صفحة :   

الدليل التاسع: الآيات القرآنية:

قد ادعى البعض: أن تعبير «أهل البيت» قد جاء في الآية القرآنية كناية عن الزوجة، في حكاية خطاب الملائكة لزوجة إبراهيم «عليه السلام»:

﴿أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ([1]).

وقال حكاية عن موسى: ﴿فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً([2]).

وعلى حد تعبير البعض: «إن امرأة إبراهيم من آله وأهل بيته، وامرأة لوط من آله وأهل بيته؛ بدلالة القرآن؛ فكيف  لا يكون أزواج محمد من آله، وأهل بيته»؟!([3]).

ونقول:

ألف: أما بالنسبة لخطاب الملائكة لزوجة إبراهيم «عليه السلام» فنقول:

1 ـ قد تقدم: أن دخول المرأة في «أهل البيت» أحياناً، تغليباً وتجوزاً، إذا قامت قرينة على ذلك مما لا ينكره أحد.

2 ـ إن الزوجة قد تدخل في مدلول الآية حين تكون من بيت النبوة، وكونها أم الأنبياء، ولكن لا بملاك الزوجية، ولا بملاك بيت التطهير، في خصوص أهل الكساء، الأمر الذي يناسب إرادة بيت النبوة، لا بيت السكنى، ولا بيت النسب من الآية الشريفة.

بخلاف آية سورة هود، التي خاطب فيها الملائكة زوجة إبراهيم الخليل «عليه الصلاة والسلام»؛ فإن سارة كانت ابنة عم إبراهيم ـ كما قدمنا ـ وكانت السكنى، ولعل زوجة إبراهيم كانت من أهل بيت النبوة بلحاظ عظمتها وطهرها، وكونها أم الأنبياء..

وليس الأمر بالنسبة لزوجات الرسول كذلك، فإنهن ليس لهن مقام زوجة إبراهيم «عليه السلام»، فلا يصح اعتبارهن من أهل بيت النبوة.

3 ـ ولو تنزلنا عن ذلك جدلاً وقلنا: إن زوجة إبراهيم كزوجات رسول الله بلا فرق، فإننا نقول:

إن البيت المقصود في آية زوجة إبراهيم هو بيت السكنى أو النسب. والبيت المقصود في آية التطهير هو بيت النبوة والرسالة: وذلك استناداً إلى قرائن.

منها: التغيير في الصيغة من «بيوت» مضافة إلى جمع الإناث، إلى «البيت» محلى بألف ولام العهد. مع احتمال كون المراد خصوص بيت السكنى الذي جمع فيه النبي «صلى الله عليه وآله» أصحاب الكساء وأخرج الزوجات منه. وفي كلا الحالين ليس لزوجاته «صلى الله عليه وآله»، في هذا الأمر نصيب..

ومنها: الروايات الكثيرة التي عينت المراد من «أهل البيت» في آية التطهير، في خصوص أهل الكساء، الأمر الذي يناسب إرادة بيت النبوة، لا بيت السكنى، ولا بيت النسب من الآية الشريفة.

بخلاف آية سورة هود، التي خاطب فيها الملائكة زوجة إبراهيم الخليل «عليه الصلاة والسلام»؛ فإن سارة كانت ابنة عم إبراهيم ـ كما قدمنا ـ وكانت ساكنة في بيته؛ فيصح لذلك إطلاق كلمة «أهل البيت» مجازاً عليها. وتكون القرينة على المجازية هي نفس توجه خطاب الملائكة إليها.

ب: وأما بالنسبة، لقول موسى لأهله: امكثوا، وكذا بالنسبة لنجاة نبي الله لوط، وأهله إلا امرأته؛ فنشير إلى ما يلي:

أولاً: ما تقدم من أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد قرر وجود فرق بين كلمتي «أهل البيت» و «أهل الرجل»، حيث قرر «صلى الله عليه وآله»: أن أم سلمة من أهله، لا من أهل بيته؛ فراجع النصوص المتقدمة لحديث الكساء في أوائل هذا الكتاب.

ثانياً: إن إطلاق كلمة «أهل» على الزوجة مجازاً ليس بمستنكر، إذا قامت القرينة على المجازية. وهي هنا الخطاب في قصة موسى، والاستثناء في قصة لوط. والقرينة في آية التطهير قائمة على عدم دخول الزوجات في الآية.

ثالثاً: هذا كله، عدا عن وجود فرق بين هذه الآيات وآية التطهير، حيث بين رسول الله «صلى الله عليه وآله» مقصوده من «أهل البيت» في آية التطهير، وحصره في أهل الكساء، فإرادة الزوجة من الأهل في مورد، لا يلزم منه أن تكون مرادة منه في مورد آخر حتى مع قيام القرينة على خروجها.


 

([1]) الآية 73 من سورة هود.

([2]) الآية 10 من سورة طه، والآية 7 من سورة النمل، والآية 29 من سورة القصص. وقد ذكرت هذه الدعوى والاستدلال لها في التفسير الحديث ج8 ص262 و263 وراجع: مختصر التحفة الاثني عشرية ص150 ونظرية الإمامة ص182 وفتح القدير ج4 ص279 ونوادر الأصول ص66 والجامع لأحكام القرآن ج14 ص183.

([3]) منهاج السنة لابن تيمية ج4 ص21.

 
   
 
 

موقع الميزان