والملاحظة الأخرى التي سجلها بعض
الكتاب هنا هي:
أن حديث أم سلمة، وأبي سعيد المتقدم في فصل النصوص
يصطدم بحقيقة: كون آية التطهير ليست آية مستقلة، وإنما هي جزء من آية،
فكيف يمكن أن يكون جزء الآية نازلاً في أمر ومناسبة وهو الحديث عن
الزوجات، والجزء الثاني ليس ناظراً إلى ذلك الأمر، ولا يتعرض إلى تلك
المناسبة؟!([1]).
ثم قال: «ومن الحق أن يقال: إن هذا الشمول «يعني
لأهل الكساء»،
أو الحصر، لا يكون مستقيماً إذا أريد الاستناد فيه إلى هذه الجملة
القرآنية، وسياقها، وظروف نزولها.
وكل ما يسوغ قوله:
أن الأحاديث المنسوبة إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ـ إذا صحت ـ قد
قصدت تعميم مدلول الجملة القرآنية لتشمل الأربعة المطهرين: علياً،
وفاطمة، والحسن، والحسين «عليهم السلام»، بالإضافة إلى نساء النبي»([2]).
ونقول:
إن كلامه أيضاً لا يصح، وذلك لما يلي:
1 ـ
إنه لاريب في وجود الجمل الاعتراضية في القرآن، ووجود الالتفات أيضاً
فيه، مع كون هذا الاعتراض وهذا الالتفات إنما يهدفان لبيان شيء مرتبط
بنفس الموضوع الذي تعالجه سائر فقرات الآية، أو الآيات السابقة
واللاحقة. فمع هذا الوجه لا يبقى وقع لملاحظته بخصوص كون آية التطهير
ليست آية برأسها، وإنما هي جزء من آية.
2 ـ قد ذكرنا:
أن سياق الآيات إنما هو في أمر النبي «صلى الله عليه وآله» بأن يقول
لزوجاته أن يفعلن هذا ويتركن ذاك بهدف بيان كرامة «أهل
البيت»
«عليهم السلام» وقد خاطب النبي «صلى الله عليه وآله» الزوجات بتلك
الأوامر والزواجر امتثالاً لأمر الله تعالى.
أو أن الخطاب الإلهي كان موجهاً إلى النبي «صلى الله
عليه وآله» أولاً، ثم التفت إلى الزوجات، وخاطبهن بما له مدخلية في هذا
التعظيم والتكريم لمقام النبوة الأقدس. ثم عاد ليتم الكلام فيما بدأه
أولاً، الأمر الذي يعني ـ على كلا التقديرين ـ أنه لا توجد أية مخالفة
للسياق، حسبما تقدم توضيحه. ولا يلزم من حصر المقصود بـ «أهل
البيت»
في أصحاب الكساء أي محذور، لا من حيث مخالفة السياق، ولا من حيث ظروف
نزول الآية.
3 ـ
إن كلام هذا الرجل يوحي بوجود شك في صحة حديث الكساء. مع أنه قد تقدم:
أنه وارد في الصحاح، وغيرها من أمهات الكتب، وهو من المتواترات، فإذا
جاز أن يتطرق الشك إلى هذا الحديث، فأي حديث يمكن الاعتماد عليه بعد
هذا يا ترى؟!
وكيف يرضى منه أهل نحلته أن يشكك في أحاديث صحيح مسلم،
والترمذي، وأحمد، وغير ذلك؟!
4 ـ
إن القرآن إن كان دالاً على ما يريده «صلى الله عليه وآله» وبيّنه من
عبارة: «أهل البيت»
لم يكن معنى لهذا التوجيه الذي جاء به هذا الرجل، وإن لم يكن دالاً،
وقد أراد «صلى الله عليه وآله» أن يعمم مدلول الآية، فإن ذلك غير ممكن؛
لأن الدلالة أمر واقعي، لا يتحقق بمجرد إرادته ومحبته من قبل الناس.
إلا إن كان المراد:
أنه «صلى الله عليه وآله» قد أراد توسعة الحكم القرآني، على سبيل
التنزيل والمجاز، فيعتبر أشخاصاً كعلي وفاطمة والحسنين «عليهم السلام»
ليسوا من «أهل البيت»
حقيقة، بل إنهم منهم تنزيلاً ومجازاً.
فإن كان المراد هذا.. فقد تقدم: أن عكس ذلك هو الصحيح،
فإن كلمة «أهل
البيت»
لا تصدق على الزوجات إلا بضرب من المجاز والتنزيل.
5 ـ
إن الروايات المتقدمة في الفصل الثاني من القسم الأول قد ذكرت أنه «صلى
الله عليه وآله» أراد نفي كون الزوجات من «أهل
البيت»،
فكان على الكاتب أن يدّعي ـ نظراً إلى ذلك ـ أنه «صلى الله عليه وآله»
قد أراد قلب المعاني القرآنية، وعطف دلالة الآيات عن وجهتها الأصلية.
لاسيما وأن محط نظر هذا الكاتب حسب تصريحه هو خصوص أحاديث أم سلمة،
وأبي سعيد الخدري، ومقتضى هذه الأحاديث هو ما ذكرناه، لا ما ذكره.
([1])
راجع: التفسير الحديث ج8 ص263 وقد أوضحنا مراده على النحو الذي
تراه.
([2])
المصدر السابق وراجع: نوادر الأصول ص266.
|