صفحة :   

التطهير لا يشمل النساء:

وبعد.. فقد اتضح من جميع ما قدمناه: أن آية التطهير لا تشمل زوجات رسول الله ولا تنطبق إلا على أهل الكساء، إذ إنها قد دلت على عصمة «أهل البيت» «عليهم السلام» من كل ذنب، والفقرات المتعلقة بنساء النبي «صلى الله عليه وآله»، قد قررت إمكان صدور الذنب منهن.

بل وتوقع وقوعه من بعضهن أيضاً، كما ربما يشير إليه الوعيد بمضاعفة العذاب ضعفين، وقوله تعالى: ﴿لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ثم علق ذلك على التقوى فقال: ﴿إِنِ اتَّقَيْتُنَّ وأوضح من ذلك وأقربه إلى التوبة، قوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ.. وهي الآية التي كان المسلمون يواجهون بها عائشة حين خرجت لحرب علي «عليه السلام».

ولبيان ما نرمي إليه في توضيح المراد من الآية، نقول:

إن كلمة «إنما» تثبت ما نفته «ليس» عند الزجاج وغيره، كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ، ومتعلق التطهير، وهو الرجس، مطلق محلى بـ «أل الجنسية» فالآية تفيد نفي ماهية جنس الرجس بنحو العام الاستيعابي المجموعي عن «أهل البيت».

كما أن المقام مقام تشريف وتكريم، ويقصد فيه التأكيد التام، ولأجل ذلك نراه تعالى قد نص على التطهير بعد ذكره إذهاب الرجس، مصدّراً بأداة الحصر، ثم أكده بالمصدر الذي هو مفعول مطلق، وهو كلمة «تطهيراً» منوناً بتنوين التعظيم، أو التنكير، ليذهب الذهن فيه كل مذهب.

كل ذلك ليفيد ـ على حد تعبير السمهودي: أن إرادته تعالى، منحصرة على تطهيرهم، ثم أكده بما يدل على أن طهارتهم طهارة كاملة، وفي أعلى مراتب الطهارة([1]).

وكل ما ذكرناه لا يتناسب مع القول بأن الإرادة في الآية المتعلقة بإذهاب الرجس مجرد إرادة تشريعية قد دل عليها بمفهوم الموافقة حسبما تقدم بيانه، فيكون المعنى أن الله سبحانه يريد من «أهل البيت» تشريعاً أن لا يفعلوا ما فيه رجس والسبب في أن ذلك لا يتناسب مع ما ذكرناه هو: أن الله سبحانه وتعالى يريد للبشر جميعاً أن يعملوا بالتكاليف والأحكام، ولا يرضى منهم بالتخلف ولو في مورد واحد، ولا ينحصر ذلك في زوجات النبي «صلى الله عليه وآله»، ولا في «أهل البيت» «عليهم السلام»، فلا يبقى مبرر لهذا الحصر، وذلك التأكيد، ولا معنى للتشريف والتكريم، وإفادة امتيازهم عن كل احد، بأمرٍ لا اختصاص لهم به.

ولأجل ذلك نجد عدداً من العلماء، قد قال: إن الإرادة في آية التطهير هي إرادة تكوينية، يستحيل انفكاكها عن تحقق المراد، فيستحيل لحوق الرجس بهم، وانفكاك الطهارة عنهم([2]).

بل لقد استفادوا من الآية عصمة «أهل البيت» حتى عن السهو والخطأ والنسيان وسيأتي بيان ذلك، إن شاء الله تعالى.

ونحن نوافقهم على ذلك ولكننا نخالفهم في قولهم بأن الإرادة تكوينية..


 

([1]) راجع نص عبارة السمهودي في ينابيع المودة ص109.

([2]) راجع في كون الإرادة تكوينية، وغير ذلك من خصوصيات ذكرناها: متشابه القرآن ومختلفه ج2 ص52 والتبيان ج8 ص308 ومجمع البيان ج8 ص357 والبحار ج35 ص233 وتأويل الآيات الظاهرة ج2 ص456 والأصول العامة للفقه المقارن ص149 و150.

 
   
 
 

موقع الميزان