لقد رأى البعض:
أن آية التطهير لا تدل على عصمة «أهل
البيت»
بل هم صفوة، وليسوا بأهل عصمة، إنما العصمة للنبيين.
أما الأمر بالأخذ عنهم في حديث الثقلين؛ فإنما هو
للأئمة منهم، ولا يشمل المسيء المخلط.
والمقصود:
الاقتداء بالعلماء منهم، فإذا وجد العلم في غيرهم لزم الاقتداء بذلك
الغير. وإنما أشار رسول الله «صلى الله عليه وآله» إليهم لأن العنصر
إذا طاب، كان معيناً لهم على فهم ما يحتاج إليه، لأن طيب العنصر يؤدي
إلى محاسن الأخلاق، وهي تؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته، فيوجب كون النور
أعظم، ويشرق الصدر بنوره، ويكون ذلك عوناً على درك ما به الحاجة إليه
من شريعته([1]).
ونقول:
إننا لا نستطيع قبول كل ما ذكره هذا الرجل، وذلك لما
يلي:
1 ـ
إن حديثه عن الأخذ عن خصوص الأئمة العلماء من «أهل
البيت»،
لا عن المسيئين الخ...
لا نرى له مبرراً؛
مادام أن آية التطهير لا تشمل حتى العلماء من بني هاشم، بل هي ناظرة
إلى خصوص الصفوة والأئمة منهم، وقد بينهم الرسول «صلى الله عليه وآله»
في حديث الكساء، وفي حديث: الأئمة بعدي اثنا عشر كلهم من قريش، وبالذات
من بني هاشم. وقد ذكرهم الرسول «صلى الله عليه وآله» بأسمائهم واحداً
بعد واحد، حسبما ورد في العديد من النصوص([2]).
إذن فلا مجال بعد هذا للتعميم، ولا لإثارة الشبهات على
النحو الذي ذكره آنفاً.
2 ـ وأما قوله:
إنه لو وجد العلم عند غيرهم لزم الاقتداء بذلك الغير.
فهو مردود أيضاً، فإنه يتضمن الرد على الله ورسوله، بعد
ان عينا له ولكل أحد مصادر المعرفة بصورة دقيقة وواضحة، وأنها هي
القرآن، وعترة النبي «صلى الله عليه وآله». والمقصود بهم أشخاص
بأعيانهم هم أهل الكساء، وباقي الأئمة الاثني عشر وقد أخبر «صلى الله
عليه وآله» أن عترته هم سفينة النجاة، وأن العترة والقرآن لن يفترقا
حتى يردا على الحوض، ففرض افتراقهما قبل ذلك يكون تكذيباً للرسول،
والعياذ بالله.
والله ورسوله أعلم بالعلماء الحقيقيين، الذين هم أعرف
بأمور الدين والشريعة من كل أحد.. فإذا أخبرنا الله ورسوله «صلى الله
عليه وآله» بأن «أهل
البيت»
هم العلماء الحقيقيون فليس أمامنا إلا التسليم والرضا. وهذا هو ما حصل
بالفعل، وحديث الثقلين هو أحد تلك النصوص التي أخبرنا رسول الله «صلى
الله عليه وآله» بواسطتها بذلك.
فإذا ما أردنا أن نأخذ من أحد، فإنما نأخذ منه إذا كان
قد روى ذلك وأخذه عنهم، وتلمذ به عليهم، فهذا في الحقيقة أخذ منهم، لا
أخذ من العلماء دونهم.
3 ـ
وأما قوله إنما العصمة للنبيين. فهو عجيب منه:
أولاً:
لأنهم هم الذين يقولون: إن الأمة معصومة، وأن الإجماع نبوة بعد نبوة([3]).
وثانياً:
قد استدلت الصديقة الطاهرة بآية التطهير على العصمة لمن نزلت فيهم،
وذلك في حوار لها مع الخليفة الثاني، وقالت له: إنهم معصومون من كل
سوء، مطهرون من كل فاحشة([4]).
وثالثاً:
هناك الحديث الذي رواه السنة والشيعة ويقول النبي «صلى الله عليه وآله»
فيه، بعد تلاوته آية التطهير:
«فأنا وأهل بيتي مطهرون من الآفات
والذنوب»([5]).
وفي بعض المصادر أنه «صلى الله عليه وآله»، قال، بعد
ذكره آية التطهير:
«فأنا وأهل بيتي مطهرون من
الذنوب»([6]).
ورابعاً:
قد قلنا: إن آية التطهير تدل على عصمة «أهل
البيت»
على أتم وجه وأوضحه، لأن لازمها الأخبار والشهادة الإلهية بطهارتهم
«عليهم السلام». وهو إخبار صادق من صادق بلاشك.
وقد شرحنا ذلك وقربناه وذكرنا له شواهده ودلائله
المختلفة، الظاهرة في الآية الكريمة، لاسيما مع عموم الرجس المراد
إبعاده عنهم، فراجع القسم الأول من هذا الكتاب.
([1])
ملخص من كتاب نوادر الأصول ص69.
([2])
راجع كتاب منتخب الأثر، وغيره.
([3])
المنتظم لابن الجوزي ج9 ص210 والإلمام ج6 ص126 والإحكام في
أصول الأحكام للآمدي ج1 ص204 و205 وبحوث مع أهل السنة والسلفية
ص27 عن المنتظم، عن أبي الوفاء بن عقيل، أحد شيوخ الحنابلة.
([4])
سليم بن قيس ص100 و101 وعنه في البحار ط حجرية ج8 ص223.
([5])
البحار ج35 ص213 و214 عن تفسير فرات.
([6])
الدر المنثور ج5 ص199 عن الحكيم الترمذي، وابن مردويه،
والطبراني، وأبي نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل، وفتح القدير
ج4 ص280 وشواهد التنزيل ج2 ص30 وكفاية الطالب ص377 والصواعق
المحرقة ص142 وينابيع المودة ص15 ومرقاة الوصول ص107 والعمدة
لابن بطريق ص42 وراجع: إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص108.
|