الخامس: النبي دعا لهم بالتطهير

   

صفحة :   

الخامس: النبي دعا لهم بالتطهير:

قال ابن تيمية وغيره:

«إن مضمون هذا الحديث: أن النبي «صلى الله عليه [وآله] وسلم» دعا لهم بأن يذهب الله عنهم الرجس ويطهرهم تطهيراً»([1]).

وغاية ذلك: أن يكون دعا لهم بعد نزول الآية بأن يكونوا «من المتقين»، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم، فأحب «صلى الله عليه وآله» أن يدخلهم في الآية التي خوطب بها الأزواج، فهي دعوة لهم خارج التنزيل([2]).

وعلى حد تعبير الدهلوي: «هو دليل صريح على أن نزولها كان في حق الأزواج فقط. وقد أدخل النبي «صلى الله عليه [وآله] وسلم» هؤلاء الأربعة الكرام رضي الله عنهم بدعائه المبارك في تلك الكرامة. ولو كان نزولها في حقهم لما كانت الحاجة إلى دعائه. ولِمَ كان رسول الله «صلى الله عليه [وآله] وسلم» يفعل تحصيل الحاصل؟! ومن ثمة يجعل أم سلمة شريكة في هذا الدعاء، وعلم في حقها هذا الدعاء، تحصيل الحاصل»([3]).

وعلى حد تعبير الآلوسي: لو كانت الإرادة تكوينية فلا معنى للدعاء([4]).

ونسجل هنا ما يلي:

1 ـ قوله: لو كانت الآية نازلة في أهل الكساء. لم تكن ثمة حاجة إلى دعائه «صلى الله عليه [وآله] وسلم» لهم، وكان ذلك تحصيل الحاصل.

لا يصح، فإن فائدة الدعاء هي استمرار هذا التطهير في المستقبل. وهذا كقول الأنبياء والأولياء والأصفياء: إهدنا الصراط المستقيم، فإن هدايتهم حاصلة بالفعل وهم يطلبون استمرارها وبقاءها، وزيادتها، وتأكيدها.

إذن.. فلا ضير في أن تكون الآية قد نزلت في أهل الكساء، الذين كانوا مطهرين عن كل رجس من أول أمرهم، وقد دعا النبي «صلى الله عليه وآله» لهم لتستمر هذه الطهارة في المستقبل أيضاً.

ويمكن أن تكون فائدة الدعاء هي زيادة مراتب ودرجات الخلوص والتطهير لهم وتعميق ذلك وترسيخه بصورة أتم وأقوى.

وقد تكون فائدة الدعاء مجموع الأمرين المتقدمين.

2 ـ قال العلامة المجلسي «رحمه الله»: «إن الآية على ما مر في بعض الروايات إنما نزلت بعد دعوة النبي لهم([5])، وأن يعطيه ما وعده فيهم. وقد سأل الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم، لا أن يريد ذلك منهم. فلو كان المراد هذا النوع من الإرادة لكان نزول الآية في الحقيقة رداً لدعوته، لا إجابة لها، وبطلانه ظاهر»([6]).

3 ـ بالنسبة لقول الآلوسي: لو كانت الإرادة تكوينية لم يكن ثمة حاجة إلى الدعاء نقول:

أولاً: إن الإرادة تشريعية للزوجات، وهي تكشف عن حصول طهارة حقيقية بصورة قطعية وجازمة بالنسبة لـ«أهل البيت» حسبما تقدم بيانه.

ثانياً: لو كانت الإرادة تشريعية أيضاً، لم يكن ثمة حاجة إلى الدعاء، إذ لا معنى لأن يقول «صلى الله عليه وآله»: اللهم اجعل أهل بيتي مشمولين لأوامرك، ونواهيك، وأبعدهم عن آثار المخالفة إذا امتثلوا أوامرك ونواهيك..

فإن هذا لا يصدر ممن له أدني مِسْكة، فضلاً عن أن يصدر عن عقل الكل، وإمام الكل، ومدبر الكل.

4 ـ إن ابن تيمية الذي ذكر ما تقدم هو نفسه قد صحح حديث الكساء، وذكر أن مسلماً وأحمد قد روياه.

ونلاحظ هنا:

ألف: إن الذين ذكرهم ابن تيمية نفسه على أنهم قد رووا حديث الكساء، قد ذكروا: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد قرأ الآية حين جمع أهل الكساء، لا أنه «صلى الله عليه وآله» دعا لهم بمضمونها. ومنهم من صرح بأن الآية قد نزلت في هذه المناسبة. وهو ما صرحت به عشرات المصادر الأخرى أيضاً، فراجع.

ب: إن نفس ابن تيمية قد اختار النص الذي يصرح فيه بنزول الآية في هذه المناسبة([7]). ولكنه حين يريد أن يعترض ويناقش؛ فإنه يسجل اعتراضه على نص آخر تخيل أنه يفيده فيما يرمي إليه ـ انطلاقاً من نصبه وحقده وعدائه لعلي «عليه السلام»، وأهل بيته، وشيعته الأبرار ـ من صرف أية فضيلة لهم «عليهم السلام» إلى أعدائهم وشانئيهم.

5 ـ حتى لو كان «صلى الله عليه وآله» قد دعا لهم بذلك، ولم تنزل آية التطهير أصلاً، فإن الله سبحانه قد قال: ادعوني أستجب لكم، وقد اعترفوا بأن الله تعالى لن يخيب نبيه، ويرد دعاءه بل دعاؤه «صلى الله عليه وآله» ـ حسب اعترافهم ـ مستجاب([8]).

فإذا كان الله سبحانه قد استجاب لنبيه، فقد صح: أن أصحاب الكساء قد أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. ويكون في اختيار الرسول «صلى الله عليه وآله» لهذا التعبير إشارة إلى ذلك كما هو ظاهر.

6 ـ قد اعترف الدهلوي نفسه بما قلناه، حيث ذكر بعد عبارته الآنفة الذكر، ما يلي:

«..ولكن ذهب محققو أهل السنة إلى أن هذه الآية ـ وإن كانت واقعة في حق الأزواج المطهرات؛ فإنه بحكم: (العبرة لعموم اللفظ، لا بخصوص السبب) داخل في بشارتها هذه جميع «أهل البيت». وكان دعاؤه «صلى الله عليه وآله» في حق هؤلاء الأربعة نظراً إلى خصوص السبب»([9]).

ولكن الدهلوي لم يوضح لنا: أنه مع عموم اللفظ الذي يدعي ما هو السبب في منع رسول الله «صلى الله عليه وآله» الزوجات من الدخول معهم وفيهم!!

كما أنه لم يوضح لنا مقصوده، بالسبب وأي سبب دعا إلى نزول الآية سوى جمعه «صلى الله عليه وآله» لهؤلاء الأربعة أو دعائه لهم؟!

7 ـ وأما أن آية التطهير صريحة في إرادة النساء، لكن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أحب أن يدخل أصحاب الكساء في ضمنها..

فقد تقدم: أن سياق الآيات ليس فقط لا يأبى عن إرادة أصحاب الكساء دون الزوجات، بل إن ذلك هو الأكثر انسجاماً وملاءمةً للسياق مما لو كانت الآية خطاباً للنساء، وقد شرحنا ذلك في القسم الأول من هذا الكتاب.

8 ـ أضف إلى ما تقدم أنه يرد هنا سؤال: لماذا أحب «صلى الله عليه وآله» أن يدخل خصوص هؤلاء الأشخاص في أهل «البيت» فإن كان ذلك لأجل قرابتهم النسبية، فقد كان ثمة من هو أقرب من بعضهم. ومن يضارعه في القرابة ـ كما قدمنا ـ ونحن نربأ بالنبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» أن تكون حركاته ومواقفه من منطلق العصبية إلى الرحم والنسب.

وإن كان ذلك لخصوصية في هؤلاء الذين أدخلهم تحت الكساء، فإن كانت هذه الخصوصية موجودة في النساء أيضاً، مثل «العِشْرَة» كما ادعوا؛ فقد تقدم: أنها لا توجب لهن هذا الوسام العظيم، ولا هذا التبجيل والتكريم فإن زوجة لوط وزوجة وابن نوح كانوا أقرب إلى نوح ولوط «عليهما السلام» في العِشْرَة من كل أحد. وإن كانت الخصوصية غير موجودة في نسائه «صلى الله عليه وآله»، كالعصمة وكونهم صفوة الخلق، فإن ذلك يقتضي خروج النساء عن مفاد الآية كما هو ظاهر.


 

([1]) قد وردت صيغة الدعاء في عددٍ من المصادر مثل: مختصر التحفة الاثني عشرية ص151 ومنهاج السنة ج3 ص4 والتبيان ج8 ص307 وجامع البيان ج22 ص7 و6 والدر المنثور ج5 ص198 عن ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والخطيب، والترمذي والحاكم، والبيهقي في سننه، وحياة الإمام الحسين «عليه السلام» لابن عساكر (بتحقيق المحمودي) ص62 ـ 68 وفتح القدير ج4 ص279 وتأويل الآيات الظاهرة ج2 ص457 ومجمع البيان ج8 ص356 و357 والبرهان (تفسير) ج3 ص320 والبحار ج35 ص320 ومسند أحمد ج6 ص304 و292 ونظم درر السمطين ص133 و238 و239 وحياة الإمام الحسن «عليه السلام» لابن عساكر (بتحقيق المحمودي) ص66 وكفاية الطالب ص372 والعمدة لابن بطريق ص33و39 وتفسير القمي ج2 ص193 والتفسير الحديث ج8 ص261 و263 والطرائف ص125 و127 و129 وشواهد التنزيل ج2 ص17 و20 و23 و62 ـ 69 و74 و75 و80  و83 و84 و90 وسليم بن قيس ص150 وترجمة الإمام علي لابن عساكر (بتحقيق المحمودي) ج1 ص184 والمناقب لابن المغازلي ص302 و303 والاستيعاب ج3 ص37 والمحاسن والمساوي ج1 ص481 وتهذيب التهذيب ج2 ص 297 والاتقان ج2 ص199 و200 وتاريخ بغداد ج10 ص278 وذكر أخبار أصبهان ج1 ص108 والمعجم الصغير ج1 ص65 وأسد الغابة ج3 ص413 وج4 ص29 والرياض النضرة ج3 ص152 وينابيع المودة ص107 و108 و230 و228 و229 ومشكل الآثار ج1 ص334 وتفسير القرآن العظيم ج3 ص484 ومرقاة الوصول ص108 و105 و106 والبداية والنهاية ج8 ص35 وإحقاق الحق ج2 ص568 ومجمع البيان ج8 ص357. وغير ذلك.

([2]) راجع: منهاج السنة ج3 ص4 وراجع ج4 ص20 ونوادر الأصول ص266 ومرقاة الوصول ص105 والجامع لأحكام القرآن ج14 ص184.

([3]) مختصر التحفة الاثني عشرية ص151.

([4]) روح المعاني ج22 ص18.

([5]) ويدل على ذلك عدد من النصوص، فراجع آية التطهير في أحاديث الفريقين ج1 ص46 و48 و182 و228 و107 و112.

([6]) البحار ج35 ص234.

([7]) منهاج السنة ج3 ص4 وج4 ص20.

([8]) منهاج السنة ج4 ص22.

([9]) مختصر التحفة الاثني عشرية ص151.

 
   
 
 

موقع الميزان