صفحة :   

التفريق القرآني بين الأهل، وأهل البيت:

وقال عن التفريق بين «أهل» و «أهل البيت»: «فستجد أن القرآن ينفيه، ولن تجد في القرآن الكريم أي أثر لهذا التفريق..».

ففي حين تطلق تسمية «أهل البيت» على زوجة إبراهيم «عليه السلام»، لأنها زوجته وتسكن في بيته، لا لأنها ابنة عمه ـ كما حاول البعض أن يوهمنا ـ وإلا لكان عقيل وجعفر والعباس «رضي الله عنهم» من أهل بيت رسول الله «صلى الله عليه وآله». فتخاطبها الملائكة في سورة هود آية73: ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وتطلق تسمية «أهل البيت» على والدة موسى «عليه السلام» ولا نعلم أنها كانت من العصبة، فتقول أخت موسى «عليها السلام»: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ.. الآيات.

نجد أن كلمة «أهل» تطلق على الابن كما في قول نوح «عليه السلام»: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ...

وتطلق كلمة الأهل على الأخ كما في قول موسى: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي.

وتطلق على الأب والأم كما في قول موسى لإخوته: ﴿..وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ.. إلى أن قال: هذا كله بالإضافة إلى أنها تطلق على الزوجات..».

ونقول:

قد تقدم الجواب عن أكثر ما ذكره في هذه الفقرة، وبقية الأجوبة مذكورة في الكتاب نفسه. غير أننا نعود فنذكّره بما يلي:

1 ـ إن كلمة «أهل البيت» في آية التطهير اصطلاح خاص يقصد به جماعة بأعيانهم.

2 ـ ليس المقصود بـ «أهل البيت» من يسكنون في بيت واحد، كما زعمه المستدل ـ إذ لو كان سبب دخول علي «عليه السلام»، هو السكنى في البيت، فنقول له: إن علياً وفاطمة «عليهما السلام» كان لهما بيت خاص بهما. فهو كالعباس، وعقيل. وعبد الله بن عباس وغيرهم. فلماذا يكون علي «عليه السلام» من «أهل البيت» دونهم؟!

والدليل على أن لعلي «عليه السلام» بيتاً مستقلاً حديث سد الأبواب إلا باب بيت علي «عليه السلام»..

وإن كان سبب إدخال علي «عليه السلام»، في «أهل البيت»، هو مصاهرته للنبي «صلى الله عليه وآله»، فإن ذلك يبطل دعوى المستدل أن المقصود هو أهل بيت السكنى، وليس للنسب مدخلية.

كما أن ذلك يفسح المجال أمام الإشكال بأن عثمان بن عفان، وأبا العاص بن الربيع كانا أيضاً ـ حسبما يزعمون ـ أصهاراً له «صلى الله عليه وآله»، فلماذا لم يكن لهما في هذا الأمر نصيب؟!

وإذا كان لأبي العاص ذنب، وهو شركه آنئذٍ، فإن عثمان لم يكن حينئذٍ كذلك..

فإن قيل: إنه قد كانت لعلي «عليه السلام» خصوصية.. قلنا: إن هذا يبطل كلام المستدل..

3 ـ أما بالنسبة لقول الملائكة لزوجة إبراهيم: ﴿رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ...

فقد قلنا: إنه إما مسوق على سبيل المجاز والتغليب، والقرينة على ذلك هو نفس خطاب الملائكة لها، ثم جعلها في ضمن «أهل البيت» بعد ذلك. وإما لأن القرينة قد دلت على أن المراد بالبيت في نصوص الآية.. هو بيت السكن.

أما في آية التطهير، فالمراد هو بيت النبوة.. والقرينة واضحة الدلالة على ذلك..

ومجرد دخول الزوجات في المراد في بعض الموارد بسبب وجود قرينة دلت على التوسع في كلمة «أهل البيت»، لا يعني: أن اللفظ موضوع له، أو أنه يراد منه نفس هذا المعنى في كل الموارد التي استعمل فيها..

هذا بالإضافة إلى احتمال دخول سارة في أهل بيت إبراهيم «عليه السلام» من حيث النسب لكونها ابنة عم إبراهيم، لا من حيث الزوجية. وقد ذكر اللغويون في كتب اللغة صحة إطلاق كهذا.. حسبما نقله نفس المستدل..

وإذا كان ثمة احتمالات معتد بها، لها شاهد كلها، فلا يبقى مجال للاستدلال، ولا للإصرار على إرادة معنى بخصوصه، إلا إذا منع من إرادة غيره مانع. أو كان الشك راجعاً إلى أصل الصحة والجواز..

4ـ وأما آية: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ فلا دلالة لها على مقصود المستدل، إذ أن الكفالة إنما هي من رب الأسرة، وهو الذي يعطي الطفل لمن يرضعه، ويهتم بشأنه، سواء كان زوجة أو سُرّية له. أو أماً، أو أختاً، أو بنتاً مرضعة أو غير ذلك.. فليس في الآية دلالة على دخول الزوجة في المراد من كلمة «أهل البيت»..

بل إن الآية لم تتحدث عن الإرضاع، وإنما تحدثت عن الكفالة، والتعاهد. ويكون ذلك رهناً باحتياجات المكفول. فترضعه إن كان ثمة حاجة إلى الإرضاع، وإن لم تكن ثمة حاجة إليه، إما لاستغناء الطفل عنه، أو للاستغناء عن الإرضاع بالطعام البديل عنه، أو بالإستفادة من لبن الماشية أو غيره، وفرت له ذلك..

أضف إلى ذلك: أن المقصود في آية كفالة موسى «عليه السلام»، هو الأم في قولها لهم: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ..، ولم يكن المقصود الزوجة..

وقد يقال: إنه لم يعلم: أنها قد قصدت بقولها ذاك خصوص «أهل بيت» موسى «عليه السلام»، بل قد يقال أيضاً: إن آية ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ شديدة الإبهام، موغلة في الإجمال بسبب تنكير كلمة «بيت» فلا مجال للجزم بالمقصود بها، هل هو الأم أو الأخت، أو غير ذلك..

5 ـ وأما الآية التي يقول فيها نوح «عليه السلام»: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي، فالآية لم تتعرض للزوجات، ولا أرادت بالبيت، بيت السكن، كما أنه لم يقل: من أهل بيتي، بل قال: من أهلي.. بل هي تحدثت عن ابن نوح، ولم يظهر منها حكم غيره من زوجة، أو غيرها..

6 ـ والأمر في قصة هارون وقول موسى: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي لا يختلف عن الحديث عن ابن نوح..

7 ـ وكذلك الحال في قول يوسف «عليه السلام»: ﴿وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ، فإنه ليس فيها أي حديث عن الزوجة ولا حديث فيها أيضاً عن «أهل البيت» فلا معنى للسؤال عما هو المقصود بالبيت، هل هو بيت السكنى أو سواه، إذ لا إشارة فيها للبيت أصلاً..

وأما بالنسبة لاستعمال كلمة «الأهل» في الزوجة. فهذا هو الذي قررناه، ولا نزال نصر عليه. رغم أن أهل اللغة قد ذكروا أن ذلك من المجاز، الذي يحتاج إلى قرينة، كما أننا لا ننكر أن تستعمل أيضاً كلمة «الأهل» في الابن. وفي الأب، والأم وغير ذلك.. ولكن الاستعمال في الأب، والابن، والأخ، لا يلازم أن يكون استعمالها في الزوجة على نحو الحقيقة..

 
   
 
 

موقع الميزان