى الستة المذكورين، ولم يصرح باسم
واحدٍ من هؤلاء الستة، فإننا نعلم: أنه قد أسقط الواسطة.
ومما تقدم يظهر:
أن حديث الكساء ليس متواتراً في جميع طبقاته، بل هو من قسم المستفيض،
لأن روايته منحصرة بأربعة أشخاص من هؤلاء الستة، لأننا لم نجد رواية
للنبي «صلى الله عليه وآله» ولا لفاطمة لهذا الحديث([1]).
ونقول:
أولاً:
لعل بعض الناس لا تكفيهم رواية علي والحسنين «عليهم السلام» وهم الأئمة
المعصومون المطهرون، بل هم بحاجة إلى أن ينضم إليهم غيرهم(!!) لتصح
الرواية عندهم!!.
وثانياً:
إن هذه القضية ـ حسبما أسلفناه ـ منقولة عن عشرات الصحابة، بطرق وألفاظ
مختلفة.
وقد ذكر الأبطحي في كتابه:
آية التطهير في كتب الفريقين طائفة كبيرة من هذه الروايات.
ومن غير المعقول:
أن تحذف الوسائط في جميع تلك الروايات. نعم، قد تحذف الواسطة في مورد،
أو موردين، وربما في ثلاثة موارد، لأسباب استثنائية، وغير مطردة. وأما
حذفها في عشرات الموارد، وبالنسبة لقضية بخصوصها فذلك بعيد في الغاية،
بل غير معقول، ولا مقبول.
وثالثاً:
إن عدداً من أولئك الرواة يصرحون بحضورهم للواقعة، ومشاهدتهم لها، أو
برؤيتهم للنبي «صلى الله عليه وآله» وهو يمر بباب فاطمة «عليها السلام»
أشهراً عديدة ليؤكد مضمون الآية. ومعنى ذلك هو أن الواسطة لم تحذف لا
عمداً ولا سهواً.
ورابعاً:
إن طائفة من الروايات قد صرح رواتها بسماعهم تصريح النبي «صلى الله
عليه وآله» بنزول الآية في الخمسة الطاهرين، أو سمعوا ذلك من علي أو
فاطمة، أو من الحسنين «عليهم السلام». وتواتر النقل عن هؤلاء كاف في
الثبوت، فإنه إذا ثبت ذلك عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فإن
تكذيبه ـ والعياذ بالله ـ يكون كفراً وخروجاً عن الدين. بل وكذا تكذيب
علي «عليه السلام»، الذي هو مع الحق والحق معه، وتكذيب سائر الخمسة،
ينتهي إلى تكذيب النبي«صلى الله عليه وآله» أيضاً.
وخامساً:
لماذا ادعى هذا الكاتب: أن في حديث الكساء، أن فاطمة «عليها السلام» قد
نامت تحت الكساء إلى جانب علي «عليه السلام» والنبي «صلى الله عليه
وآله» والحسنين «عليهما السلام» أمام الرجال الأجانب؟! مع أن هذا
الحديث قد صرح: بأنه «صلى الله عليه وآله» قد جمعهم، وجللهم بذلك
الكساء، ثم نزلت الآية الشريفة.
بل قد صرحت رواية جابر للحديث بالجلوس تحت الكساء ـ لا
بالنوم ـ فقد روى جابر بن عبد الله عن علي «عليه السلام»: أنه قال
للنبي «صلى الله عليه وآله» ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل؟! وهذه
هي الرواية التي اعتمد عليها ذلك الكاتب نفسه، وليس فيها ذكر للنوم لا
من قريب ولا من بعيد.
([1])
مجلة: مكتب تشيع، (السنة الثانية) عدد جمادي الثانية ص64 و 85
.
|