صفحة :   

فذلكة غير موفقة:

وقال: «أنا لا أجد مبرراً لهذا الربط بين إطاعة النساء للأوامر وتطهير أهل الكساء، والذي يعني ـ كما أسلفنا ـ أنه إذا لم تطع كل النساء كل الأوامر ـ وهذا ما قد حصل ـ فإن خللاً سينتج في عصمة أو تطهير أهل الكساء، وهذا ما لا يستسيغه العقل، ثم إنها لا تزر وازرة وزر أخرى»..

ثم استدل بزوجتي نوح ولوط، وبابن نوح، ثم تساءل عن الضرر والنفع لـ«أهل البيت» من التزام الزوجات، أو عدم التزامهن، ثم استثنى صورة ما لو كانت الأوامر والنواهي متعلقة بصون شرفهن، فقال:

«نعم لو كانت أوامر الله تعالى لزوجات النبي متعلقة فقط بنواحي صون شرفهن وسمعتهن، لكان لذلك الربط المذكور آنفاً مجال للقبول، أو للطرح على الأقل، ولكن عندما تكون التوجيهات الإلهية متعلقة بكل الكمالات الإنسانية الدنيوية والأخروية فيما يتعلق بنواحي الشرف والسمعة، وفيما يتعلق بغير ذلك أيضاً من المسائل التي قد ترفع الإنسان وتضعه، فعندها لا يكون هناك مسوغ للقول بأن هذه الأوامر والنواهي ليست لتطهير نساء النبي ذاتهن، ولكنها لتطهير غيرهن..».

نعم، إن هذا القول يصبح ظاهر البطلان، وذلك لما يلي:

أولاً: لأن عدم إطاعتهن لا يحدث خللاً في العصمة الذاتية لأهل الكساء «عليهم الصلاة والسلام»، بل هم معصومون سواء خالف النساء، أم أطاعوا..

نعم، إن ذلك يسبب خللاً في النظرة الاجتماعية المبنية على السطحية، وفي الجو العام المحيط بـ«أهل البيت» «عليه السلام»، ويوجب لهم حرجاً، وأذى، ولغطاً..

بل إن إبعاد الرجس حتى عن محيط «أهل البيت» يصبح أبلغ وأدل على التصميم الإلهي لحفظ هذا البيت، ورعايته، وعدم السماح بأي خلل يطرأ على واقع الطهارة من حوله، لأنه إذا كان يهتم بحفظه حتى من الرجس العارض له بسبب أناس لهم هذا المستوى من الارتباط الضعيف به، فإن اهتمامه بعصمة أهله الذاتية عن كل رجس تصبح أوضح وأصرح..

ثانياً: وأما أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، فهو أيضاً صحيح في نفسه، ولكن لم يدّع أحد أن مخالفة الزوجات للأوامر، واقترافهن للأوزار يجعل النبي و«أهل البيت» «صلوات الله وسلامه عليهم» يتحملون وزر أولئك الزوجات..

بل المقصود: أن اقتراف الزوجات للآثام، يفتح أمام المنافقين وأصحاب النفوس المريضة باب الحديث والطعن والتشكيك، ويلحق بأهل هذا البيت أذى وحرجاً..

ثالثاً: إننا لم ندّع: أن اقترافهن الآثام ينقص من مقام النبي «صلى الله عليه وآله»..

كما أننا لم ندّع أن التزامهن بالأوامر والزواجر لا يوجب تزكيتهن..

ولكننا نقول:

إن هذا الإلتزام يفيد أهل بيت النبوة أيضاً مزيداً من الحياة الهادئة والصافية، البعيدة عن المتاعب والشائعات، من قبل الحاقدين والمنافقين..

وعدم التزامهن يلحق ضرراً بـ«أهل البيت» «عليهم السلام» بالنحو الذي ذكرناه، لا أن وزر ذنوبهن يلحق «أهل البيت»، فيعاقبون بسببهنّ. فلا معنى لأن يقال: إن المسؤولية فردية، وقد قال تعالى: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى..

ورابعاً: إذا جاز أن يكون أمر النساء ونهيهن في شؤون الشرف والسمعة مما يقصد به تطهير غيرهن. جاز أن يكون أمرهن، ونهيهن في غير ذلك من كمالات دنيوية وأخروية أيضاً يقصد به ذلك، إذا كان تأثير ذلك على سمعة ذلك الغير حاصلاً أيضاً..

وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن مخالفة النساء للأوامر والنواهي يوجب توهيناً لمقام «أهل البيت»، ورميهم من قبل المنافقين والحاقدين بالعجز، وعدم القدرة حتى على ضبط من يقعون تحت هيمنتهم، ويعيشون في داخل بيوتهم، ثم هو يفسح المجال لهم لإطلاق الشائعات ضد أهل هذا البيت، الذي يفترض فيه أن يعيش في قلوبهم بمستوى من التقديس اللائق به، والذي يمكنه من أن يترك آثاره في تغيير وبناء شخصية الإنسان..

وإلا، فلو كان الأمر على خلاف ذلك، فلماذا يأمر الله بتوقير الرسول «صلى الله عليه وآله» وتعزيزه.. وبأن لا يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي، وبأن لا يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض و.. و.. الخ..

 
   
 
 

موقع الميزان