صفحة :   

الثالث: لفظ (أهل) مذكَّر:

وقد يقال أيضاً: إن التذكير للضمير إنما هو باعتبار لفظ «أهل»، وقد قال الله سبحانه: في قصة الملكين لزوجة إبراهيم: ﴿أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ([1]).

وقال تعالى: ﴿قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا([2]) والقائل هو موسى لامرأته.

وكما يقول الرجل لصاحبه: كيف أهلك؟! يريد زوجته. فيقول: هم بخير([3]).

ونقول:

إن ذلك لا يصح لعدة أمور، هي التالية:

1 ـ إن لفظ الأهل يذكر ويؤنث، كما نص عليه الزمخشري في تفسير آية: ﴿هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا([4]).. فكان الأولى هنا الجري على سياق الآيات، وإيراد الضمير مؤنثاً أيضاً.

2 ـ إن اللفظ قد يكون مفرداً ومعناه مثنى وقد يكون معناه جمعاً.. وتارة يلاحظ المعنى وأخرى يلاحظ اللفظ، وقد جمعها الشاعر في كلمة «كلا»، حيث راعى لفظها تارة، ومعناها أخرى، حين قال في وصف جوادين يتسابقان:

كلاهما حين جدّ الجري بينهما                   قـد أقلعا وكِـلا أنفيهمـا رابـي

والأمر ها هنا كذلك، فإن لفظ «الأهل» في الآية مفرد، وإن كان معناه الجمع، فهل الأولى مراعاة ذلك أيضاً؟! فلماذا إذاً أتى بضمير الجمع، وقال: عنكم، ويطهركم، ولم يراع جهة الإفراد، فيرجع الضمير إليه كذلك؟!

3 ـ إن كلمة «أهل» في آية التطهير تابعة لكلمة «عنكم»، والتابع لا يؤثر في المتبوع لا تذكيراً ولا تأنيثاً.

والقول: بأن كلمة عنكم أيضاً تابعة لـ«أهلٍ» آخر منتزع من النساء.

لا يصح، إذ لو صح لاقتضى أن تكون الضمائر السابقة في الآية أيضاً بالتذكير، مع أنها كلها قد جاءت بالتأنيث. فما هو وجه العدول في ذيل الآية إلى التذكير؟!([5]).

4 ـ أما بالنسبة لآية: ﴿رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، فإنما يقصد بها الذكور، وهم أهل بيت إبراهيم، ودخول المرأة فيهم ربما يكون للتغليب والتجوز، فالقياس عليه في غير محله. لأن التغليب مع قيام القرينة عليه مما لا ينكره أحد.

وهكذا الحال بالنسبة لقوله تعالى: ﴿قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا.

وكذا يقال بالنسبة لقول الرجل لصاحبه: كيف أهلك يريد زوجته، فيقول: هم بخير. فإنه مما قامت القرينة على تعيين المراد منه. ومع وجود القرينة، لا يوجد إشكال، ولا هو محل كلام أو جدال.

5 ـ هذا بالإضافة إلى وجود فرق في الاستعمال: بين أهل الرجل وأهل بيت الرجل، فإن إطلاق كلمة «أهل» على الزوجة، لا يلزم منه صحة إطلاق كلمة «أهل البيت» عليها.

وقد تقدم في روايات حديث الكساء، أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد نفى أن تكون أم سلمة من «أهل البيت»، ولكنه قرر: أنها من أهله.

6 ـ بل ربما يكون دخول زوجة إبراهيم في «أهل البيت» في قوله تعالى: ﴿رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، من جهة أنها كانت ابنة عم إبراهيم «عليه السلام»([6]). فهي داخلة في «أهل البيت» من جهة النسب لا من حيث كونها زوجة. ولا أقل من الشك في ذلك.


 

([1]) الآية 73 من سورة هود.

([2]) الآية 29 من سورة القصص.

([3]) راجع: فتح القدير ج4 ص279 ونوادر الأصول ص266 والجامع لأحكام القرآن ج14 ص183 ومختصر التحفة الاثني عشرية ص150 ونظرية الإمامة ص182 عن التحفة الاثني عشرية.

([4]) الآية 75 من سورة النساء وكلام الزمخشري في الكشاف ج1 ص535.

([5]) ذكر الأجوبة الثلاثة المتقدمة السيد محمد علي القاضي في حاشيته على جوامع الجامع ص372.

([6]) راجع: قصص الأنبياء للنجار ص100.

 
   
 
 

موقع الميزان