ويقول البعض:
إن قوله: ﴿إِنَّمَا
يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾.
كقوله:
﴿مَا
يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾.
وكقوله:
﴿يُرِيدُ
اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾.
وكقوله:
﴿يُرِيدُ
اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللهُ
يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً﴾.
فإن إرادة الله في هذه الآيات
متضمنة لمحبة الله لذلك المراد، ورضاه به، وأنه شرعه للمؤمنين، وأمرهم
به. ليس في ذلك أنه خلق هذا المراد، ولا أنه قضاه وقدره، ولا أنه يكون
لا محالة([1]).
ونقول:
1ـ إننا لم نعهد في اللغة العربية الإرادة بمعنى الحب،
إلا أن يكون ذلك على سبيل التجوز، وهو يحتاج إلى قرينة، وهي مفقودة
سواء في آية التطهير أو في الآيات التي استشهد بها. بل القرينة موجودة
على أنه تعالى قد استعمل الإرادة بمعناها الحقيقي، وأراد بها في الآيات
المذكورة الإرادة التشريعية، لأنها وردت بعد الحديث عن سلسلة من
التشريعات، كما هو الحال في سورة النساء، والمائدة، حيث قرر بعدها أن
الله يريد بما شرعه، التسهيل على الناس.
كما أنه في الآية الأخيرة يريد أن
يرشد الناس إلى طريق المؤمنين، فإن سيرهم على هذا الطريق سيكون سبباً
في المغفرة والتوبة، وكذا الحال في آية التطهير، فإن الإرادة فيها
تشريعية، كما أوضحناه. غاية الأمر أنها تكشف عن إرادة تكوينية أخرى.
وهذا مفقود في الآيات الأخرى التي ذكرت آنفاً([2]).
2 ـ
إنه لا شك في أن الله سبحانه قد جاء بهذه الآية بهدف المدح والتشريف
والتكريم الخاص بالرسول «صلى الله عليه وآله»، وأهل بيته كما بينه
الرسول «صلى الله عليه وآله» في ما نقل عنه من نصوص كثيرة حول الآية.
ومن الواضح:
أن محبة الله للناس أن يعملوا بأحكام الشريعة ليست خاصة
بالرسول «صلى الله عليه وآله» وبأهل بيته «عليهم السلام»؛ فلابد أن
يكون للكلام في هذه الآية منحى يختلف عنه في الآيات التي ذكرها المستدل
آنفاً. فلا يمكن أن يُجْعَل أحدهما شاهداً على المراد في الآخر.
3 ـ
لا حاجة بنا إلى التذكير بما ذكرناه سابقاً من أن العصمة لا يلزم منها
الإكراه والإجبار؛ فالآية تدل على حصول التطهير، وإذهاب الرجس لا
محالة.
ولاشك في صدق إخبار الله تعالى. وتحقق ما أخبر به.
ويكون ذلك كإخبارنا عن طلوع الشمس غداً، فإن ذلك لا يدل على أن لنا
مدخلية أو تأثيراً في طلوعها، وإن كان ما اخبرنا به واقعاً لا محالة،
استناداً إلى علته الخاصة به.
4 ـ
لقد صرحت النصوص الكثيرة بأن النبي «صلى الله عليه وآله» مشمول لآية
التطهير، وقد قبل ذلك العلماء والمحققون بصورة عامة ([3])،
بل لقد ادّعي عليه الإجماع([4]).
فإذا كان الله سبحانه يريد أن يطهرهم بواسطة تكليف
الزوجات بهذه الأحكام، فهل يعقل ـ والحالة هذه ـ أن لا يكون النبي «صلى
الله عليه وآله»، وأصحاب الكساء الذين هم أهل بيته، قد حصلوا على
الطهارة الذاتية قبل ذلك، وبعده؟!
وبعبارة أخرى:
إن الله يريد بأوامره لزوجات النبي «صلى الله عليه وآله» أن يبعد العيب
والنقص عن ساحة النبي «صلى الله عليه وآله» وأهل بيته ـ ولو بهذا
المقدار، فهل يتصور ان يكون النبي «صلى الله عليه وآله» وأهل بيته غير
مطهرين من الأدناس بالفعل؟!
5 ـ قد عرفنا:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد قال في سياق حديثه عن آية التطهير،
واستناداً إليها:
«فأنا وأهل بيتي مطهرون من
الذنوب»([5]).
وهذا يعني:
أن القضية ليست مجرد حبٍ وميلٍ منه تعالى. بل هي قضية طهارة وعصمة
تامة، ومتحققة على صعيد الواقع.
هذا كله، عدا عن النصوص التي لا
تكاد تحصى كثرة وقد ذكرها الأئمة «عليهم السلام» في احتجاجاتهم، وتعداد
فضائلهم، وفي كثير من أدعيتهم. وهي تدل على أن الله سبحانه قد طهرهم
وأذهب عنهم الرجس فعلاً لا أنه أحب ذلك([6]).
([1])
منهاج السنة ج4 ص20.
([2])
هذا الذي قدمناه قد ذكره بعض الأخوةالأفاضل، وهو كلام جيد..
([3])
راجع فيما تقدم: تفسير القرآن العظيم ج3 ص485 وينابيع المودة
ص294 والصواعق المحرقة ص141 والمواهب اللدنية ج2ص123 وفتح
القدير ج4 ص279 وتهذيب تاريخ دمشق ج4 ص208 وإسعاف الراغبين
(مطبوع بهامش نور الأبصار) ص108 وتفسير القمي ج2 ص193 / 194
والكشاف ج3 ص538 ومشكل الآثار ج1 ص232 ـ 239 والمعتصر من
المختصر ج2 ص266 و267 وراجع أيضاً: شواهد التنزيل ج2 ص81 و82
و86 و89 وترجمة الإمام الحسين «عليه السلام» لابن عساكر
(بتحقيق المحمودي) ص67 ـ 69 ومناقب الإمام علي «عليه السلام»
لابن المغازلي برقم338 والبحار، وجامع البيان وذخائر العقبى،
وغير ذلك وآية التطهير في أحاديث الفريقين بمجلديه: الأول
والثاني.
([4])
راجع: جوامع الجامع (تعليقات السيد محمد علي القاضي) ص372.
([5])
تقدمت مصادر هذا النص حين الكلام حول أدلة تعميم «أهل
البيت»
لبني هاشم. وستأتي أيضاً في الصفحات الثلاثة التالية.
([6])
راجع: آية التطهير في أحاديث الفريقين بمجلديه: الأول والثاني.
|