صفحة :   

ب: دلالة الآية على ثبوت الرجس من الهذيان:

ويدعي البعض: أن الآية تدل على عدم العصمة بتقريب: أن إذهاب الرجس يستلزم ثبوته أولاً، لكي يذهبه الله، إذ لا يقال في حق من هو طاهر: إني أريد أن أطهره، وإلا لزم تحصيل الحاصل. وأنتم تقولون بعصمتهم من أول العمر إلى انقضائه، غاية الأمر: أنهم محفوظون عن الذنوب بعد تعليق الإرادة بإذهابها([1]).

ولأجل ذلك قال ابن عربي: إنه ينبغي للمسلم: أن يعتقد أن ما صدر عن «أهل البيت» قد عفا الله عنه([2]).

ونقول:

1 ـ قد قدمنا: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال استناداً إلى آية التطهير: «فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب». ولم يقل: سنكون مطهرين.

2 ـ قد أوضحنا فيما سبق: كيف أن الإرادة الإلهية قد تعلقت بتطهيرهم من حين خلقهم الله تعالى، وأن ذلك إنما هو شهادة إلهية بالطهارة لهم. ويشهد لذلك أيضاً تصريح الإمام علي، والإمام الحسن، وسائر الأئمة «عليهم السلام»، في أدعيتهم، واستدلالاتهم، واحتجاجاتهم وغيرها، بأنهم قد طهرهم الله سبحانه، وأذهب عنهم الرجس فعلاً، مستدلين لذلك بنفس آية التطهير هذه([3]). من دون اعتراض عليهم في خصوص ذلك من أحد، كما أشير إليه سابقاً.

3 ـ وأجيب عن ذلك أيضاً: بأن هذا مبني على التخيل الذهني، فإن الإنسان يقول لغيره: أذهب الله عنك كل مرض، ولم يكن حاصلاً له كل مرض، فالآية تكفلت بإزالة هذا الخيال الذي يرد على ذهن الإنسان([4]).

4 ـ تارة يستعمل الإذهاب بمعنى الرفع أي إزالة ما هو موجود،

وتارة أخرى يستعمل بمعنى الدفع، أي المنع عن طريان أمر على محل قابل له، كقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوء وَالْفَحْشَاء([5]). فإن يوسف لم يقع في الفحشاء قطعاً.

وتقول في الدعاء: صرف عنك الله كل سوء وأذهب الله عنك كل محذور([6]).

وقد قال النبي «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه السلام» في خيبر: اللهم أذهب عنه الحر والبرد.

فكان علي «عليه السلام» يقول: ما وجدت بعد ذلك، لا حراً ولا برداً، أو نحو ذلك([7]).

5 ـ وقد قلنا: إن النبي «صلى الله عليه وآله» ـ كما دلت عليه النصوص، وقال به العلماء ـ داخل في مدلول آية التطهير، فهل الرجس موجود فيه أيضاً؟!

6 ـ لو صح ما ذكروه لكان قولنا مثلاً: إهدنا الصراط المستقيم

اعترافاً بعدم الهداية، ودليلاً على ثبوت الضلال([8])، مع أن الأمر ليس كذلك، وإنما هو مجرد طلب استمرار ما هو حاصل وموجود، او طلب لزيادة الهداية وترسيخها وتعميقها..

7 ـ إنه إذا كان النبي «صلى الله عليه وآله»، داخلاً في الآية بإجماع الفريقين، فإن معنى ذلك أن يكون إذهاب الرجس في الآية تارة بمعنى الدفع، إذا كان بالنسبة إلى النبي «صلى الله عليه وآله»، وبمعنى الرفع أخرى، إذا كان بالنسبة إلى «أهل البيت» «عليهم الصلاة والسلام» وذلك يستلزم استعمال المشترك في أكثر من معنى، مع عدم وجود جامع بينهما([9]). ولا يرتضيه الكثيرون..

ونقول:

قد يقال: إن الجامع موجود، وهو عدم الملابسة للرجس بأي نحو كان؛ فيكون مستعملاً في جامع عنواني، بنحو من العناية. فهو نظير قولك ما قدمناه من قول القائل: أذهب الله عنه كل مرض، مع العلم بأن كل مرض غير موجود فيه، فيكون المراد دفع الله عنك ما يمكن أن يصيبك من الأمراض ورفع عنك ما هو فيك فعلاً.

وهذا استعمال صحيح جزماً، فإن كان من المشترك في أكثر من

معنى، فليكن دليلاً على صحته، وإن كان من الاستعمال الجامع، كفى ذلك فيما نحن منه أيضاً.

أو يقال: إنه لا يوجد محذور في استعمال المشترك في أكثر من معنى، والتورية خير شاهد على وقوع ذلك، فضلاً عن إمكانه فالإشكال الأخير غير وارد على كل حال ـ ومهما يكن من أمر ـ فإن المراد بالآية هو دفع الرجس بقرينة شمولها للنبي «صلى الله عليه وآله» وبقرينة شمولها للحسنين «عليهم السلام» الذين كانا صغيرين حين نزول الآية، وحيث لا يتصور في حقهما أي رجس على جميع التقادير.

فالردود المتقدمة كافية ووافية، إن شاء الله تعالى.


 

([1]) مقتبس من مختصر التحفة الاثني عشرية ص152 والصراط المستقيم ج1 ص185 وإحقاق الحق للتستري ج2 ص572 والبحار ج35 ص236.

([2]) آية التطهير في أحاديث الفريقين ج2 ص46 عن الفتوحات المكية.

([3]) راجع: آية التطهير في أحاديث الفريقين، بمجلديه: الأول والثاني. والمصادر التي قدمناها لحديث الكساء في الفصل الثاني من القسم الأول.

([4]) راجع: إحقاق الحق للتستري ج2 ص572 و 573 والصراط المستقيم للبياضي ج1 ص185 ونقله في آية التطهير في أحاديث الفريقين ج2 ص63 عن الشيخ المفيد في المسائل العكبرية.

([5]) الآية 24 من سورة يوسف.

([6]) هذا الدليل وسابقه مذكوران في البحار ج35 ص236 وآية التطهير في أحاديث الفريقين ج2 ص63 و64 عن المسائل العكبرية للشيخ المفيد، المسألة الأولى.

([7]) راجع: البحار ج21 ص29 وج18 ص4 و13 وذخائر العقبى، وإحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص436 ـ 448 عن العديد من مصادر أهل السنة.

([8]) راجع آية التطهير في أحاديث الفريقين ج2 ص59 والفوائد الطوسية للحر العاملي ص47.

([9]) آية التطهير في أحاديث الفريقين ج2 ص46 ـ 53.

 
   
 
 

موقع الميزان