صفحة :   

الثالث: إطلاقات كلمة «أهل البيت»:

قال الهيثمي: «إن له إطلاقين، إطلاقاً بالمعنى الأعم، وهو ما يشمل جميع الآل تارة، والزوجات أخرى. ومن صدق في محبته وولائه أخرى.

وإطلاقاً بالمعنى الأخص، وهم من ذكروا في خبر مسلم»([1]).

والمقصود بمن ذكروا في خبر مسلم: أصحاب الكساء «عليهم السلام».

ونقول:

إن ذلك موضع تأمل؛ وذلك لما يلي:

1 ـ إن إطلاق عبارة: «أهل البيت» على الزوجات لم يعلم صحته إلا بضرب من التجوز والمسامحة. وقد ذكرنا في ما سبق إنكار زيد بن أرقم أيضاً لذلك.

2 ـ إن وجود إطلاقات عديدة للفظ ما، في الموارد المختلفة لا يهمنا، كما لا يهمنا صحة إطلاق كلمة «أهل البيت» على الزوجات أو عدم صحته، وإنما المهم هو تحديد المراد من هذه العبارة في خصوص هذه الآية.

وقد قلنا: إن الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» الذي هو الأعرف بمرامي القرآن ومعانيه قد حدد لنا ذلك، وذلك بتوقيف من الله سبحانه. فأوضح أن المراد هو خصوص أهل الكساء «عليهم السلام» وصرح بخروج كل من عداهم، وخصوصاً الزوجات. وقرر «صلى الله عليه وآله» أنهن من أهله، لا من أهل بيته مع أن كونهن من أهله إنما هو نسبة مجازية أيضاً.

3 ـ إن ما تقدم، من سؤال أم سلمة وغيرها إن كانت من «أهل البيت»، يدل على عدم صحة إطلاق هذه الكلمة على الزوجات، وإلا فما معنى سؤالها عن ذلك مع كونها من أهل اللسان؟!

وقد روى واثلة قال: سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: أول من يلحقني من أهل بيتي أنت يا فاطمة، وأول من يلحقني من أزواجي زينب([2]).

فهذا التفصيل يدل على وجود فرق بين التعبيرين، وذلك ظاهر.

4 ـ إن كلام البعض يدور حول أمر اعتبروه مفروغاً عنه، وهو أن المراد بالبيت في عبارة «أهل البيت» في الآية هو: بيت السكنى المبني بالحجر والطين، وتكون الألف واللام للجنس، أو بيت النسب.

مع أن الأظهر ـ حسبما أوضحناه ـ هو أن المراد بـ «البيت» بيت النبوة والرسالة.. ([3]).

ومن الواضح: بناءً على الاحتمال الأقوى والأظهر، أن صيرورة إنسان ما جزءاً من بيت النبوة منوط بحصول كمال الأهلية والاستعداد لنيل هذا المقام السامي. وإلا.. فإن أبا لهب، لا يمكن أن يكون من بيت النبوة، وكذلك الحال بالنسبة لولديه عتبة ومعتب، الذين أسلما بعد نزول آية التطهير بزمان. ـ والله تعالى هو الذي يعرف أولئك الذين حصلوا على الكمالات التي تؤهلهم لهذا المقام؛ فيخبر عنهم نبيه الأكرم «صلى الله عليه وآله»، ويعينهم «صلى الله عليه وآله» لنا ـ من خلال حديث الكساء، وغيره من النصوص الثابتة عنه «صلى الله عليه وآله».


 

([1]) الصواعق المحرقة ص277

([2]) مجمع البيان ج8 ص356 ومختصر التحفة الاثني عشرية ص151 عن عبد الله المشهدي.

([3]) كنز العمال ج21 ص108 وج13 ص703 ط مؤسسة الرسالة عن ابن عساكر.

 
   
 
 

موقع الميزان