قال الله تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ
وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾.
﴿وَإِنْ
كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآَخِرَةَ فَإِنَّ
اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً﴾.
﴿يَا
نِسَاء النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ
يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ
يَسِيراً﴾.
﴿وَمَنْ
يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا
أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً﴾.
﴿يَا
نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ
اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي
قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾.
﴿وَقَرْنَ
فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى
وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ
وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ
أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾.
﴿وَاذْكُرْنَ
مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ
اللهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً﴾.
وتستمر الآيات إلى أن نقول:
﴿وَإِذْ
تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ
أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾([1]).
ثم تستمر الآيات في الحديث عن النبي «صلى الله عليه
وآله» ومعه، ومع المؤمنين في ما يخص شأن النبي «صلى الله عليه وآله»
فلتراجع.
ونقول:
ألف:
إن الظاهر الصريح المستفاد من هذه الآيات هو أن الله
سبحانه:
1 ـ
قد أمر نبيه الأكرم «صلى الله عليه وآله» بأن يخيِّر نساءه بين الله
ورسوله، وبين الحياة الدنيا وزينتها.
2 ـ
وأمره بأن يقول لهن: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء.
3 ـ
وأمره أيضاً بأن يقول لهن:
لا تخضعن بالقول.
وقلن قولاً معروفاً.
وقرن في بيوتكن.
ولا تبرجن تبرج الجاهلية.
وأقمن الصلاة، وآتين الزكاة.
وأطعن الله ورسوله.
4 ـ
وبعد أن ينفذ النبي «صلى الله عليه وآله» ما طلبه الله منه، ويبلغ هذه
الأوامر للنساء، يواصل الله سبحانه خطابه لمقام النبوة، وبيت الرسالة،
ليخبره: بأن هذه الأوامر والنواهي التي أمره أن يبلغها لهن، إنما جاءت
لأجل الحفاظ على قدسية بيت النبوة، ومهبط الوحي والتنزيل، ومختلف
الملائكة.
وعلى هذا الأساس يكون:
﴿يَا
نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ..﴾
استمراراً لأمر الله تعالى لنبيه «صلى الله عليه وآله» بقوله:
﴿يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ..﴾
فهو مقول القول أيضاً، علاوة على ما سبق من تخييرهن بين الدنيا
والآخرة.
ب:
ولو صرفنا النظر عن ذلك، لأجل الإصرار على أن قوله تعالى:
﴿يَا
نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ ..﴾
إنما هو خطاب منه تعالى للنساء مباشرة؛ فإننا نقول أيضاً: إنه لا يضر
فيما نرمي إليه؛ لأنه قد جاء على سبيل الالتفات إليهن، وتكون النتيجة
هي:
1 ـ
أنه تعالى، قد أمر نبيه بأن يخير نساءه بين الله ورسوله، وبين الحياة
الدنيا وزينتها.
2 ـ
ثم التفت الله سبحانه إليهن وخاطبهن مباشرة، بعنوان أنهن منسوبات إلى
النبي، لا بعنوان كونهن مجرد نساء. فأمرهن وزجرهن، وقرر لمن تأتي منهن
بفاحشة مبينة: أن يضاعف لها العذاب ضعفين، ولمن تطيع الله ورسوله، أن
تؤتى أجرها مرتين. وقرر أيضاً: أنهن لسن كأحد من النساء، إن التزمن
جانب التقوى والورع.
3 ـ
ثم عاد سبحانه وتعالى إلى خطاب مقام النبوة وبيت الرسالة من جديد،
موضحاً أن سبب هذا الالتفات إلى الزوجات وعلة ما أصدره إليهن من أوامر
وزواجر هو إذهاب الرجس عن هذا البيت، وتطهيره، فإن الحفاظ على قدسية
بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومهبط الوحي،
ومختلف الملائكة ضرورة لابد منها، لحفظ الرسالة نفسها.
فالخطاب للنبي ـ كما ظهر من خلال الآيات الشريفة ـ إنما
هو من حيث إنه نبي، وصاحب وحي وقداسة إلهية، لا بما هو شخص.
ومن الواضح:
أن حفظ بيت النبوة والرسالة، ما هو إلا حفظ للرسالة نفسها.
فالكلام مع النساء إذن، قد جاء على طريق الالتفات
إليهن، كالالتفات الذي في قوله تعالى:
﴿مَالِكِ
يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا
الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾([2]).
فيلاحظ: أن الحديث قد كان عن الله تعالى بصورة الحديث
عن الغائب الرحمان ـ الرحيم ـ مالك، ثم التفت وخاطب الله تعالى مباشرة
من موقع الحضور بين يديه تعالى فقال
﴿إِيَّاكَ
نَعْبُدُ﴾.
([1])
الآيات 28 ـ 37 من سورة الأحزاب.
([2])
الآيات 3 ـ 5 من سورة الفاتحة.
|