صفحة :   

خروج الآية عن مورد البحث:

ونحن، وإن كنا قد قلنا، إننا قد لا نمنع من أن يكون ما أراده علماؤنا الأبرار «رضوان الله تعالى عليهم» صحيحاً، ولكننا أوضحنا أيضاً أننا نرى: أن للآية الشريفة التي هي مورد البحث منحى آخر، وأنها بدلالتها اللفظية لا تتلاءم مع محذور الجبر، ولا تلتقي معه ولا هي ناظرة إليه، لا من قريب، ولا من بعيد، إذ أن الإرادة فيها التي دُلّ عليها باللفظ هي التشريعية، وأما الإرادة التكوينية فقد دُلّ عليها بمفهوم الموافقة، وهي لم تتعلق بفعل الإنسان أصلاً، ونعود فنوضح ذلك فيما يلي:

إننا نستفيد من إسناد الإذهاب والتطهير إلى الله سبحانه، في قوله: ﴿يُذْهِبَ وَ ﴿يُطَهِّرَكُمْ ثم من العدول في الآية عن التعبير بـ «يريد أن يذهب» إلى التعبير بـ ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ: أنه تعالى قد تعلقت إرادته أولاً وبالذات بإذهاب الرجس، وإبعاده. لا بإجبار «أهل البيت» وقهر إراداتهم ومنعها من التحرك نحو الرجس.

بل هو تعالى يريد أن يقذف بالرجس ويرمي به بعيداً عنهم «عليهم السلام»؛ فإن قربه منهم وقربهم منه مبغوض له تعالى، على حد قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ([1]).

وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً([2]).

وثمة آيات عديدة أخرى تشير إلى ذلك.

فالله سبحانه قد أراد أن يبعد الرجس وكل العيب عن «أهل البيت»، ولو ثانياً وبالعرض كالذي يصدر من زوجات النبي «صلى الله عليه وآله»، اللواتي لسن حقيقة من «أهل البيت». وذلك إظهاراً لكرامتهم، وليزيد من درجة الحصانة تجاه ذلك الأمر المبغوض، حيث لا تبقى أية حالة من الملابسة له، أو استنشاق روائحه والعيش في أجوائه. هذا بالإضافة إلى الحصانة الكامنة فيهم «عليهم السلام»، عن طريق معرفتهم بالله سبحانه، وقوة ورسوخ ملكاتهم، فلا يختارونه، ولا يفكرون فيه، بل ويتأذون منه وينفرون عنه. رغم أن إرادتهم طليقة وحرة، ولا يمارس أحد عليها أي ضغط أو إكراه، كما أوضحناه فيما سبق..


 

([1]) الآية 151 من سورة الأنعام.

([2]) الآية23 من سورة الإسراء.

 
   
 
 

موقع الميزان